حوارات وتحقيقات

الشاعر المغترب يحيى السماوي لـ ( الحقيقة ): الناقد الجيد يحتاج نصوصا جيدة ليجري عليها بحوثه الإبداعية في مختبره النقدي….!!!

في عدد اليوم بصحيفة الحقيقة ضيفي على مائدة الحوار شاعر عراقي يمتلك براعة الكشف عن مكنونات ذاته وذاكرته اللتين تشيان بأن مايختزنانه اكثر مما انسكب منهما ،وهو انسكاب يوحي بفخامة صاحبه و قداسة حرفه بلاشك..ففي حديثنا معه امتزج الشعر بالفلسفة والفكر ليضعنا في مسار يقودنا الى أسئلة أخرى ليؤكد لنا أن جذوة الشعر لا يمكن أن تنطفئ في شاعر حقيقي ..وهذا لأنه شاعر اثبت رسوخ تجربته في المشهد الشعري العراقي عبر مجاميع شعرية متعددة نذكر منها : عيناك دنيا، جرح باتساع الوطن ، تعالي لأبحث فيك عني،…قلبي على وطني الذي حاز على جائزة الملتقى العربي في أبها لأفضل ديوان شعر عام 1992 ،..و ديوان” هذه خيمتي .. فأين الوطن ” الحائز على جائزة الإبداع الشعري برعاية جامعة الدول العربية عام 1998

الشاعر يحيى السماوي …ضيفنا اليوم على امتداد الشعر و فطرة الوطن ، نبضت روحه من أرض السماوة ليتّسع وهج ميلاده الى خارج العراق –استراليا-، في رحلة البحث عن الذات و و بعض الأمان….هو عضو في اتحاد الادباء العراقي،و عضو اتحاد الادباء الاسترالي… و رابطة شعراء العالم ،حظي شعره بعدد من البحوث والدراسات الجامعية لنيل شهادتي الماجستير والدكتوراة ،كما ترجمت له منتخبات شعرية الى الاسبانية والفرنسية والإيطالية والألمانية والفارسية ….و على أثير الحب و العودة به الى نسائم السماوة نرحب به بطيب الشعر و العشق فأهلا و سهلا به اليوم بيننا :

طينُ (السماوة).. لا نجمُ السماواتِ

يشدُّ أمسي ويومي بالغد الآتي

 

أهكذا العشقُ? يسبيني وأحملُهُ

رغم انطفاء شبابي واندحاراتي؟

حوار – سناء الحافي

 

 

 

الشاعر يحيى السماوي ، حللتَ أهلاً و وطأت سهلاَ في دار الحقيقة العراقية ، و نستهلّ حوارنا معك من رحم السماوة…، حدّثنا عمّا تختزله ذاكرتك اليها من حنين و كيف يعود اليها يحيى السماوي برؤى الطفولة من خلال ابداعاته ؟

ج : أهلا بك أختا وفلاحة مبدعة في بستان الشعر ، وبدار الحقيقة فضاء محبة ومنبرا لثقافة التسامح وصوتا للحقيقة في زمن الباطل هذا .. الحديث عن السماوة صعبٌ صعوبة أن نجمع ثمار بستان شاسع في صحن أو منديل … يكفي أن أوجز فأقول : السماوة هي جنتي وجحيمي معا .. لولا السماوة لبقيت نكرة لا يكفيني الألف واللام لتعريفي .. يكفي أنني أتمنى أن تكون إغفاءتي الأخيرة في السماوة فأختم حياتي فيها تماما كما ابتدأت الحياة فيها .. الان وأنا في الستين من عمري ، لا أمارس طفولتي إلآ في السماوة كلما زرتها ، فأجوب أحياءها القديمة حيث البيوت الخفيضة ورائحة خبز تنانيرها والأزقة الضيقة التي كنا نصنع من طينها دمى ومن جريد سعفها أحصنة ، وحيث البيوت مفتوحة الأبواب فنشعر ـ نحن الفتية والصبيان ـ أن كل البيوت هي بيوتنا وكل الأمهات أمهاتنا .. صحيح أن السماوة مدينة عاشت منسية في ذاكرة الأنظمة لكونها عصبّة على التدجين ، لكن الصحيح أيا أنها ستبقى منقوشة في ذاكرة الأبد باعتبارها مدينة كلكامش وأنكيدو مثلما هي مدينة ثورة العشرين ضد الإحتلال البريطاني ، وفي صحرائها نصب المتنبي خيمته ليتقن الفصاحة ، وعلى إحدى هضاب صحرائها أقام السمؤال قلعته ، ومن مياه بحيرة ساوتها اغتسلت الأرض من الأدران ذات فيضان ..

– عملت في التدريس و الاعلام ..كيف تقيّم تجربتك في سلك التعليم ، و ماذا أضاف لك الاعلام من زاوية شاعر ؟مارست التدريس كهواية أكثر من كونه مهنة .

فقد كنت عاشقا للتدريس .. قد لا أكون مبالغا إذا قلت إنني أبدعت فيه كمدرس للغة العربية ـ وباعتراف الإشراف التربوي الذي أوكل لي أكثر من مرة مهمة إقامة دروس نموذجية لطلابي يحضرها مدرسو ومدرسات اللغة العربية في المحافظة ـ وبخاصة في درس النحو حيث كنت أقوم بتأليف قصيدة تتضمن أبياتها موضوع الدرس ومن خلال شرح القصيدة يتم استنباط القاعدة النحوية كما يتم معرفة بحر القصيدة وتبيان السمات الأسلوبية والبلاغية ورسم مواضع الهمزة وما الى ذلك ، فيكون الدرس النحوي درسا في النقد والبلاغة والمطالعة مع حرصي ـ المتعمد ـ على إنسانية النص وإشاعة الفكر الإنساني التقدمي وثقافة المحبة والتسامح كبديل للأمثلة الجامدة والشعارات التي كانت يتضمنها كتاب القواعد أو النحو .. مهنة التدريس أكسبتني صداقات واسعة وحميمة مع الطلاب وربما أكون من بين الأسباب التي حببت الأدب لعدد كبير من طلابي ـ وبعضهم اليوم له حضوره الكبير في المشهد الإبداعي العراقي كالأدباء والشعراء قاسم والي وإياد أحمد هاشم ونجم عبيد عذوف وباقر صاحب وكاظم الحصيني ود . عبد الرحمن كاظم زيارة والشهيد المناضل كاظم وروار وغيرهم كثيرون ..

أما الإعلام فقد نفعني في الإنتقال من فضاء الأحلام الى صخر الواقع .. أعني من الرومانسي الحالم الى المنشغل بهموم المهمومين ، ذلك أنني عملت محررا ومسؤولا للقسم السياسي والأدبي في إذاعة ” صوت الشعب العراقي ” المعارضة للنظام الديكتاتوري ، وقد وظفت ذلك في قصائدي ونصوصي وبرامجي لتكون أكثر تعبيرا عن هموم الناس وليس عن همومي الذاتية .

صدرت لك عدة مجاميع شعرية من بينها : ( عيناك دنيا )، ( قلبي على وطني )، ( من أغاني المشرّد)…وقوفا على عتبة بعض نصوصها هل برأيك استطعتَ ترجمة أفكارك و همومك بإسقاطات أدبية وفق ثالوث : المرأة و الوطن و الحرب؟

ج : إذا أجيز لي توصيف تجربتي الشعرية المتواضعة بأنها ” نهر ” على صعيد المجاز ، فإن ضفتَيْ هذا النهر هما المرأة والوطن … أما الحرب فقد كانت إفرازا من إفرازات المنهج السياسي للنظام الديكتاتوري فتأثيرها كان مرحليا وليس كتأثير المرأة والوطن ـ فأنا أعتبر الوطن هو المواطنين وليس الأرض ـ بدليل أن المرأة والوطن بقيا حاضرين في شعري ولم يعد للحرب حضور في قصائدي (يُخيّل إليّ أحيانا أن المرأة والوطن هما الكريات الحمراء والبيضاء في دمي ) ..

لكل مبدع رمز وجد نفسه من خلاله، أو رموز متعددة، ساهم أو ساهمت في خلق تجربته الابداعية ـ والشعرية بالنسبة لك ـ أو على الاقل إيجاد بذرتها.. فمن هو الرمز الذي يعيش في قصيدتك؟

ج : تتعدد الرموز بتعدد المراحل سيدتي … في فترة من الفترات كان الشهيدان الخالدان المناضل البطل ” سلام عادل ” والمفكر آية الله العظمى ” محمد باقر الصدر ” رمزيّ الأثيرين … وفي فترة أخرى كان أبو ذر الغفاري هو الرمز الأقرب الى نفسي .. وفي فترة أخرى كان ” صوفائيل / وهي كلمة قمت بنحتها من كلمتي أيل والصوفية ” لأتخذ منه ملاكا للعشق كالملائكة جبرائيل وإسرافيل وغيرهما … والان نخلة الله في بستان عيوني وهي المرأة التي اختزلت في عينيّ كل نساء الدنيا فكانت بمثابة إلهة مملكة العشق والمحبة الكونية مثلما هي الوطن الذي اختزل كل الأوطان فكان بمثابة إله الأوطان في محراب الكون .

– من الخاص الى المطلق …نرحل بك الى فضاء الشعر و قضاياه … ،برأيك ما هي أبرز الدوافع التي تجعل أرض العراق أرضا خصبة للعطاء الأدبي و علما تاريخيا للتميز و التحديث ؟

ج :العراق نفسه عبارة عن قصيدة كونية …

قصيدة مكابرة تأبى الإندثار ، فهو كالعنقاء : كلما احترق يُبعث من رماده أقوى .. هذا ما عرفه الأمس البعيد حين أحرقه هولاكو ، وهذا ماعرفه اليوم حين احتطبته جيوش أسبرطة الجديدة / أمريكا … دققي حروف كلمة ” عراق ” وستجدين التالي : يبدأ بحرف العين الذي يتصف بالجهر والبينية والإنفتاح وبكونه حرفا ضحوكا حين يأتي ساكنا وذلك لاتساع الفم عند النطق به وأنه يخرج من عمق الفم فهو حرف يأبى أن يُنطق به إلآ جهرا وإلآ لتحوّل الى حاء أو هاء لذا أطلق اللسانيون على صوت حرف العين مصطلح ” بعبعة ” .. وأما حرف الراء فهو أيضا حرف مجهور معتد بنفسه يتسم بالرخاوة حينا وبالشِدة إذا تكرر ـ والعراق كما أثبت التاريخ يكون رخوا مع المحبين لكنه شديد البأس مع الأعداء ـ وهو حرف منفتح حسب توصيف اللسانيين ـ تماما كانفتاحه على العالم والثقافات … وأما حرف الألف فهو جهوري ، يخرج من عمق التاريخ ـ أقصد عمق الفم ، منتصب مثل نخلة أو مئذنة أو جيد عاشقة بتول ، فإذا جاء في أول الكلمة فعلى رأسه تاج الهمزة المفتوحة أو يقف على مسلة همزة مكسورة ، وإذا توسط الكلمة فإنه يبدو مثل بخور يتصاعد نحو الأعلى متساميا .. الأمر نفسه بالنسبة لصفات حرف القاف فهو حرف يخرج من أقصى التاريخ ـ أقصد من أقصى اللسان .. إنه حرف مستعل ٍ ومجهور ولا يكتمل نطقه إلآ بخروج الهواء المحتبس خلف الحبال الصوتية لذا أطلق اللسانيون على صوت القاف مسمى ” القلقلة ” فهو حرف مفخّم في كل أحواله .. ووطن هذه صفات حروفه لابد أن يكون شعبه عظيما ورجاله عظماء فلا غرو أن يكون كلكامش عراقيا وأنكيدو عراقيا والفراهيدي عراقيا والمتنبي عراقيا وناظم الغزالي عراقيا ويوسف سلمان يوسف عراقيا وسلام عادل عراقيا ومحمد باقر الصدر عراقيا وعبد الجبار عبد الله عراقيا والجواهري عراقيا وعثمان الأعظمي عراقيا ونازك الملائكة عراقية ونصير شمة عراقيا و بنت الهدى عراقية ومريم الناعم عراقية وعمو بابا وحجي زاير عراقيا والشيخ ضاري ( أقصد الشيخ ضاري بن حمود الزوبعي الذي أبى مهادنة المحتل البريطاني فثار ضد المحتل فقتل ولداه الجنرال لجمن .. ولا أقصد الشيخ حارث الضاري الذي قال إن أعضاء منظمة القاعدة هم أولادنا مع أنه يعلم جيدا أن وحوش القاعدة قد تسببوا ـ وما يزالون ـ بقتل آلاف العراقيين الأبرياء ) ، وأن تكون نخلة البرحي عراقية والعود عراقيا والدولاب عراقي المنشأ … بل ولا غرو أن يكون التراب العراقي مثوى لإمام المتقين وسيد البلغاء علي بن أبي طالب ولسيد شباب أهل الجنة وشمس الشهادة التي لاتغيب الحسين وللكاظم غيظه الآمر بالمحبة والتسامح الإمام موسى الكاظم عليهم الصلاة السلام وللإمام الفقيه الزاهد عبد القادر الكيلاني رضي الله عنه … يخالجني الإعتقاد بأن آخر شاعر سينجبه الإبداع قبل نهاية الكون سيكون عراقيا .

قاب قوسين : لماذا لا يستطيع الشاعر العراقي النجاة من السؤال السياسي؟

ج : لأنه دائما يبحث عن إجابات إنسانية معقولة في عالم يبدو غير معقول سياسيا بعد أن فقدت السياسة ثوابتها الوطنية والإنسانية والأخلاقية … فالمآسي التي حلت في العراق كانت نتيجة خطيئات الساسة وحماقاتهم … أليس أمرا يدعو للبحث عن جواب معقول لسؤال بحجم العراق مثل : لماذا أضحى العراق يتقدم لائحة الفساد السياسي والمالي في العالم ؟ لماذا أضحى العراق مكبّا ً للنفايات البشرية من إرهابيين وظلاميين وساسة تجار ودهاقنة لصوص ؟ لماذا تستخدم عشرات آلاف العوائل البعر والروث والسعف وقودا لمواقدها في وطن يغفو على بحيرة نفط ؟ لماذا الكثير من مدارس العراق لاتصلح زرائب للحيوانات ؟ لماذا اتخذ بعض الساسة من مقارهم وبيوتهم ورشات لصنع السيارات المفخخة ؟ لماذا لم نشاهد اللصوص الكبار الذين سرقوا بستانا كاملا في قفص الإتهام لمحاكمته بينما يُعلن عن محاكمة سارق السعفة ؟ ثم : متى تكف الديكة عن الصراع من أجل دجاجة العرش وبيت المال ؟ هل المصادفة هي التي جعلت كل تصعيد وحشي للإرهاب يأتي بعد مطالبة من هذا الفصيل السياسي أو تلك الكتلة السياسية بتنحية رئيس الوزراء رغم أنه أعدلهم وأشجعهم وأكثرهم بياض يد وضمير وأنظفهم على صعيد ماضيه السياسي ؟ أم أن وراء أكمة الإرهاب أكثر من يد سياسية فاعلة في المشهد السياسي ؟ الشعب بمعظمه على قناعة بأن بعض الساسة لايتورعون عن إشعال الحرائق لإظهار الحكومة وكأنها عاجزة عن تحقيق الأمن والإستقرار … فأي شرف لمثل هؤلاء الساسة ؟ ظواهر كهذه لابد وأن تجعل الشاعر وغير الشاعر يسأل بحثا عن جواب معقول .

-هل يمكن لمن خرج من الوطن قسْرًا، أن يدخل إلى ما يشبه الوطن قصْدًا ؟

ج : نعم … وقد حدث هذا فعلا … الغالبية العظمى ممن هربوا من العراق قسرا خشية على أعناقهم من حبال المشانق أو ساحات الإعدام قد دخلوا الوطن قصدا .. فمنهم من نصب خيمته فيه ” ومنهم مَنْ ينتظر وما بدلوا من حبهم للوطن تبديلا ” إلآ الذين لهم موقف من البديل الراهن ـ رغم أنه بديل أفضل من النظام السابق بما لا يُقاس .

برأيك هل ظهور جيل الثمانينات أعان الأجيال التي سبقته في رفع راية الشعر الحقيقي في العراق و الوقوف بوجه تزييف الشعر أم العكس؟

ج : بالنسبة لي شخصيا ، أنا لا أؤمن بهذا التقسيم الزمني للشعر والشعراء … فلو آمنت به سأقع في متاهة اللا إجابة لو سألت نفسي : الى أيّ جيل أنسبُ الجواهري العظيم أو البياتي والحيدري ونازك الملائكة والسياب مثلا ؟ أو عبد الكريم كاصد وكاظم الحجاج وفوزي كريم ومحمد علي الخفاجي ؟ شعراء الثمانينات هم نفسهم شعراء التسعينيات وشعراء المرحلة الراهنة .. مصطلح الأجيال الشعرية مصطلح مخادع تماما كمصطلح أدباء الداخل وأدباء الخارج أو الأدب الرجالي والأدب النسوي …

الشاعر يحيى السماوي … في ظلّ الأحداث المرعبة التي عصفت بالعراق منذ عقود ، كيف ترى الخسارات المتتالية والفقدان والمنفى والهجرة التي كلها تضغط عليك كشاعر عراقي وجد نفسه متأبطا منفاه ؟

ج : إن أفدح الخسارات ليست تهديم البنى التحتية .. وليست الغربة والأوطان المستعارة .. فالمنافي والأوطان المستعارة منحتنا ما لم تمنحنا إياه حكوماتنا التي تعاقبت على قيادة عربة السلطة بما فيها الحكومة الراهنة .. المنافي وفرت لنا العيش الآمن والحياة الكريمة .. في المنافي والأوطان المستعارة شعرنا بإنسانيتنا وبالكرامة المتأصلة في الإنسان .. الخسارة الحقيقية هي خلخلة الثوابت والمثل العليا وقوانين السلوك الإجتماعي … الحروب والأحداث المرعبة أفرزت سلوكا شائنا لم يكن يُعرف في مجتمعنا العراقي … لم يكن أي مواطن العراقي يقدم على جريمة قتل أخيه العراقي مقابل مئة دولار أو وضع سيارة مفخخة في سوق شعبي لتزهق حياة عشرات الأبرياء مقابل خمسمئة دولار .. لم يعرف العراق جرائم بشعة ولا أخلاقية كإقدام مجموعة من الأنذال على اختطاف موكب عرس فتغتصب العروس أمام زوجها وأهلها وداخل مسجد ثم تقطع أوصال النساء والرجال وتشدّ الصخور بأجساد الأطفال ومن ثم رميهم في النهر … لم يعرف العراق حقدا طائفيا وقتلا على الهوية … هذه الخلخلة في نظم السلوك الإجتماعي كانت من إفرازات حروب النظام الديكتاتوري وتعاظمت بعد الإحتلال الأمريكي الذي تعمّد إنماءها ليجعل منها قنابل موقوتة تنفيذا لمخطط مسبق صهيو/ أمريكي ..

• الواقع العراقي بما يختزله من آلام وهموم وإشكالات قد تخلق أدباً عظيماً أو قد تؤثر سلباً على ذائقة المبدع.. كيف تتلقى نتاج هذا الواقع، وما الأثر الأبلغ الذي أضفاه على منجزك الشعري؟

ج : الآلام والهموم والمآسي قد تخلق أدبا عظيما ـ كما حدث للأدب السوفياتي في فترة الغزو الهتلري ـ ومثال ذلك سلسلة ” مقاومون من أجل الوطن ” .. وقد تؤدي الى نكوص الأدب وتدجينه في ظل الأنظمة التوتاليتارية ليغدو أداة تهريج ومطبخا لصناعة ألقاب طاغية مفرط النرجسية على غرار ماحدث في ظل النظام العراقي السابق … لكن المؤكد أن الأدب سيشهد ازدهارا كبيرا في ظل الأمن والسلام والرفاهية ودولة العدل والمساواة أو الحروب العادلة كحروب الإستقلال ومقاومة المحتل …

• للشعر بالعموم أزمته , وللنقد الشعري أزمته أيضا , هل هناك حركة نقدية حيّة تخدم الكاتب العربي وهل برأيك أستطاع هذا النقد أن يصل إلى قراءات دقيقة لهذة القصيدة ؟

ج : الناقد الجيد يحتاج نصوصا جيدة ليجري عليها بحوثه الإبداعية في مختبره النقدي .. العملية النقدية تأتي بعد ولادة النص الأدبي وليست قبله … فالأزمة إذن ليست في النقد إنما في نصوصنا ياسيدتي .. ومع ذلك فللنقد حضوره الفاعل في المشهد الإبداعي العربي وقدم قراءات دقيقة وعميقة أسهمت في إنضاج تجربة الشاعر وفي الإرتقاء بالذائقة الأدبية للقارئ .

نعود الى الاعلام و تحديدا الى دهاليز الاعلام الرقمي الذي فرض أسماء شعرية بكثرة بحيث قلّ الشعر وتكاثر الشعراء، برأيك هل يعني هذا أن القصيدة العربية في خطر مع طفرة النص النقدي و العثرات التي يواجهها الشعر العمودي؟ ج : لا أعتقد أن الإعلام الرقمي نجح في صنع أو فرض أسماء شعرية غير مؤهلة إبداعيا … الإعلام قد يُضفي بريقا آنيا على شاعر ما ، لكن هذا البريق له سمت الضباب سرعان مايزول .. الأسماء الشعرية التي يصنعها الإعلام ـ وليس الشاعرية الحقيقية ـ كنبات الحلفاء : تنمو في فصل وتموت في فصل آخر .

• الشاعر يحيى السماوي …. حاز ديوانك” نقوش على جذع نخلة ” جائزة البابطين لأفضل ديوان شعر عام 2008 وقبله حصول ديوانك ” قلبي على وطني ” على جائزة أفضل ديوان شعر في الملتقى العربي الأول في أبها عام 1992 كما حصل ديوانك ” هذه خيمتي فأين الوطن ؟ ” على جائزة الإبداع الشعري برعاية جامعة الدول العربية عام 1998 إضافة الى حصولك على جوائز أخرى منها درع ديوان العرب للعام 2007 وجائزة المنهل لأفضل قصيدة .. وتكريمك بدرع الإبداع النموذجي من أمانة العاصمة بغداد ، كيف تنظر لما تجلّى في رصيدك من مُنجز، وبأيّ عينٍ تنظر إلى القادم؟

ج : رغم ماحزته من جوائز عربية مهمة ، وما حظيتْ به تجربتي الشعرية من دراسات عديدة لنيل شهادتي الماجستير والدكتوراه في جامعات شهيرة في العراق وبعض البلدان العربية وفي إيران ، ورغم صدور كتب نقدية عنها ، مؤلفوها نقاد عرب وعراقيون كبار ، فإنها تبقى تجربة متواضعة تحتّم عليّ بذل المزيد من الجهد والدرس والإهتداء ببصيرة النقاد كي لايعشو بصري وأنا أغذ السير في طريق الشعر الشائك والطويل .

• كلمة أخيرة لقرائنا بجريدة الحقيقة العراقية تختتم بها حوارنا؟

ج : أقول شكرا لسيدتي الأخت الشاعرة المبدعة سناء الحافي التي كشفت عن كونها محاورة حاذقة بعدما عرفتها شاعرة مبدعة .. وأقول لقراء جريدة الحقيقة العراقية : بمثل نمير ذائقتكم الأدبية يزداد عشب شعري خضرة … فشكرا للأخت الشاعرة سناء ، وشكرا لجريدة الحقيقة منبرا ضوئيا وشكرا للقراء مع تمنياتي لكم جميعا بالغد الأبهى .

قد يهمك أيضاً

استضافة وتصميم: شركة المرام للدعاية والإعلان