الحقيقة – وكالات
تنام مدينة المنستير على ساحل البحر المتوسط لكنها تمتاز بالهدوء على جارتها سوسة لتكون وجهة سياحية للعائلات التونسية الباحثة عن الراحة بعيدا عن الصخب، كما يختارها السياح الأوروبيون لقضاء إجازة تحت حرارة الشمس ومتعة البحر بعيدا عن الزحام والضوضاء.
يتوقع عمال نزل “روزا بيتش” في المنطقة السياحية بمدينة المنستير انطلاقة واعدة لذروة الموسم السياحي في الصيف في ظل المؤشرات الجيدة مع إطلالة الربيع وتحسن الوضع الأمني في البلاد. وخلال شهر أبريل تجاوزت الحجوزات في النزل أكثر من 90 بالمئة من إجمالي الغرف. لكن يخشى من أن تكون هذه الأرقام الوردية ظرفية. فقبل عامين كان للهجوم الإرهابي الدموي على نزل “أمبيرال مرحبا” في مدينة سوسة المجاورة أثر كارثي على أنشطة السياحة في المنستير وباقي ولايات البلاد عموما، لكن هذا أصبح من الماضي اليوم. فقد عززت تونس بشكل كبير الإجراءات الأمنية في المناطق السياحية والأثرية والمطارات والموانئ والحدود ودفعت بوحدات مسلحة على الشواطئ. ومع كل ما يلاحظ من هنات تبدو تونس اليوم أكثر أمنا وجاذبية من العديد من الوجهات الأخرى المنافسة في حوض المتوسط بما في ذلك تركيا. فقد ساهمت استضافة مدينة المنستير لبطولة أفريقيا للسيدات لكرة الطائرة خلال شهر أبريل في رفع معاملات نزل “روزا بيتش” حيث منح إقامة الوفود المشاركة في البطولة في ذات النزل دفعة قوية لحركة السياحة في الجهة، كما مكنت عروض التخفيض التي قدمتها وكالات الأسفار خلال عطلات الربيع من تزايد إقبال العائلات التونسية والسياح من البلد الجار الجزائر على المنتجعات السياحية الواقعة على الساحل التونسي. وقال موظف الاستقبال في النزل “تفضل العائلات التونسية الهدوء في مدينة المنستير لهذا هي تأتي إلى هذا النزل. نملك غرفا مريحة مطلة على البحر ونقدم خدمات جيدة لحرفائنا”. قبل أحداث الثورة التي شهدتها تونس في عام 2011 وما أعقبها من تحولات سياسية وأحداث أمنية أثرت على القطاع السياحي، كانت المنستير تستقطب أكثر من نصف مليون سائح سنويا لكن الرقم هبط إلى نحو 280 ألفا في عام 2015 متأثرا بالضربات الإرهابية الكبرى التي شهدتها البلاد ما أدى إلى إغلاق العديد من النزل في المنطقة. المدينة تعرف بكثرة المغاوير والقبور الصخرية التي استخدمها السكان في عصور ما قبل التاريخ، كما عرفت المجد مع المؤسسين الفينيقيين الذين بنوا قرطاج. وقالت نزهة دبابي، وهي موظفة بمندوبية السياحة في المنستير، “الأرقام في الربع الأول من العام الحالي عرفت تحسنا مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي بفعل السياحة الداخلية وتوافد الجزائريين. نتوقع قدوم الأوروبيين بأعداد أكبر هذا العام”. وأضافت دبابي “بدأت بعض النزل المغلقة في الجهة إعادة فتح أبوابها، ويتوقع أن يستأنف نحو 20 نزلا أنشطته خلال شهر مايو”. وتزخر المنستير بإرث تاريخي متنوع منذ تأسيسها في القرن الرابع قبل الميلاد إذ تختلط فيه معالم الحقبة الفينيقية والرومانية ومن بعدها الإسلامية. وتعرف المدينة بكثرة المغاوير والقبور الصخرية التي استخدمها السكان في عصور ما قبل التاريخ، كما عرفت المجد مع المؤسسين الفينيقيين الذين بنوا قرطاج، وظلت حليفة للقائد الأسطوري حنبعل في حروبه ضد الرومان إلى أن ألحقت بعد هزيمة قرطاج بمستعمرات روما في العام 146 قبل الميلاد. ويبقى أشهر معالم المنستير على الإطلاق هو “الرباط”، الحصن الإسلامي المترامي والمطل على شاطئ المدينة قبالة الكورنيش. وإحدى التسميات التي تطلق على المنستير هي “مدينة الرباط”. بنى المسلمون الحصن في أواخر القرن الثامن الميلادي ضمن سلسلة من الحصون الدفاعية التي شيدت على سواحل المغرب العربي. وأدخلت عليه لاحقا العديد من التحسينات في القرون الوسطى حتى أصبح أحد أهم الحصون في المنطقة. تتوسط الرباط ساحة واسعة تنتشر على جنباتها أروقة ودهاليز وغرف صغيرة كانت تخصص للمرابطين العسكريين والمتعبدين في الحصن. ويحتوي المعلم ببنايته المتماسكة وأبراجه العالية المطلة على البحر على مسجدين، يأوي أوسعهما اليوم مجموعة فريدة من لوازم العبادة والصناعات التقليدية في العهد الوسيط. وقال المشرف على المعلم التاريخي “كان العسكريون يستخدمون برج المراقبة الأعلى لتبادل الشارات الضوئية على مسافات طويلة في الليل مع باقي الحصون المنتشرة على السواحل التونسية حتى أقصى نقطة في الشمال”. وتابع “كانت أداة اتصالية عسكرية متقدمة في تلك الفترة لمجابهة أيّ خطر محتمل من جهة البحر”. ويمكن الصعود في مدرج حلزوني الشكل، به حوالي مئة درجة، للوصول إلى أعلى نقطة في برج المراقبة. من هناك يتاح للزائر الاطلاع على مشهد رائع للمدينة وشواطئها. وترتبط المدينة اليوم باتفاقية توأمة مع مدينة مونستر الألمانية، وكلا التسميتين هما تحريف لكلمة “مونستيريوم” اللاتينية والتي تعني الدّير. تشمل الاتفاقية علاوة على التنمية الاقتصادية، التعاون في مجالات الطب والثقافة والموسيقي. وتفاخر المدينة بهدوئها وجمال شواطئها ونظافة طرقاتها، لكن الأهم من ذلك فإنه يهم المنستير تذكير زائريها بأنها مدينة وفية إلى ابنها الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة باني دولة الاستقلال في تونس. وتنتشر صور بورقيبة وتماثيله في المدينة كما لو أنه ما يزال في السلطة. ويعد قصره في منطقة سقانص على البحر، مقر إقامته الصيفية، وضريحه في روضة آل بورقيبة وسط المدينة، من أهم المزارات السياحية في الجهة. يروي المصور أبوبكر السوسي في محله الذي حوّله إلى متحف مصغر يؤرخ للحياة السياسية لبورقيبة وسط المدينة، أن حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي حاول طمس ذكرى بورقيبة بالقوة في المدينة وحجبه عن الصورة. السوسي المصور الخاص للرئيس الراحل والذي كان رافقه في تنقلاته، يصرّ على إطلاع زائريه على صور بورقيبة مع الرئيس الأميركي جون كينيدي أثناء زيارته إلى الولايات المتحدة ولقائه بقادة العالم في أوروبا وفي الشرق العربي في فترة تميزت بصعود حركات التحرر من الاستعمار.