لم تبق صورة الزعيم عبد الكريم قاسم خالدة في الذاكرة الجمعية للمجتمع العراقي بسبب تفجيره لثورة تموز الخالدة ، ولا كان مصدر الحب الذي يكنه الشعب العراقي لهذا الرجل هو جريمة اغتياله البشعة التي اقترفتها الفاشية البعثية ،بل ان ذلك الخلود الذي ينعم به والحب الباقي ابداً في قلوبنا ، سببه تواجد الحس الوطني الكبير الذي تمتع به الزعيم طوال وجوده في الحكم الذي لم يمتد لاكثر من اربعة اعوام ، وكذلك الضمير الحي الذي يملكه ، لذلك حين تسنم مقاليد الحكم بعد الثورة ، اشتغل من اجل الوطن والمواطن ، حيث اتى بحكومة (تكنو قراط) ادخل فيها حتى مبغضيه ، فالزعيم لم يحمل حقداً على احد ، ورفع شعار (عفا الله عما سلف) ، وهو الشعار الذي دفع ثمنه غالياً بعد ان استغله الاعداء شر استغلال ، ومع بدء اشتغالاته فكر بالفقراء كثيراً وجاس همومهم بحسه العالي ، فوفر لهم ما يحتاجونه من سبل العيش التي تحسنت كثيراً في عهده ، وصار الفقراء يلهجون بالشكر لله ان منّ عليهم اخيراً بهذا الحاكم العادل ، الذي لم تغره السلطة وتسوقه باتجاه الطمع والجشع وسرقة اموال الشعب كما يحصل اليوم مع بعض المسؤولين الذين اهملوا الفقراء ومطالبهم ، وراحوا يغرفون الاموال والعقارات ، ويؤسسون الشركات ويفتحون الارصدة في البنوك العربية والعالمية ليضعوا فيها ما (يخمطونه) من خزائن البلاد ، التي فتحت على مصراعيها حين استغلوا الفراغ الامني والسياسي، الذي عصف بالعراق ، فتحولوا الى عصابات منظمة تمارس السطو العلني والسري .
الزعيم بالمساحة الضيقة والمسافة القصيرة التي عمل فيها ، استطاع ان يترك منجزاً معمارياً وانسانيا مازال شاخصاً الى اليوم ، فها هي الجسور والمنشآت باقية تذكرنا بذلك العصر الجميل الذي اسس له زعيمنا الخالد ، في حين ان حكوماتنا التي اعقبت انقلاب شباط الاسود وحتى يومنا هذا ، مازالت تتخبط في الاداء ، واهملت شريحة الفقراء اهمالاً ترك بقلبهم الغيظ ، وجعلهم يبتهلون من جديد للرب ان يمنّ عليهم بقائد يحمل صفات وانسانية وضمير الزعيم عبد الكريم قاسم عسى ان يرفع عنهم الحيف ويعيد لهم حقوقهم المنهوبة سراً وعلانية من قبل بعض اللصوص السياسيين غير المهتمين بما يجري لوطنهم وشعبهم بعد أن ضاع ضميرهم بين ارقام المبالغ التي استولوا عليها ظلماً..!