علوان السلمان
يا فضولي..الذل والفقر هما عندي الجاه والعز
وصرخاتي هي صور المحبة وانين الغرام
وآهاتي تعكس للعشاق ثبات آلامي
وله.
لاتتفاخر بما كنزت من ثروة ايها السيد
فكنز الذهب والفضة يدفع بك الى الغرور
اضافة الى الشعراء نسيمي وخطائي والذين يشكلون المدرسة الكلاسيكية الحديثة مثل (فلك اوغلو وخير الله بللو وعلي معروف اوغلو وعثمان مظلوم وخضر لطفي واسعد نائب وغيرهم..اضافة الى عبداللطيف اوغلو وبندر اوغلو وصلاح نورس وعبدالله بياتلي ونسرين اربيل واخرين من الذين تبدأ سيرتهم الشعرية من الخمسينيات وقد تميزوا بموضوعاتهم وافكارهم المعاصرة لكنهم ظلوا متعلقين بالتراث العربي واشكاله، فكانت نصوصهم تجمع ما بين التراث والمعاصرة..وهناك جيل الشعراء الشباب الذين مثلوا الحركة الشعرية التركمانية بتياراتها المختلفة امثال رمزي جاووش ونصرت مردان ومحمد عمر قزانجي وحمزة حمامجي وكمال بياتلي ومصطفى ضيائي وقدرية ضيائي واسعد اربيل ومنور ملا حسون… والذين فجروا ثورة الحداثة الشعرية ورسموا ملامح القصيدة الجديدة وخلقوا كيانها المميز..
والشاعرة منور ملا حسون في تجربتها الشعرية تعبير عن الجمالي والانساني بلغة معبأة باطياف الخيال الذي (يبعث الروح في العدم) على حد تعبير بايرون..لتحقيق الصورة الكونية المتجاوزة بانزياحاتها عن المألوف وتقاطعها مع الواقع والذاكرة والحلم..فتشكل البناء النصي بمدلول معرفي يتكئ على ايحائية تجسد اللحظة الشعورية.. هذا يعني ان تجربتها الشعرية تكشف عن قدرة في امتلاكها وسيطرتها على ادواتها الشعرية واجادتها لاساليبها الفنية ونضج معانيها..مما يشير الى امتلاكها رؤية شعرية ناضجة وخيالا خصبا مع توظيفها ايقاعا موسيقيا منطلقا من بين ثنايا الالفاظ المنتقاة وتحقيق تراكيبها الجملية بقصدية تكشف عن طاقة شعرية تلتفت الى الذات الانساني الآخر للتعبير عن ازمتها والتصدي للقلق من خلال مزج الرؤى الشعرية بالرؤى الاجتماعية وخلق نص يقع تحت مؤثرات صوتية وصورية تفضي الى دلالات معرفية تكشف عن مدى وعيها للعملية الابداعية التي اطرافها(المؤلف(المنتِج)/ النص (المنتَج)/المتلقي(المستهلك)) ..لذا فالخطاب الشعري عندها هو(الحوار الذي تقيمه بينها وبين الجمهور لغاية ما..)..
ملاك يسكنني /يوقظ صمتي/ اندفع نحوه بفستان اخضر/
قلبه ببياض السحاب مغسول/كزنبق ماء عائم/ نقي…كنقاء الايام التي…….
لم تولد بعد / ولن تولد
فالنص عندها يعتمد شعرية تمركزت فيها العاطفة الايحائية بمستويات وتراكيب وصور ودلالات متعددة..فضلا عن اشتغاله بعمق معرفي يستمد شعريته من الذاكرة الذاتية والموضوعية عبر توليفة تجمع ما بين الواقعي والتخييلي من اجل اقامة علاقات تفاعلية بينهما..اضافة الى توظيفها الهواجس التي تسهم في تنمية المسارات الايحائية المكتنزة بفيض دلالاتها المتماهية والحس الانساني من خلال الصور التي تترجم عمق المشاعر المتناغمة وفاعلية التتابع الصوري الواقع تحت مؤثرات صوتية وصورية ولونية منحته صفة التحول المستمر في الرؤيا والبناء الفني..
لاجلك ابحث عن جزر خضراء /تظللها ازهار القرنفل البيضاء /في مجاهل يهطل عليها مطر اخضر / لك…لاجلك اريد ان اصطاد هلالا اخضر / يرقص ثملا على اوتار غجرية /في يوم عيد غير معلن..
فالنص يقترب من الحكائية بتدفق وجداني يشكل حضوره في دائرة الوعي الشعري الذي وظفت الشاعرة فيه اللون لتأطير عوالمها الصورية وتوسيع مدياتها ودلالاتها الموحية..مع اضفاء دينامية حركية من خلال جدلية التشكيل اللوني الذي صار عنصرا من عناصر الصورة الشعرية التي غلبت عليها الخضرة..(جزر خضراء/مطر اخضر/هلال اخضر..)
كون اللون الاخضر لون رئيس في الالوان الضوئية ويتخذ في كثير من الثقافات بعدا روحيا ونفسيا فهو رمز قباب المسلمين وهو رمز للعواطف والجمال وحب الحياة لذا هو المفضل في العمليات الجراحية ..اما طوله الموجي فينحصر بين الاحمر الطويل الموج والازرق القصير..فضلا عما خصه القرآن الكريم في بعض آياته(عاليهم ثياب سندس خضر) وقوله تعالى(وجعله غثاء احوى) أي شديد الخضرة..مما جعله عند المسلمين رمزا مقدسا.. وفي التنجيم هو لون الكوكب عطارد..الكوكب الذي يحكم العقل ويمنح المعرفة..وقد ارتبط عند المصريين بمفهوم النمو والنضارة والحيوية..اضافة الى انه كان المفضل عند نابليون بونابرت والذي قتله في منفاه بجزيرة سنت هيلانه بعد مزجه بالزرنيخ كمثبت للون على جدران غرفته..اما تولستوي فقد وضع امامه وعلى مكتبه قطعة من الكرستال الاخضر..ولا يفوتنا ان نذكر ما قاله علماء النفس في ان الشخصية التي تفضل اللون الاخضر هي شخصية مسامحة..متفاهمة وحليمة يمكن الوثوق بها لوضوحها وبساطتها وهذا ما وجدناه في عوالم الشاعرة منور ملا حسون التي توظف اللون الاخضر الذي توزعت دلالاته على امتدادات المشهد الشعري بتقنية دقيقة حققت استفزازها للذاكرة كون ان (استخدام اللون في التشبيه والتصوير يتطلب مهارة تدل على ابداع الشاعر..) على حد تعبير عبدالقاهر الجرجاني في(اسرار البلاغة) ..
من كل هذا نستنتج ان الشاعرة كانت مقتفية خطى الشاعر الرائد محمد فضولي البغدادي في كون كل منهما يكتب الشعر باللغتين العربية التركية.. لكن فضولي فاقها بالفارسية شعرا..اضافة الى ان كل منهما يوظف اللون وتوظيف اللون عند فضولي ليكشف عن عصرنة فكرية..
سكن القمر فضاء صحنه
وهوت قطيرات الندى
على الخضرة الزاهية..
وشاعرتنا توظفه كرمز دال يشير الى الطبيعة الواقع والمتخيل النفسي..اذ انها بنت المصلى المتميزة بجوامعها فضلا عن تربيتها الدينية.