وقتذاك فكر شماش، بافتتاح مدرسة، لم تكن حكرا على يهود عراقيين، لكنها كانت مشرعة ابوابها امامهم بالدرجة الأولى، وعُينت ادارة لمدرسة شماش وقد حملت اسمه، وتولى رئاستها اخوه يوسف شلومو شماش، فاشترى المؤسس بناية لتكون مقر المدرسة الجديدة، وهيئت مستلزماتها، لتفتح ابوابها في العام 1928، لتكون مدرسة لغة التعليم الأولى فيها اللغة الانكليزية، ولا تقل اهمية عن مدارس الاليانس الشهيرة إذ ذاك و لغة التعليم الأولى فيها اللغة الفرنسية.
حظيت المدرسة باهتمام الطلبة اليهود المهتمين بالثقافة الانكليزية، فكانت المدرسة تمنح طلبتها شهادة كفاءة في اللغة الأنكليزية “المتريكوليشن”، تؤهلهم لدخول الجامعات البريطانية من دون اجتياز اختبار في اللغة عند التحاقهم بها.
كانت ايضا تطلق دورات خاصة لغير طلبتها استعداداً لأداء امتحان (Matriculation) الذي يؤهل الناجحين فيه لدخول الجامعات الناطقة بالانكليزية. وحفاظاً على المستوى العالي لهذه الاختبارات كان الطلبة ينتقون بشكل دقيق. وتقول احصائيات إن 90 % من أولئك الطلبة كانوا يهوداً واعتبرها البعض – أي مدرسة شماش – مدرسة إنكليزية بكل معنى الكلمة.
في الاعوام العشرة التي تلت تأسيسها، اتسعت مدرسة شماش، لتكون مدرسة ثانوية متكاملة، تضم مدرسة متوسطة فضلا عن الاعدادية، كان ذلك في العام 1941. لكن؛ بعد ثمانية اعوام (1949) الحقت المدرسة المتوسطة بمدرسة (فرنك عيني)، لتدمج معها المدرسة الإعدادية الأهلية، لتقتصر مدرس شماش فقط على المدرسة الاعدادية، مستمرة على تخصصها هذا حتى اغلاقها في عام سحب الجنسية عن اليهود العراقيين (1951) وسفر غالبيتهم قسرا إلى خارج بلاد الرافدين، فانتفت الحاجة للمدرسة الرائدة كبقية المدارس اليهودية الاخرى.
تخرج من صفوف مدرسة شماش، كبار رجال المال والادارة والعلم العراقيين، مسلمين ومسيحيين ويهود، كانت المدرسة بمنطقة الحيدر خانة، صاحبة الجامع الاشهر، وكانت وقفاً من العقار تسلسل 290 جديد حسن باشا، وفي المنطقة ذاتها اشترى الأخوان شماش وهما يوسف ويعقوب، 17 دكاناً مع صيدلية وفندق، لتكون وقفا يهودياً عراقياً، فعُمرت تلك الدكاكين والمدرسة والمباني الاخرى، ليذهب ما تبقى من ريع الوقف إلى الجمعية الخيرية الاسرائيلية المعروفة بإسم (انكلو جويش اسوسيبشن) في لندن ليضاف إلى رأس المال المباشر من اجل استرباحه هناك.
كانت المدرسة تلاصق بناية “فندق صباح الخير” الفندق الشعبي، وتلاصق من الجهة الاخرى مقهى حسن عجمي وتقابل جامع الحيدر خانة.
تسلم شماش البناية عام 1928 بعد أن وافق على أن تكون دروس التوارة والدين ضمن البرامج الدراسية ودراسة اللغة الانكليزية بصورة مكثفة لاجتياز امتحان المتركليشن بصورة اجبارية، بالاضافة إلى تطبيق مناهج الحكومة الرسمية للدراسة الثانوية (البكلوريا).
ضمت المدرسة في البداية مراحل الدراسة الابتدائية والمتوسطة والاعدادية، وفي عام 1941 الغيت المرحلة الابتدائية.
وفي العام الدراسي 1944 – 1945 افتتحت المدرسة صفوفا مسائية لدراسة العلوم التجارية ومسك الدفاتر والمواصلات، وكانت اللغة الانكليزية تدرس لمدة سنتين في الفرع التجاري وهو أول فرع تجاري نظامي دراسي في العراق، وقد اغلق عام 1947 بعد أنشاء كلية التجارة والاقتصاد.
وفي عام 1949 نقل القسم المتوسط فيها إلى مدرسة فرنك عيني وتم دمج الاعدادية الاهلية بالقسم الاعدادي واصبحت المدرسة اعدادية فقط وكان آخر من أنهى الدراسة الاعدادية فيها الأخوان سامي وريموند معلم- -موريه اللذان اصبحا فيما بعد استاذين جامعيين اسوة بعشرات الاساتذة التي اغنت هذه المدرسة الجامعات في العالم، كان المعلمون من انكلترا، ودول اخرى ثم تدخلت الحكومة العراقية وامرت بطرد المدرسين الاجانب والاستعاضة عنهم بمدرسين عراقيين مسلمين لأن وزارة المعارف بدأت تشعر بوجود رائحة الصهيونية في المدرسة.
ومن ابرز المدرسين فيها كان المفكر الماركسي اللبناني الأصل حسين مروة، حيث كان يدرس مادة اللغة العربية الذي كان يعقد فيها مسابقات في كتابة القصة القصيرة، فاز فيها الطالب سامي ابراهيم معلم بالجائزة الأولى عام 1949، وكان الاستاذ محمد شرارة يلقي محاضرات فيها.
كانت المدرسة تمول من الجمعية اليهودية البريطانية – الفرع البريطاني للاتحاد الاسرائيلي الاليانس.
يذكر الاستاذ ضياء ابن الاديب أنور شاؤل، أنه درس في مدرسة شماش المتوسطة والثانوية 1951 – 1946 وكانت سنوات دراسته حافلة بأحداث سياسية خطيرة، أهمها الوثبة ضد “معاهدة بورتسموث” بين بريطانيا والعراق، ثم حرب 1948 بين العرب واليهود في فلسطين، حين شارك طلاب المدرسة طوعاً وبحماس وإخلاص في التظاهرات الشعبية التي تبعت نجاح الوثبة.
ويواصل ضياء شاؤل حديثه قائلاً: للمدرسة صفوف وغرف واسعة محاطة بالنوافذ الكبيرة يدخلها النور والهواء النقي. كان هناك كنيس متواضع يشغل قسما من الطابق الأرضي وكانت غرف الطابق الأعلى تتضمن مختبرا واسعا بكامل المعدات لتجارب موضوع الكيمياء يقوم بها الدكتور نسيم نسيم واصله من الديوانية. كان هناك أيضا مسرح كبير للتمثيليات وجناح خاص لاستراحة التلميذات اللواتي اشتركن في الدراسة في الصفين الرابع والخامس الثانويين. في السنوات الأولى لدراستي كان للمدرسة صف مسائي لتدريس الاقتصاد والتجارة، ربما كان الأول من نوعه في عراق ذلك الحين. تجدر الإشارة هنا بأن أحد المحاضرين في هذا الصف كان طيب الذكر والدي (أنور شاؤل).
كانت اللغة الانكليزية احدى مواضيع الدراسة المهمة في مدرسة شماش التي كانت تعد تلاميذها لاجتياز امتحانات “المتريكوليشن” لجامعة لندن، لذلك كانت إدارة المدرسة تستعين بالمعهد الثقافي البريطاني ببغداد لاستقدام خيرة مدرسي اللغة الانكليزية مباشرة من بريطانيا للتدريس في الصفين الرابع والخامس، تم إجراء الامتحانات في بغداد واجتازها بنجاح من جانب أغلب تلاميذ المدرسة الذين تقدموا للامتحان، أما عن اللغة العربية فقد حظي تدريسها باهتمام بالغ من قبل إدارة المدرسة، فكانت تجلب من الدول العربية الشقيقة لتدريسها كبار الأساتذة اذكر منهم الأساتذة محمد شرارة، أحمد مغنية وحسين مروة. وكان مدرس اللغة العربية الأخير في مدرسة شماش هو الأستاذ محمد حسن الصوري، أما المدرس الذي لا يمكنني نسيانه فقد كان العالم الفلكي العراقي رشيد رشدي الذي تجاوز عمره السبعين عاما وكان يدرسنا علم الجغرافية في الصفين الأول والثاني. كان يلهب خيالي عندما يحدثنا عن النجوم والكواكب التي كان يراقبها بواسطة المنظار الجبار الذي كان بحوزته. كنت في نهاية اليوم الدراسي اتبعه مع مجموعة من الطلاب إلى الحلاٌق الذي كان يقصده بجانب المدرسة لكي نسمع منه المزيد عن روائع علم الفلك.
بعد تهجير يهود العراق عام 1950 اصبحت المدرسة تحت رعاية مديرية الاموال المجمدة (استحدثت هذه الدائرة لادارة وحماية اموال وممتلكات اليهود بعد هجرتهم من العراق) وتحولت المدرسة إلى الجالية الايرانية في العراق وكان اسم المدرسة مكتوبا في اعلى البوابة باللغة الفارسية ( دبستان ودبيرستان شرافت ايرانيان).
ويروى أن أحد مدرسي هذه المدرسة اليوم كان يقول لطلبته، “إنكم تدرسون في بناية مدرسة كانت افضل مدرسة في العراق في العهد الملكي”.