ملف خاص

يهود العراق .. أسماء وذكريات

مازن لطيف

  

كان يهود العراق يتقربون إلى فيصل لضمان حقوقهم ومصالحهم، وقد اكد فيصل قبل تتوجيه “أنه لايفرق بين المسلم والمسيحي واليهودي في الدولة العراقية لأنهم عراقيون من اصل واحد”.

لقد قام فيصل برعاية خاصة وواضحة ليهود العراق لكي يضمن ولاءهم للعراق للحفاظ على الهوية الوطنية العراقية،  يذكر أن فيصل قام باستخدام بعض اليهود خلال فترة حكمه في النظارة الخاصة،  فكان فكتور بخور،  ونوئيل لورنس وتوماس منشّي موظفين فيها،  وكذلك استخدم ساسون عزرا مأموراً للتليفون الخاص به،  وكان مقدم الطعام له اليهودي داود كرجي وسائقه الخاص ابراهيم كوهين. 

وفي مصايف الملك فيصل في سرسنك كان يديرها عبد يشوع برفقة موظفين هما جوسون بنيامين وزيا لزسي،  وشهدت الطائفة اليهودية في العراق عام 1921 نهضة ملموسة في تدريس اللغة العبرية،  خاصة بعد أن منح الملك فيصل الأول قدرا كبيرا من الحرية ليهود العراق في مجالات مختلفة. حيث اصبحت اللغة العبرية في عهد فيصل مادة اساسية في مناهج التعليم بالمدارس اليهودية الحديثة.

من الشخصيات الشهيرة والتي مازال اسمه يضرب به المثل الشخصية اليهودية العراقية موشي منشي شعشوع صاحب القصر الذي ارتبط باسمه وذاع صيته في بغداد. فاليهود في بغداد كانوا ملوكاً غير متوجين. سكنوا افخم القصور حتى أن التاجر اليهودي شعشوع تبرع بقصره على نهر دجلة لسكن الملك فيصل حينما قدم إلى العراق ليكون ملكاً ولم يعثروا له على سكن آخر يليق بسكنى ملك سوى قصر شعشوع.

 

وشعشوع هذا هو احد اثرياء يهود بغداد، قرر عام 1910 شراء قطعة ارض مساحتها اكثر من 5000 متر مربع في منطقة الكسرة من اجل بناء قصر فخم وصمم القصر في وقتها على احدث التصاميم. وعند وصول الملك فيصل الأول لبغداد اخلي القصر للملك ليقيم فيه لأن القصر الملكي لم يتم بناؤه بعد، وفي القصر استقبل فيصل الوزراء ورجالات الدولة. ثم قرر شعشوع بيع الدار فكانت من نصيب جعفر ابو التمن.

 

يهود الديوانية

 

 

تقع مدينة الديوانية في جنوب العراق الغربي. وهي قائمة على الضفة اليسرى من نهر الفرات فرع الحلة في موضع يبعد عن جنوب بغداد بـ 193 كلم ويعتبر قسما من أراضي المحافظة على ضفة شط الهندية والفرات الايمن. وهي من المحافظات الزراعية بالدرجة الأولى حيث تكثر فيها البساتين وحقول الرز والحبوب والنخيل.

(الديوانية) في الأصل دار ضيافة أنشأها رؤساء الخزاعل أيام شيخهم حمد آل حمود الذي ابتدأت رئاسته حوالي سنة (1747 م ) ليقيم فيها كاتبهم الذي يعهدون إليه أمور الجباية ولينزلها ضيوفهم المدنيون الذين كانوا يترددون عليهم ولا يزال العراقيون يطلقون اسم (الديوانية ) على الغرفة التي تخصص لاستقبال الزائرين والضيوف.

 من أولى العوائل اليهودية التي استوطنت الديوانية عائلة موسى جاءت من شمال العراق عام 1850 بعدها وصلت عوائل يهودية عديدة منها : عائلة اسحاق موسى الذين امتهنوا البزازة،  وبيت حيران الذين سكنوا الحلة ثم استقروا في الديوانية،  وقد امتهنوا الصياغة،  وعائلة قوجمان التي استقرت في الديوانية قادمة من السليمانية،  عائلة زبيدة،  عائلة شيث،  عائلة شاؤل راحيل عائلة اسحق صالح عائلة آل شاهين،  عائلة ابراهيم كوهين عائلة جيرة،  غيرها من العوائل اليهودية.

لعب يهود الديوانية دورا متميزا في شتى المجالات الاقتصادية، فقد كانت عائلة خلاصجي تعمل بتجارة الحبوب وخاصة الأرز التمن واسس ساسون معلم وكالة للنفط وأنشأ اكبر معمل للطابوق في العراق، اما خضوري موسى فقد أنشأ معملا لإنتاج الثلج واخر لطحن الحبوب، .. وقد عمل اغلب يهود الديوانية كموظفين في الدوائر الرسمية،  كذلك عملوا في مهن مختلفة منها في صياغة الذهب والفضة حيث ذاع وانتشر 5 شخصيات يهودية في الديوانية وهم : سلمان ومنشي وحسقيل وابراهام وعزرا وكان هؤلاء الخمسة يتنقلون في نواحي الديوانية للارتزاق وقد كان تعامل اليهود والمسلمين في مدينة الديوانية بوشائج حميمية ولم يكن بينهم أية فوارق دينية.

عائلة ساسون معلم وابناؤه عزت وصالح من العوائل اليهودية المعروفة في الديوانية امتلكت معملا لصناعة الطابوق قدرت قيمته في ذلك الوقت بعشرة ملايين دينار،  وقد صادره حزب البعث وتم تضييق الحياة عليهم واضطروا إلى الهجرة قسرا تاركين كل ممتلكاتهم في العراق. 

 كان عدد اليهود في الديوانية في فترتها الذهبية حتى نهاية الاربعينيات من القرن العشرين 750 شخصا لكن بعد مضايقاتهم وتهجريهم القسري بقانون اسقاط الجنسية عن اليهود عام 1950 لم يبقَ سوى 50 يهوديا خرجوا من الديوانية بعد تسلم حزب البعث عام 1968 السلطة.

هناك حكاية معروفة وتدور على ألسنة اهالي الديوانية يرددونها باستمرار وهي عندما قام احد يهود الديوانية بطرق باب جاره المسلم الفقير واخبره بأن كل ممتلكاته سيصادرها النظام الدكتاتوري الذي أمر بتهجيره ورجاه أن يأخذ منه وعن طيب خاطر اثمن ما لديه من نفائس، فراح الرجل يلطم على رأسه ويقول ( اذا خسرتك شلي بالمال)، ففضل الفقر النبيل على الثراء بنذالة.. كان يهود الديوانية يرتدون ملابس عربية خالصة مثل الزبون والعباءة والعقال وكان لهم محبة واحترام وتقدير لأن عملهم واياديهم كانت بيضاء في التعامل مع الناس وحتى مساعدة الفقراء…وهناك العديد من الاغاني الشعبية التي تغنى مع عزف على آلة الربابة التي تنسب إلى عزرا اليهودي الذي كان صائغا في مدينة الديوانية  ومطلعها:

ويكول عزرا اليهودي ويكول:

يا الراكب على اجتافي منا باك    روح اسأل الوالدة من أباك

بيدي صغت حجل امك وأنا باك.

 

وقد توفي عازف الربابة الاخير من الديوانية قبل حولي عشر سنوات الذي كان يغنيها في حفلات يهود العراق. وبقي احفاده محافظين على ربابته وأغنيه.

يذكر ابراهام خلاصجي أن التلاحم والتآخي بين العرب واليهود في الشامية كان من ابرز مظاهر الحياة وأجملها،  حيث كان المسلمون يشاركون اليهود في ضرائهم وسرائهم فكانوا يحضرون مجالس اليهود،  وكانت دار الوجيه المرحوم الياهو خلاصجي مضيفاً لكل قادم لبلدة الشامية وكان اليهود يشاركون المسلمين في العزاء عند وفاة أحدهم، حتى أنهم كانوا بين المشيعين الذين يرافقون موكب الجنازة إلى مدينة النجف المقدسة عند المسلمين.

 

يذكر أن عائلة خلاصجي من اشهر العوائل اليهودية والتي نزحت إلى الديوانية من ناحية الكفل،  وكان أول من نزح إلى هذه المدينة عام 1890 هو جدهم عزرة داود خلاصجي، وكانت هذه العائلة قد اهتمت بالارض ولاسيما الاراضي الزراعية وإنتاج الشلب في الديوانية وخصوصا في الشامية حيث كان اجود أنواع الرز في الديوانية يسمى تمن خلاصجي،  ولكثرة أراضيهم وممتلكاتهم والاعداد الهائلة من المزارعين الذين يعملون عندهم  لقب الياهو خلاصجي بـ “ملك الديوانية” وكان له مشاركات في العمل مع خوام العبد العباس أو الشيخ شعلان السلمان الطاهر والشخصية المعروفة محسن ابو طبيخ.

قد يهمك أيضاً

استضافة وتصميم: شركة المرام للدعاية والإعلان