اراء وأفكار

عن حسن حريب أحدّثكم

محمد مؤنس

 

   

بكلمة أنتم فاشست التي أطلقها بوجه سمير الشيخلي  (اليد الطولى ) للمقبور صدام حسين، نبدأ سرد حكايتنا عن شاب رياضي نشأ وترعرع في مدينة الثورة. حكاية امتزج فيها الفرح والحزن والواقع مع الخيال. لرياضي ولاعب كرة قدم ممتاز، كان ممكنا أن يتصدر قائمة لاعبي المنتخب العراقي في سبعينيات القرن الماضي لولا انه كان مشاكسا ولا يتحلى بروح الرياضة وقوانينها هذا من جهة ومن جهة أخرى تراه صاحب مروءة وغيرة  وتصرفاته تفيض بالشهامة والاباء و الخجل و احترام من يكبره سنا، مطيعا معترفا بذنبه اذا أخطأ واذا ما وضعنا أنفسنا معيارا أو مسمارا بالغ الدقة لكفتي الحكم على شخصيته نجد أنفسنا عاجزين في اطلاق الحكم عليه لأن كل سيئاته اذا جاز التعبير سوف تلتهمها ينابيع محاسنه التي يتصف بها. قصتنا تبدأ عندما أقدم النظام الفاشي على إعدام لاعب المنتخب الوطني  الشهيد بشار رشيد هو ومجموعة من رفاقه الأبطال نهاية السبعينيات من القرن المنصرم، وكان ..حسن .وهذا اسمه تربطه علاقة و صداقة حميمة مع المرحوم بشار لذا كانت  هذه الحادثة قد أثرت عليه حتى كادت تنسيه نفسه وأن يكون إنسانا عاديا يعيش حياة طبيعية. حاول الهروب من هذا الواقع الذي يعيشه بأن يلتجئ إلى الخمرة وان يكون ثملا لكي ينسى الألم والجرح الذي بداخله بعد إعدام بشار .والحق فقد كنت اعذره لأني أعرف عمق الجرح الذي بداخله بعد فقدان صديقه الذي رحل مظلوما لا لسبب سوى أنه يحمل فكرا مخالفا لفكر البعث الفاشي. أبكته هذه الحادثة ساعات وأياما وشهورا حطمت عنفوان شبابه لينفجر بعدها وتأتي اللحظة وتهدم جدار الصمت الذي كان يمور في صدره. لذا سألنا ذات يوم ..أين يجتمع البعثيون ؟ بصراحة تملكنا الخوف وقلنا له وما شأنك انت بهم ؟وبعد سجال طويل كان النصح فيه هو  من يتصدر  بعد أن علمنا نيته أخبرناه أنهم يجتمعون في المدرسة الفلانية قرب بيتكم بشكل أسبوعي أو يومي ولا نعرف لأن الإجتماعات مستمرة لايذاء الناس والمجتمع ومناسبات القائد كثيرة نام القائد مناسبة .صحا القائد مناسبة .ميلاد القائد مناسبة .. (تغوط القائد )مناسبة وهكذا وفي كل مناسبة تدخل مدينة الثورة إنذارا يبدأ  من أول المناسبة وينتهي بحلول المناسبة الثانية وتكون المدينة  في دوامة من القلق والخوف والترقب والحذر..وعند معرفة حسن مكان تجمع البعثيون قال ونحن بين مصدق ومكذب … بسيطة  (أني الهم) وتعهد أن يعزل الحزب وهو يؤكد اني مو سكران. .ثم ذهب صوب المدرسة المعنية بعد أن أخرج مسدسه وسحب أقسام سلاحه ودخل عليهم وهم مجتمعون في احد الصفوف وخاطبهم  (شتسوون أنتم هنا ) فأجابوه والشرر يتطاير من أعينهم نحن حزب البعث ونحن السلطة وعندنا إجتماع  (أطلع بره )وبدل أن يخرج أو ينسحب أخرج مسدسه وأطلق أربع عيارات نارية في سقف الغرفة والصف الذي كانوا يجتمعون فيه فهربوا جميعا يخاطب أحدهم الآخر أنجي بنفسك. وقد كان هذا حدث فريد ليس له مثيل سابقاً تناقلته ألسن الناس ووصل إلى الجهات الأمنية الذين سرعان ما جاؤوا وألقوا القبض على حسن  أثناء الليل وهو نائم. سجن على اثرها سنة وثمانية أشهر وبقيت  الناس تتندر بهذه الحادثة بين مؤيد له يثني على شجاعته وبين لائم يقول انه متهور لا يعرف قدر نفسه. ثم مضت الأيام واذا به يخرج من السجن الذي لم يثنه عن عزمه وروحه المشاكسة. وحتى لا أطيل فقد ذهب مرة أخرى للنوادي يحتسي الشراب وقد اشترى مسدسا مرة أخرى بعد أن صودر المسدس في الحادثة الأولى. وقد جاء في احدى الليالي بعد خروجه من السجن مخاطباً أيانا قائلاً  ( أكلكم هذوله البعثية هم بعدهم يجتمعون بالمدرسة ) فأجبناه نعم فالنظام هو نفسه لم يتغير .ولم يدر ببال أحد ما كان يخطط له ( حسن ) فقد خرج للتو من السجن وهي عقوبة رادعة فقد كانت في سجون الطاغية وفيها ما فيها من تعذيب وتنكيل. .وبعد مرور عدة أيام على وعيده تأكد انهم ما زالوا يجتمعون في نفس المدرسة بمناسبة أو بدون مناسبة. فحمل مسدسه مرة أخرى ودخل عليهم بالطريقة ذاتها لكنه لم يسألهم هذه المرة بل خاطبهم  ( أني مو من ذيج المره كلتلكم بعد لا تجتمعون هنا ) فظلوا فاغرين أفواههم تدور أعينهم حول بعضهم   قبل أن يهربوا من صوت العيارات النارية التي أطلقها حسن في سقف المكان الذي يجتمعون فيه وقد صح وعيده فقد (عزل )حسن الحزب مرتين وانتشر الخبر بين متندر وبين خائف على حسن وذويه بما لا يحمد عقباه ولم يطل الأمر فقد وصل خبر الحادثة إلى الأمن والأستخبارات والمخابرات ..وحسن ..غير عابئ واستطاعوا بسهولة إلقاء القبض عليه وقبل أن يذهبوا به إلى أي جهة أمنية طلبه سمير الشيخلي الذي كان يومها المسؤول الأول عن مدينة الثورة وأحداثها وما يجري فيها. وفعلا جيء به إلى سمير الشيخلي فكانت هذه المحادثة بينهما : قال سمير الشيخلي لحسن. ابني انت ليش تعزل الحزب؟ فأطلق حسن عبارته التي ستبقى ترن في أذن التاريخ ..انتم (فاشست ) وقد أرعبت هذه العبارة  الشيخلي وقتها مما جعله  يطلب من حسن الجلوس أمامه ليتسنى له معرفة ما بداخل هذا الشاب من أفكار سياسية متطرفة كما يظن. ولكن سرعان ما تغيرت تلك الصورة بداخل الشيخلي بعد أن عرف انه إنسان ليس ذي خبرة أو ضلوع في السياسة فاشتد غيظ الشيخلي وانهال على حسن بالضرب بهراوة كبيرة حتى سقط مغشيا عليه وبعد أن فاق وجد نفسه أمام محكمة صورية حكمت عليه بخمس سنوات سجن  (أظن أن عناية الرب قد تدخلت في ذلك الحكم  )وقد خرج حسن بعد تلك السنين محطما منسيا ليعيش ما تبقى من عمره منزويا مع ذكرياته بعد إنتقال عائلته إلى منطقة ابو دشير ويعيش  تلك الذكريات بحلوها ومرها وحيدا من غير مواساة إلا من بعض الأحبه وانا منهم .وكنت امازحه أحيانا قائلا لماذا لا تعود إلى أيامك القديمة ياحسن. فيجيبني انه ليس نادما على ما فعل .فأكبر فيه تلك الروح القوية التي لم تبحث عن المغانم والمكاسب التي يتمتع بها اليوم جماعة رفحاء والخدمة الجهادية.رغم انه أحق بها فقد حمل سلاحه في العلن ولم يجبن أو يتخاذل ذلك هو البطل ..حسن حريب. .الذي قال  وفعل. .

قد يهمك أيضاً