كتاب الحقيقة

نكبة قنفة

مالوم ابو رغيف

 

 

  في مصر يسمونها كنبة وفي العراق يسمونها قنفة وكلا اللفظين مستعاران من التركية (Kanape) كانت الابجدية التركية تكتب بالحروف العربية، لكن كمال اتاتورك قائد نهضة الحداثة التركية ومؤسس العلمانية ولتأثره كثيرا بالتقدم والاعمار الغربي، غير الابجدية الى اللاتينية، هذا التغيير وبمرور الزمن احدث تغيرات على الفاظ الحروف ايضا، فصوت حرفي القاف (ق) والغين (غ) اختفيا واستيعض عن القاف بالكاف المفخمة بينما حرف الغين ضاع وانتهى واصبح يكتب ولا يُلفظ مثل:

ـ اوغلو حيث تلفظ بالتركية اولو وكذلك اردوغان حيث يُلفظ بالتركية اردوان بينما قز (بنت) اصبحت تلفظ كز.

ـالقنفة او الكنبة لم تحتل مركزا مهما في الادب السياسي، لا القديم ولا الحديث، كانت لفظة مهملة لا ترد كثيرا في لغة التداول اليومية اللهم الا حين ورودوها للدلالة على النغنغة والترف كما في العامية المصرية والعامية العراقية. على عكس الكرسي، فاذا كان العرش رمزا للملك والتعالي، فان الكرسي كان وما يزال رمزا للسلطة والتسلط، وقد يكون هذا المعنى الرمزي للسلطة والقوة مستوحيا من الاشارة التي وردت في اهم ايات القرآن واشهرها على الاطلاق (آية الكرسي). لكن وبعد ما عُرف بثورات الربيع العربي، برزت القنفة كمصطلح سياسي سلبي المضمون. فحزب الكنبة يرمز الى اللاابالية واللااهتمام بالاحداث التي تعصف بالبلاد، اذ ان اعضاءه المفترضين، وهم جمهور واسع كان يسمى بـ (الاغلبية الصامتة) يجلس على الكنبات ويقض اوقاته بالتفرج على التلفزيون. لكن القنفة في العراق بقيت كما هي، لفظة مهملة اسيرة في غرفة الضيوف، الى ان جاء العبادي وسليم الجبوري فانجزا ما لم ينجزه اي حاكم مر في تاريخ العراق منذ عهد السومريين الى عهد الاسلاميين السياسيين، ذلك انهما اعطيا للقنفة اهمية خاصة عندما خصّوها بزيارتهما التفقدية المباركة عميقة الدلالة اذ رفعا قيمتها من مادة للجلوس الى موضوع لبكائية للتامل والاحزان، مستوحيان ذلك من جدار الندبة اليهودي حيث يقف الاصوليون اليهود امام الجدار بحزن عميق ثم يضربون جباههم على احجاره تعبيرا عن الندم والتوبة وطلب الغفران. حيدر العبادي وسليم الجبوري وقفا امام القنفة يلفهما الهم والغم والالم والحسرة، كما يقف شاعر جاهلي على طلل مندرس، ان وقفتهما الجليلة امام القنفة تذكرنا بقول طرفة بن العبد في معلقته الشهيرة:

         لخولـة اطلال ببرقـة ثهمــد

        تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليدِ

         وقوفا بها صحبي على مطيهم

        يقولـون لا تهلك اسـىً وتجلــدِ

 ان وقوف رئيس الوزراء حيدر العبادي ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري امام القنفة اعاد العراق الى صدارة عناوين الاخبار المقروءة والمسموعة، اذ عرضت محطات التلفزة العالمية احداث تلك الزيارة التي يظهر فيها العبادي حزينا مهموما مغموما يحيط به جنرالات الجيش العراقي الذين تركوا مهماتهم الصعبة واتوا يشرحون له نكبة القنفة التي لا تقل شأنا عن نكبة البرامكة. بينما اهتمت كبيرات الصحف العالمية بنشر صور متنوعة لرئيس الوزراء حيدر العبادي السباق في زيارة القنفة وكذلك صور رئيس مجلس النواب وهو يتقطع ألما وحسرة وكانه أم قد ثلكت بأولادها الخمسة، ما دفع ببعض الخبثاء الى القول بان هذا الألم الزائد الذي يقطع نياط القلب ليس الا مزايدة طائفية للدلالة على ان السنة اكثر حرصا على القنفة من الشيعة. بعض الصحف اشارت الى موقف رئيس الجمهورية فؤاء معصوم السلبي من القنفة، فهو لم يخصها بزيارة ولم يذكرها في تصريحاته بعد احداث البرلمان التي عصفت بالقنفة، لقد فسر البعض هذا الموقف السلبي لمعصوم بانه دلالة على عدم اهتمام الكرد بقنفة الشعب العراقي. بعض المتصيدين بالماء العكر، اولئك الذين لا يعجبهم العجب ولا صوم شهر رجب تخلوا عن شعورهم الوطني واعتبروا القنفة رمزا للاهمال واللا ابالية متهمين النواب بالجلوس طوال الوقت على القنفة، منشغلين بتكريز (حب البطيخ وحب الرقي وحب عين الشمس) وبعض المكسرات التي تحرص نائبات الشعب على احضارها في شنطهن وفي عباءاتهن لا سيما وان المتظاهرين قد وجدوا قشور الحب تملأ اروقة البرلمان وتحت كراسي قاعته الرئيسية وكذلك تحت كراسي منصة الرئاسة. ربما سيصدر مجلس النواب العراق في اول جلساته قرارا باعتبارها قنفة منكوبة، ويخصص لها موازنة لاعمارها او ترميمها ويعين لجنة تكنوقراط للاشراف على مراحل التنفيذ باعتبارها قنفة الشعب العراقي العظيم. ولله في خلقه شؤون.

 

قد يهمك أيضاً

استضافة وتصميم: شركة المرام للدعاية والإعلان