فنون

الرسم بالكي على الخشب.. فن يصل متأخرا الى العراقيين

الحقيقة – وكالات

 

تطورت الفنون مع تطور التكنولوجيا، الأمر الذي أدى إلى تغييرات في معايير الذائقة الجمالية المتجددة باستمرار، فاستعانت السينما بأكثر من تقنية في صناعة الأفلام، كما ساهم تطور الإضاءة في المسرح، وعلى غير ما هو منتظر دخلت الآلات الكهربائية فن الرسم وخاصة منه فن الرسم على الخشب، وعلى الرغم من أن العديد من الدول العربية عرفت هذه التقنية منذ سنين إلا أنها وصلت متأخرة إلى العراق ومازال الفنانون العراقيون يتحسسون خطاهم فيها.

يرغب بعض الرسامين الشباب في العراق بكسر المألوف وابتكار طرق جديدة للرسم أو إحياء طرق قديمة، وهي محاولة منهم للتعبير عن الواقع باستخدام تقنيات إلكترونية. ويستخدم هؤلاء منذ عدة سنوات طريقة الرسم بكي الخشب وحرقه حرقا خفيفا، ويعد هذا الأسلوب حديثا في العراق بالرغم من مضي عصور كثيرة على ظهوره في العالم. وتستخدم فيه في الغالب أداة كهربائية تعرف باسم “جهاز كي الخشب” وتمتاز بسرعة الحركة، ويبدأ العمل بالرسم بقلم الرصاص أولا وعندما يسخن الجهاز الكهربائي، يبدأ الفنان بكي الخشب لصناعة لوحة تجسد ما يرغب في التعبير عنه. وهناك أيضا بعض الأدوات المستخدمة في فن الحرق على الخشب هي في الأصل أدوات الحفر على الخشب التي يمكن استخدامها لإضافة لمسات تزيد فن الكي على الخشب جمالا وإبداعا. وبرزت في هذا المجال مجموعة رسامين من مدن مختلفة، صنعوا لوحات بهذا الأسلوب وشاركوا بها في معارض وتجمعات ثقافية وفنية كما عرضوا لوحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي.

رياضة ورسم

من هؤلاء الرسامين الشباب الرسام أزهر نجم الزيدي الذي يعمل معلم تربية رياضية من محافظة ذي قار مولع بالرسم على الخشب بطريقة الكي، وأنتج لوحات عدة بهذا الأسلوب.

ويقول الزيدي “إنه تعلم الرسم في المرحلة المتوسطة، أما الحرق على الخشب فقد بدأ فيه قبل خمس سنوات. وأضاف “كنت أود أن أجرب أعمالا وأشكالا غريبة في الرسم، فجربت الحفر على المرايا، ومن خلال بحثي في موقع اليوتيوب لفت انتباهي الحرق على الخشب، فاستهوتني الفكرة، وأنجزت عدة لوحات بهذه الطريقة”. واحتاج أزهر إلى دربة طويلة، وكان لليوتيوب كما يقول دور مهم في تطوير موهبته في مجال الرسم الذي يعتبره هوايته المفضلة. ورسم أكثر من أربعين لوحة بطريقة الخشب المحروق منذ عام 2012 وأعجب بالرسام محمد أحمد الشريف، وهو فنان فلسطيني يجسد الحكايات الفلسطينية بالنار على الخشب.

وأقام أزهر معرضا فنيا للوحات خلال مايو الماضي رسمت بالحرق على الخشب في حدائق شارع الثقافة وسط مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار.

ويُعَد الحرق على الخشب من الأعمال الصعبة بسبب عدم إمكانية التراجع عن الخطأ بحرية مثل باقي أنواع الرسم، كما يجمع هذا الفن بين الرسم والخط، وقد يستخدم معه النحت لإبراز بعض الجوانب وخلق مؤثرات فنية.

وقال الزيدي إن هذا النوع من الرسم يعتبر من الفنون الصعبة من الناحية الفنية لاعتماده على أدوات كهربائية (الكاوية)، بالإضافة إلى اختياراته الدقيقة لنوعية الخشب التي تتسم باللون والنعومة.  وأضاف “تبدأ هذه اللوحات بالتخطيط بقلم الرصاص ثم عملية استخدام الكاوية”، مشيرا إلى أن أغلب لوحاته تم اختيارها عن طريق إعجابه بالشخصيات والمناظر والظواهر التي يرى من وجهة نظره أنه لا بد من رسمها. وأكد أن هذا النوع من الرسم قليل جدا بل يندر في عموم العراق وتشتهر به فلسطين ومصر. وتابع أنه يتبادل الخبرات مع فنانين من دول أخرى عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتمنى أن يكون هذا التنسيق على مستوى معارض حقيقية وليست إلكترونية، ترعاها منظمات مدنية وحكومية على المستوى المعنوي على أقل تقدير.

علي حسين جعل من موهبة النحت والرسم بالكي على الخشب مهنة له، وهو يسكن بمنطقة الكرادة وسط بغداد، ولم يكمل دراسته الجامعية لعدم تمكن عائلته من توفير المال الكافي لذلك. علي لديه موهبة فطرية بإتقان النحت على الخشب والنقش على الزجاج، يقول “حصلت على جهاز للحرق على الخشب كهدية، وكنت أستعمله في التوقيع على المنحوتات الخشبية، وفي عام 2014 تابعت بعض الفيديوهات المتعلقة بحرق الخشب وتقنياته وبدأت في التدرب عليها إلى أن أتقنتها، لكن جهاز الكي الذي معي كان بطيئا جدا لا يمكّنني من إنجاز رسوماتي التي تستدعي الدقة والسرعة، لذا حاولت شراء جهاز جديد، إلا أن غلاء ثمنه منعني من الحصول عليه، فلجأت ثانية للإنترنت لتعلم كيفية صنعه، وبعد عدة محاولات نجحت في ذلك وبدأت بالرسم وكي الخشب”.  ويواصل “قمت بدمج هذا الفن مع النحت، إذ رسمت صورة للفنان المصري أحمد حلمي والفنان الأميركي جوني ديب والفنانة مارلين مونرو، إضافة إلى الطيور والمناظر الطبيعية، وأصبحت لدي مجموعة كبيرة من الأعمال التي أعرضها للبيع”.

ويضيف حسين “بما أنني أحتاج إلى المال من أجل شراء المواد اللازمة للعمل، فقد بعت لوحاتي لأوفر ذلك وكنت أذهب كل جمعة إلى شارع المتنبي، وهو شارع يلتقي فيه الأدباء والفنانون وأصحاب المواهب، لبيع أعمالي ولقاء الفنانين لتبادل الأحاديث عن هذا الفن وتطويره”.

زياد كامل العياش يعمل طبيبا، لكنه يحب الرسم، وهو من مواليد قضاء الشرقاط بمحافظة صلاح الدين، إذ تعلم الرسم في المرحلة الابتدائية وكانت لديه موهبة جيدة كما يقول، لكن رغبته في الحصول على معدلات عالية لدخول كلية الطب أبعدته عن ممارسة هوايته التي عاد إليها بعد هجر طويل أملته الدراسة.  العياش من الرسامين الذين برعوا في مجال الرسم على الخشب المحروق، يقول” إنه يحب النجارة والأخشاب، وقد عمل بهذه المهنة عدة سنوات، ولكن بفترات متباعدة ثم جرب النقش على الخشب بأسلوب الحرق في المرحلة الرابعة من دراسته بكلية الطب متأثرا بحبه لهذا الأسلوب. ويضيف “أستخدم كاوية كهربائية كأداة بسيطة لحرق الخشب، ثم أبدأ بتفصيل لوح الخشب، وأوزع لوحتي على قطعة الخشب باستخدام مكواة الحرق، وذلك بعد أن تكون قد تبلورت في ذهني فكرة واضحة عما أريد أن أصنعه بهذه اللوحة”. ويستخدم ممارسو هذا الفن مكواة لحام القصدير المستخدم في فك وتركيب القطع الإلكترونية، ويتم تركيب رؤوس ذات أشكال متعددة فيها، منها المضلع ومنها الحاد والمحدب. ويمرر الرسام أداة الحرق الكهربائية على خطوط الرسم ليترك أثرا، وبعد الانتهاء من حرق جميع خطوط الرسم يتم دهن سطح اللوحة بدهان (الورنيش) الذي يتميز بلونه الشفاف المائل إلى الصفرة الفاتحة ليظهر الخشب بشكل لماع.

يقول الفنان النازح ممتاز فرّو الذي أقام أول معارضه في مارس الماضي “إن المعرض هو أول بداية لي بالرغم من أنني كنت أمتلك موهبة الرسم والتعامل مع الخشب، ولكن هذه الموهبة صقلت وظهرت خلال سنوات النزوح بعد ما وجدت أن لي من وقت الفراغ الذي كان قاتلا ما يمكنني أن أستغله في هذا الفن الذي يتطلب الصبر، وبتشجيع من الأهل والأصدقاء والأقارب واصلت الاستمرار في العمل حتى أنتجت هذه المجموعة من اللوحات الفنية”. 

ويضيف فرّو “إن هذا النوع من الرسم يختلف عن الرسم بالألوان المائية أو الزيتية لأنه يحتاج إلى الدقة والحرفية في استخدام الكاوية، فاللوحة لا تتحمل أي خطأ لأنه لا يمكن تصحيحه، ولهذا فالعامل فيه يجب أن يحمل موهبة الرسم والنحت والخط معا، وما يميز هذا النوع من الرسم أنك تستخدم لونا واحدا تتحكم فيه من خلال استخدام تدرجاته لرسم اللوحة”. وبحسب فرو، فإن أعماله الفنية يستغرق إنجازها وقتا طويلا، وأن الظروف الصعبة لم تمنعه من اقتناص ساعات الفراغ وصفاء الذهن من أجل ممارسة هوايته. وعن الفنان المهجر الذي سكن الخيم والكرفانات حتى استقر به الأمر ليجلس ويرسم، يقول “مازالت فينا قوة وقدرة على الإنتاج والإبداع، كل في المجال الذي يهتم به وإن الحياة لا بد أن تستمر”.

تجربة نسوية

على الرغم من أن العراقيات برعن في الفنون التشكيلية، إلا أن اقتحامهن مجال الرسم على الخشب بطريقة الحرق مازال محتشما، وقليلات هن من يخضن هذا الفن الجديد من الرسم، منهن المدرّسة زينب علي التي تتقن فن الحفر على الخشب ورسمت أكثر من لوحة فنية منذ ثمانينيات القرن الماضي.

زينب أبدت امتعاضها من نظرة بعض الأوساط الاجتماعية التي تسيء إلى الفن لاسيما إذا كان نسويا. واعتبرت أن الفن المتزن هو رسالة الشعوب الراقية ولا فرق بين المرأة والرجل في الإبداع، فخصوبة الخيال والإتقان هما المحددان الرئيسيان في الفن، ووعدت بإقامة معرض للوحاتها القديمة ورسم عدد جديد من اللوحات تتناول الواقع المعاصر. وترى أن الشيء المميز في هذا النوع من الهوايات أو الرسم هو أن الشخص الذي يستخدم الحرق على الخشب بإمكانه إدراج الرسم والخط والنحت جميعا في وقت واحد، لأن أغلب رسومات هذا الفن يكون فيها شيء من البروز الذي يضيف جمالا وبعدا للوحة المرسومة. وأجمل ما في هذا النوع من الرسم أنه يكون ثابتا بألوانه التي لا تختلف، ألا وهي لون الخشب الفاتح ومن ثم لون الحرق المتدرج من الخفيف إلى الثقيل، فتتمازج مع بعضها وتظهر لنا قمة في الجمال والروعة. وتتوقع زينب أن يرتفع عدد العراقيات اللاتي سيخضن غمار تجربة الرسم على الخشب عن طريق الكي، لأنها هواية تتطلب وقتا وصبرا وهما ما يتوفران عند المرأة العراقية. وتضيف، هناك الكثيرات من العراقيات اللاتي يتقن هذا الفن، لذلك سيكون من السهل عليهن إتقان طريقة حرق الخشب إذا اقتنعن بالتوجه إليه كفن جديد عن العراق.

ويبدو أن تجارب الرسامين العراقيين بأسلوب الخشب المحروق لا تزال فردية، وهي محاولة للاستفادة مما تقدمه الإنترنت من عروض في هذا المجال، لكن هذه التجارب لا تجد رواجا في مبيعات لوحاتها ولم يحصل أصحابها على الدعم المطلوب. 

قد يهمك أيضاً