محمد مؤنس
الطاسة: كلمة أو مفردة من المفردات التي نتعامل بها ونتداولها ونرددها بكثرة في حياتنا اليومية، لكننا لا نعرف معناها أو مصدرها بشكل دقيق أو ما يقابلها باللغة العربية، فهي بالتأكيد لا تعني ..قدح ..أو كأس …أو إناء… أو كوز.. أو دلو …والله وحده يعلم معناها والراسخون في العلم، ولو أن أشياخنا وأساتذتنا موجودون بيننا أمثال المرحوم مصطفى جواد أو المرحوم محمد جواد الغبان أو المرحوم جلال الحنفي وكثيرون غيرهم ممن أصبحوا في ذمة الخلود رحمهم الله جميعاً ، كنا سنرجع اليهم ولأماطوا لنا اللثام عما تعني كلمة (الطاسة ) وغيرها من المفردات التي ننطقها و لاسترحنا من عناء تفسيرها .ثم من أين جاء اساس كلمة (الطاسة) ونحن الذين تعودنا على شرب الماء فيها، فهل هي كلمة فارسية أم انها مفردة عثمانية أو إنكليزية؟ لعل احدا من ذوي الاختصاص يخبرنا …والحقيقة أن الذي دفعني لتذكر هؤلاء العلماء هو حديث (الطاسة) الذي دار بيني وبين احد الذين أعرفهم من حديثي النعمة، وقد تبدل حاله من العدم و العوز والفقر المدقع الى الثراء الفاحش في فترة قصيرة لا تتجاوز بضع سنين تحسب على كف اليد الواحدة، وبما أن عقلي لم يتحمل ما رأيته وسمعت به قبل ذلك وجدتني مضطراً أثناء لقائي معه الى تهنئته أولاً ثم سؤاله من غير وجل أو حسد قائلا:ً مبارك عليك البيت الجديد والسيارة الحديثة ورصيدك في (المصرف ) كما استوقفني، وأنا أبارك له (زيه) الحديث ولون وجهه الذي أصبح وردياً، بعد أن كان أصفر شاحباً، وبقيت مصراً على سؤاله مرة أخرى بعفوية تامة …هل فتح الله عليك بميراث أو تجارة أم استثمرت بمشروع ما ؟فإن الله يرزق من يشاء بغير حساب، فضحك ضحكة طويلة بانت تحتها أسنانه التي مازالت منقسمة الى لونين أصفر واسود ، ثم أجابني وهو مملوءا بالغرور: لم أتاجر ولم أرث، وليس هناك استثمار. فسألته متعجباً هل وجدت كنزا ؟ فضحك مرة أخرى وقال لا (انت شبيك )إن دجلة تجري وقد مددت يدي وأخذت (طاسة ماء منها ) ولم أؤذِ أو الحق الضرر بأحد …قلت صح إن دجلة هي أم الخير ولكن أخبرني فالذي (أعطاك يعطينا )..قال لن تستطيع ان تفعل ما فعلت، فالأمر يحتاج الى جسارة وقوة قلب وبعض المراوغة و الفهلوة، وبدا يشرح لي عن تراكم أمواله وكيفية ثرائه بهذه السرعة، قلت معاذ الله قال أتحسب (غرفة ماء بطاسة من دجلة ) أمرا غير مشروع، ورب العزة يقول (إلا من اغترف غرفة بيده ) والجميع قد شربوا من النهر … قلت إنك تكلمني جدلاً (عن القلة المؤمنين من قوم داود عليه السلام) الذين اغترفوا …ومثلك بعيد جداً ، فالذي قمت به ليس شرعياً فقط بل هو سرقة واضحة في عز النهار. فأجابني (ابقه بهاي السفاسف والفكريات مالتك طول عمرك ما راح اتصير لو اتسويلك شيء ) قلت ما عند الله خير وأبقى …قال براحتك وادار وجهه بدون أن يودعني .وهكذا انتهى حديثي معه ، ولم ينته حديث (الطاسة) الذي لم نعد بحاجة الى جهابذة اللغة ليعرفوها لنا بعد أن عرفنا مصدرها ومعناها وأساسها، إذ إنها تعني النهب والبوك لا غير ..