إذا كان من يذهبون إلى الجبهات من المقاتلين أو الجنود من أجل الحصول على المال يطلق عليهم “مرتزقة” وهي صفة تتصف عادة بالخسة “والنذالة” فماذا يمكن ان نطلق على من يذهبن إلى الجبهات من اجل المشاركة في “المجهود الحربي” على طريقة “جهاد” النكاح، نعتقد بان الإجابة أو “التسمية” موجودة لدى كل منا..لكنها أخذت مؤخرا صبغة جهادية باسم الدين و أطلق عليها : جهاد المناكحة أو فتوى جهاد النكاح وهي فتوى مجهولة الهوية إنتشرت على هامش الأزمة السورية (2011-إلى الآن) تدعو النساء إلى التوجه نحو الأراضي السورية من أجل ممارسة نوع خاص من الجهاد، أي إمتاع المقاتلين لساعات قليلة بعقود زواج شفهية من أجل تشجيعهم على القتال،وعلى الفور التقط الخبر من قبل بعض وسائل الإعلام .. حيث برز “جهاد النكاح” من جديد في شهر سبتمبر 2013 ، فتم بث فيديوهات لـ”شهادات” ونشر “جداول أعمال” لنساء يتعاطين هذا النشاط، في مختلف وسائل الإعلام العربية…و من هنا بدأت هذه الصرعة الجهادية تتداول في الاوساط الاعلامية هدفا من البعض في التأثير على نظرة المجتمع العربي و الدولي تجاه الوازع الاسلامي الحقيقي ،ومن جهة أخرى دافعا لمواجهة الذين يتبنون المبدأ الثوري باسم الدين و الجهاد و تعرية حقيقتهم ..( الحقيقة ) حاولت تسليط الضوء على كيفية التحكم و«دمغجة» عقول الشباب والمراهقين.. ومدى صحّة تجنيد الفتيات لفائدة تنظيمات «داعش» و«الجبهات المتطرّفة الأخرى» ، اضافة الى توضيح المفهوم الجهادي الحقيقي انطلاقاً من رأي الشريعة و أصحاب الشأن…
تحقيق ـ سناء الحافيرأي الشريعة: بين التحريم و الدعوة الى المقاومة …!!
اذ أكد الدكتور عيد يوسف أمين لجنة الفتوى بالجامع الأزهر، تعليقاً على واقعة انتحار 4 سيدات رفضن تسليم أنفسهن للمغتصبين، أنه لايجوز للمرأة التخلص من حياتها إذا أجبرت على الفاحشة أو الاغتصاب، لأنها مجبرة -أي مكرهة على ذلك-، لافتًا إلى أنها إذا أقدمت على الانتحار فهي آثمة.
واستشهد عيد في تصريح له”، بقوله تعالى: “إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإيمَانِ” حيث أجبر الصحابي الجليل عمار بن ياسر رضي الله عنه، على كفر بلسانه واطمأن بالإيمان قلبه؛ مؤكداً أن هذا في حالة إكراه الإنسان على فعل مايناقض دينه، فإذا كان هذا من باب الكفر، فما يجوز على من تجبر على ارتكاب الفاحشة. وأضاف أن على المرأة المجبرة على الفاحشة المقاومة قدر المستطاع ولا تسلم نفسها من أول الأمر، فإن تم الإجبار فلا شيء عليها، مؤكداً أنه ينبغي عليها المقاومة بجسدها ويكره قلبها.
وأوضح أنه إذا كانت تعلم الحكم وأقدمت على الانتحار فهي آثمة لأن الإنسان لا يملك نفسه وإنما هو مللك لله، قال تعالى: “ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة”. وحديث الرسول قال صلى الله عليه وسلم: “من تردى من جبلٍ فقتل نفسه فهو في نار جهنم”.
وفي سياق آخر، اضاف قائلا : ( إن نكاح الجهاد لا يوجد في الإسلام، والزواج الشرعي هو المعترف به في ديننا الحنيف بدفع المهر والشبكة وأن يكون مشهراً وغير مؤقت المدة وغير ذلك من شروط الزواج الصحيح.
وأشار إلى أن نكاح الجهاد ربما يطلق على نكاح المتعة الذي رخصه النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى الغزوات ثم منعه أثناء هذه الغزوة وهو ما يسمى بالزواج المؤقت).
جهاد المحارم: صرعة أخرى بعد جهاد النكاح !
و من الملاحظ فقد كثر الحديث عن الفتاوى التي تحدثت عن أنواع الجهاد المتبعة بين صفوف (المجاهدين) أو الذين سماهم البعض مجاهدين،و قد تبعها بعد فترة ظهور نوع اخر من الجهاد، وهو جهاد المحارم أي بين الإخوة أو الآباء والأبناء وغيرهم ممن هو محرم بالشرع والدين، لتخرج الوسائل الإعلامية متناولة كالببغاء هذا الموضوع متداولة ما أتى به أحد الإعلاميين دون أن يقوموا باستقصاء حقيقي حول الموضوع. وهكذا كل يوم تظهر فتوى أغرب مما سبقتها عن أنواع الجهاد وكلها تتعلق بالعلاقات الجنسية والفتاوى الشرعية، وهذا يصيب القضية الأساسية التي ندافع عنها في الاصل..
لذلك يمكننا أن ندافع عما نريد بطريقة شريفة، وعلى الإعلام ألا يخوض في لعبة قذرة تزيد الشرخ بين أبناء المجتمع الواحد، فإذا كان الحق معنا فيمكننا الوصول إليه دون أن نستخدم أساليب لا تتفق مع أخلاقنا. يجب أن نتعامل بأخلاقنا لا بأخلاق من نحاربهم، وهذا يحتاج إلى الجهد والعلم والمزيد من البحث والتقصي، فالقضية المحقّة تستحق دفاعاً محقاً.
فتوى “جهاد النكاح” إباحة للزنا بامتياز…!!
و يقول الكاتب رشيد شاهين في حديثه لـ( الحقيقة): ( ان فتوى “جهاد” النكاح، إباحة للزنا بامتياز، متسائلاً . هل سمعتم عن جهاد النكاح، إنه وبحسب ما نشر في بعض وسائل الإعلام وما هو موجود على “اليوتيوب” آخر ما حرر أو صدر من فتاوى، وقد نسبت الفتوى إلى الداعية السعودي محمد العريفي الذي نفى في خطبة دينية له صدور مثل هذه الفتوى عنه معتبرا انها “كلام باطل لا يقبله العقل”. مضيفاً ( نستغرب صدور مثل هكذا فتوى، خاصة وان هنالك العديد من الفتاوى التي تشبهها أو على غرارها، والتي تتعلق جلها بموضوع له علاقة بالجنس أكثر من أي شيء آخر، هذا الموضوع الذي ما إن تأتي على ذكره حتى “يجفل الجافلون” و”يستنكر المستنكرون”، علما بأن الله سبحانه، يتحدث في قرآنه العزيز بكل وضوح، وبدون مواربة، عندما يلزم ذلك في الآيات التي تتعامل مع هذا الموضوع، كما ان الرسول العربي “ص” وصحبه، كانوا إذا ما ناقشوا الموضوع فإنهم لم يترددوا عن الخوض فيه بدون “حياء” أو خجل”،على قاعدة “أن لا حياء في الدين”.
معتبراً ان فتوى جهاد النكاح هي ليست سوى فتوى أخرى تتعلق بموضوع “جنسي” بامتياز لا يحتمل التأويل أو التفسيرات “العرجاء”، هذا الموضوع الذي يشغل أمة “العربان”، بحيث أصبح هذا الموضوع “الجنس” هو مدار معظم ما يصدر من فتاوى، وكأن العقل العربي ليس سوى واحد من الأجهزة التناسلية التي لا ترتبط سوى بالجنس، وكذلك الموضوع الديني الذي بات لا يرى المسائل إلا من خلال هذا الإطار.
مؤكدا على ان الفتوى بحسب ما نشر، عبارة عن نوع “جديد” من أنواع “الجهاد” والتي بحسب ما نرى، إنها في الحقيقة ليست سوى دعوة واضحة وصريحة “للفاحشة” التي نهى الله ورسوله عنها، وهذا “الجهاد” هو نوع من أنواع “الجهاد” الذي لم نسمع به من قبل ولا من بعد، ابتدعه من ابتدعه، وحلله من حلله.
هذه- الفتوى- لا تختلف كثيرا عن الفتاوى التي تَعِدْ “المجاهدين” بالحور العين في جنات النعيم، وبعشاء “فاخر” بصحبة الرسول الأعظم في ذات المساء الذي تصعد روحه “المجاهد” إلى السماء، هذا بغض النظر عمن هم ضحاياه، سواء كانوا عربا أم عجما، مؤمنين أم غير مؤمنين، مسلمين أو غير مسلمين، شيعة أم سنة، لا فرق، المهم أن تصعد روحه التي يقولون له بانها “طاهرة” إلى السماء، ليجد من “الأجواء” والمتعة والنشوة ما لا مثيل لها حتى في ألف ليلة وليلة.
و قد اشار شاهين في حديثه لـنا ، أن مضمون فتوى “جهاد” المناكحة أو النكاح ينص فيما ينص على أن يقوم “المجاهد” بعقد الزواج على الفتاة التي لا بد وأن يكون عمرها أربعة عشر عاما فأكثر، أو من المطلقات أو الأرامل، ثم يقضي حاجته الجنسية بطريقة “شرعية”، ثم يتم بعد ذلك إلغاء العقد، ليعقد لذات الفتاة على “مجاهد” آخر، ربما في نفس النهار أو ذات الليلة، والحقيقة هي ان السؤال هنا، إن لم تكن مثل هذه الممارسة هي البغاء والدعارة بعينهما، فماذا يمكن ان تكون؟ وماذا يسمى مثل هذا النوع من الممارسة؟
جهاد النكاح : دعوة الى البغاء الحلال فقط!!
و يضيف الدكتور معتز النوري قائلا : ( يقولون عن المسلمين انهم شعوب “متخلفة غليظة وهمجية”، تمقت الانفتاح ولا تكترث إلى الجنس وتنظر إليه على انه يحط من الأخلاق، ويتهمونهم بكل الصفات التي تجعل منهم شعوبا اقرب إلى الإنسان الأول والحيوانات منهم إلى الجنس المتحضر الذي يعيش في بداية الألفية الثالثة، انها دعوة إلى “الانفتاح” والتحرر لم تصدر أبدا عن أي جهة في العالم، دعوة إلى “البغاء الحلال” تماما كما هو الأكل المذبوح على الطريقة “الحلال”، وتحويل الفتيات المسلمات إلى “مومسات” لكن بفتوى أو بالشرع وبالقانون “يا بيه”.
معتبراً ان “جهاد” النكاح هي آخر “الصرعات” التي يمكن ان تخطر عل بال أي منكم، انها دعوة إلى نساء وفتيات العربان والمسلمين، التوجه إلى الدول المشحونة من الخارج لزعزعة امنها و امانها من اجل التخفيف عمن يدّعون الجهاد والترفيه عنهم..
” التلطّي ” وراء الدين….خنوع وتخلّف و تبعية !!
وفي هذا السياق ، هناك من يرى أن “التلطي” وراء الدين من اجل الترويج لفكر لا علاقة له بالإسلام الذي على الأقل نعرفه ونشأنا عليه، لا يمكن ان يكون هو الحل، ولا يمكن ان يوصل الأمة إلى أي مكان سوى المزيد من الخنوع والتخلف والتبعية ضمن انتشار شبكات ارهابية من اجل استجلاب الفتيات للعمل مع “المجاهدين”، والتخفيف عنهم، من خلال إقامة علاقات زوجية عابرة لا تتعدى سويعات محدودة، هي ليست سوى علاقات “جنسية” تحمل كل مواصفات الزنا، كما أن مثل هذه الشبكات، لا تختلف بحال من الأحوال، عن الشبكات والعصابات الدولية، التي تعمل في مجال الدعارة وتجارة البشر، إلا ان هذه الشبكات “الإسلامية” تستقطب الفتيات من خلال هذا الاستغلال للدين.
لذلك فإن فتح الباب أمام كل من هب ودب ليقوم بتحليل هذا وتحريم ذاك، وتكفير هذا وتزكية ذاك، لا يمكن ان يكون هو السبيل إلى مجاراة هذا التطور الذي يجري في العالم، ولا بد من وضع حد لهذا العبث الذي يسميه البعض “إفتاء” حيث لا بد لجهة ما في هذا العالم “الإسلامي”، لديها السلطة، أو القدرة، على تحديد الجهات التي يمكن لها ان تقوم بمثل هذا الأمر، ولا بد من ضوابط وقوانين تماما مثل تلك التي وضعت لضبط عملية الاجتهاد، التي تحكمها معايير وشروط محددة، بحيث تحول دون مثل هذا الإسفاف والاستهتار بعقول الناس وعواطفهم كما وغرائزهم.
” مشايخ الشهرة” وجوه للبدع و التطرّف !!
و بذلك فإن “جهاد النكاح”، هو أحدث البدع “الجهادية” التي أطلقها عدد من مشايخ “الشهرة”، كما يشير بعض المتخصصين في الشأن الإرهابي، فضلاً عن استنكار المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية لهذا النوع من الفتاوى التي تستغل جسد المرأة من اجل قضايا جنسية بعيدة عن واقع جميع الأديان..
لكن الامر، على ما يبدو، أصبح خارجاً عن نطاق السيطرة، وسط القصص والحكايات التي تنشر بصورة شبه يومية عن قاصرات ومراهقات، شددن الرحال، وتحملن عناء السفر ومخاطر الذهاب الى الحروب، من اجل ممارسة “جهاد النكاح” مع العناصر المتطرفة، التي تطلق على نفسها لقب “مجاهدين”..
الأطر الاجتماعية و المعالم النفسية للجهادي :
بين ضعف الشخصية و الدمغجة الدينية!!
و يؤكد الباحث و الكاتب انيس منصور في حديثه:(ان الكثير من الباحثين، خاصّة في علم الاجتماع و علم النّفس، انكبّوا على دراسة الشّخصيّة النّمطيّة للجهادي المستعدّ للشّهادة لتحديد الأطر الاجتماعيّة و المعالم النفسيّة التّي تساهم في نحت هكذا شخصيّة، ففي البداية استخلص جلّهم أنّ من يمكن اقناعهم بهذا الخطاب هم أساسا من ضعاف الشّخصيّة و ممن لهم مشاكل نفسيّة تسهل معها الدّمغجة الدّينيّة.
إلاّ أنّنا اليوم أمام نمط مختلف لم يسبق و أن تناوله الباحثون بالدّراسة. فما حدث في الدول التي تشهد مثل هذه الصرعات الجهادية يجعلنا أمام أنماط أخرى من الشّخصيّات التّي لا تقوم تركيبتها النّفسيّة على العامل العقائدي الدّيني و ما يتعلّق بذلك من بحث عن الجنّة في الآخرة بقدر ما نحن الآن أمام أنماط تبحث وسط التّشريع الدّيني عن متنفس دنيوي تخترق به خطّ الممنوع و المحظور اجتماعيّا و دينيّا و أخلاقيّا، و هو ما يمكن أن نستخلص منه أنّ الخطاب الدّيني في صياغته الإيديولوجيّة و تركيبته الجهاديّة تهاوى و اصبح غير قادر عن الاقناع و الدمغجة و هو ما يجعله يبحث عن قاعدته البشريّة في مستنقعات أخرى.
فهو لم يعد يراهن على العامل العقائدي المتحمّس لإرساء العقد الإلاهي بل بات يبحث عن من بنفسه وَهَن و يبحث عن سُبل لاختراق دائرة المحظور من بابها الشّرعي، و هكذا يكون جهاد النّكاح عنوانا لإفلاس الجهاد الدّيني.
رأي علم النفس : الوقوع في براثن الارهاب وثقافة الموت!!
و تحدث الدكتور عماد الرقيق الدكتور في علم النفس عن أسباب وقوع اليافعين في براثن الارهاب قائلا: ( أولا هناك عدم وجود مستوى تعليمي كاف اضافة الى توتر الشباب ووجود انفلات وعدم الخضوع لقانون بسبب غياب مفهوم الأب والأسرة، و من جهة أخرى فإن الخطاب المتطرف بسيط يتماشى مع النفسية الهشة للشباب لتجاوز الحدود، فالمراهق لا يفكر ولا يؤجل ولديه نقص في هذه المدارك لذلك مع مصطلحات مثل دخول الجنة والطاغوت يسهل تطويعه وجره نحو الجماعات.
وأضاف الرقيق أن الفقر واليأس من المستقبل وحالة الفراغ من أسباب الدخول في متاهة الارهاب… إضافة الى ذلك فإن تفكك الاسرة والفراغ يساهمان في قلة الانضباط ودمغجة الشباب والمرور حتى الي حركات انتحارية تضره وتضر الآخرين خاصة أن تفكيره لم ينضج، إنه الهروب من الواقع نحو ثقافة الموت التي يروج لها الآخرون،مؤكداً في ختام حديثه على أهمية مراقبة الاولياء لأبنائهم والاقتراب منهم ومراقبة الحوارات في شبكات الانترنت وغيرها.