علي إبراهـيم الدليمي
ويظل الفنان صالح رضا ملتزما وحريصا على أن يستقي إبداعاته الفنية من انطباعية مدينته الجميلة بعقوبة، التي ظل وفيا لها طيلة مسيرته الفنية، منذ لحظة قطع مشيمه من والدته.. ليربطه في أعماق طبيعة مدينته (الأم الرؤوم) النضرة بأشجارها الزاهية، حيث أبصرت عيناه أروع الألوان وهو يولد بين أحضان جمال الطبيعة، ليترعرع فيما بعد وينشأ بشكل صحيح وصحي، وتتربى بصيرته وبصره على ثوابت ألوان وأبعاد وزهو الطبيعة الخلابة، التي تنفس الصعداء فيها، معافى من مفردات الحداثة الغربية والمتغيرة باستمرار.
هكذا كانت نشأة الفنان صالح رضا، وهو يستلهم أعماله الفنية من زوايا مختلفة ومتنوعة، وهو ما جسده في معرضه المقام حاليا في قاعة “أوج بغداد للفنون”، والذي يقول عنه “عبر الغرفة المظلمة التي أطل من خلالها على العالم الخارجي وعبر النافذة يمتد بصري نحو الأفق بواقع وخيال، وصمت وضجيج وظلام ونور وقوة، وضعف وجمال وقبح وماض وحاضر، وبأمل ومستقبل وبلهفة وحب”.
ويضيف “بهذا التوازن رسمت لوحات تعبر عن عشقي لوطني وعن واقع الحال الذي نعيشه، لأجسد فيها صدق مشاعري وأحاسيسي ليكون هذا المعرض جسر تواصل ومحبة”.
كان معلمه الأول، شقيقه الأكبر الفنان المعروف علي رضا، يوجهه، منذ بداياته وهو في الرابعة من عمره، إلى الرسم الأكاديمي الصحيح: النسب، التشريح، البعد الثالث، مزج الألوان، التكوين.. إلخ، وكان خلال وجوده في المراحل الدراسية الثلاث يشارك في المعارض الفنية، ويحصد المراتب الأولى فيها، حتى دخوله أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد عام 1980، ليدرس على أيدي البعض من عمالقة التشكيل العراقي كفائق حسن وكاظم حيدر وفرج عبو ونعمت محمود وإسماعيل الشيخلي، وحاول في السنة الجامعية الأخيرة أن يعيد الدراسة سنة أخرى لينهل بشغف من التعلم على يد أستاذه فائق حسن الذي كان يزج بهم في سفرات فنية إلى طبيعة شمال العراق.
وعندما تعرض العراق للحصار الدولي، هاجر صالح رضا وفي حلقه طعم حنظل الفراق، يقول متألما “خرجت من واحتي الخضراء إلى المنافي مرغما حاملا معي أزهاري وألواني، النار المشتعلة في صدري تشوي بدني فذبلت أزهاري الناضرات وأصبحت عودا يابسا أصنع منه فرشاتي، أتفاخر بثروتي، ولكن لا فائدة من ذلك فما أبعد الفارق بين النبات والقتاد، وهل يستوي الربيع والشتاء؟
لا جدوى من خداع النفس، ندفن رؤوسنا إزاءها في الرمال وتمر الأيام والأشهر والأعوام، وفجأة نواجه الكهولة تتساقط فيها القلوب من الصدور، كما تتساقط أوراق الخريف من الشجر صامتة تاركة وراءها كل الأشياء لأنين الرياح”.
وعن تجربة صالح رضا الفنية كتب الأديب أديب أبونوار “لست مهتما بالنقد التشكيلي بمقدار ما أنا أتابع التشكيل والتشكيليين، وأجد في ذلك متعة فائقة اللذة، ولكن الذي حدث أن صالح رضا الذي تربطني به معرفة المكان والسكن كان يتدرب على الرسم ويطور قابلياته تباعا، أما وقد هاجر بحكم الظرف الاقتصادي وزار ثلاث دول عربية ليعمل في التدريس، فقد عاد وهو يشكل فتحا جديدا في مسيرة فنان تطور بجهد شخصي بحت، بل حتى علاقة أخوته بالفنان المبدع علي رضا لم تؤثر في اختياره هذا الأنموذج الفني الجديد، صالح رضا يبتكر، وهو بذلك يؤسس لفنان سنجده في قريب الأيام قد تصدر واجهة هذا الفن الأنيق والمهم”.
وذكر الناقد عادل كامل “الجذور وموضوعات الحلم في الوقت الذي تزدحم فيه بعض نصوص صالح رضا، بعناصرها التشكيلية، نراه في النصوص الأخرى، شديد الاختزال والحذف لها، إنه في هذا المنحى لا يفارق الواقع: عنفه وقسوته وتحولاته، إلى جانب علاماته الراسخة المتمثلة في رموز الطبيعة وأحلام الإنسان”.
الفنان صالح رضا يبقى واقفا متأملا ما يجيئه من هذا العالم الغريب، والبسيط في أعماله، فلوحاته تدل على تجربته المتنقلة بين العواصم. وإذ يركن فرشاته، فإنها تدعوه لأن يضع ألوانه على لوحته الجرداء الموحية، ونجد في أحايين كثيرة أن روحه تهفو إلى الأساطير والتاريخ، ليشعر بأمان الفنان مع فنه وإبداعه”.