اراء وأفكار

صفقة القرن وحلم إسرائيل

 

ياس الشمخاوي

 

 غداة قمة وارسو، ترامب ونتنياهو يعوّلان على حلفائهما العرب لتمرير ما يُسمى بصفقة القرن، في خطوة معلنة لتمييع القضية الفلسطينية، والخلاص بالمرة من الرعب الذي تسببه جمهورية ايران الإسلامية للكيان الصهيوني والإمبريالية العالمية وأذنابها في المنطقة.

وكان ضمن حسابات نتنياهو وإدارة ترمب المتحمسة جدا لطروحات حزب الليكود وخصوصا أعضاء اليمين المتطرف في الكنيست الإسرائيلي، انّ الفرصة قد اصبحت مؤاتية جدا لتسويق مشروع الصفقة بعد انْ حظيت العلاقات العربية الإسرائيلية بدفء غير مسبوق خفف من برودة الطقس في بولندا على حد تعبير رئيس وزراء اسرائيل في احدى تغريداته على حسابهِ في تويتر.

وكان من المزمع أنْ يُفصحَ اليهودي الأرثوذكسي (جاريد كوشنر)، صهر الرئيس الأمريكي ومستشاره عن تفاصيل خطة الصفقة للمؤتمرين في وارسو، الذي تخلفتْ عنه دولتان مهمتان مثل روسيا والصين، ولكن يبدو انّ ثمة تعديلات قد أجريت على الطبخة وتوقيتات الإعلان عن تفاصيلها بشكل رسمي، ولعل انتظار نتائج تأليب الدول المجتمعة على جمهورية ايران الإسلامية كان من أبرز اسباب هذا التأجيل أملا في الحصول على تأييدٍ كافٍ لتوجيه اقسى العقوبات لها تحت غطاء دولي وشرعي ورأي عالمي. إذ انّ أميركا وإسرائيل باتتا على يقين من أنَّ العقوبات الإقتصادية غير كافية وليست مجدية لإخضاع شعب وحكومة ايران وازاحتهم عن طريقها؛ كي يحكموا سيطرتهم التامة على المنطقة برمتها.

صفقة القرن، مشروع تجاري وسياسي طويل الأمد ولابد لأميركا انْ تخرج بحصة الأسد من الوليمة حتى لو كان على حساب اسرائيل صاحبة المشروع نفسها.

لذلك فإن حلب دول الخليج خصوصا، والوطن العربي عموما يعد مقايضة امريكية عربية لحماية عروش حاكميها تحت ذريعة المد الإسلامي الشيعي والخطر الفارسي المزعوم، وهذا يأتي ضمن برنامج الصفقة. ومن جهة اخرى، فهي تبادل منفعة، ومقايضة امريكية اسرائيلية لتخليصها من المقاومة الشعبية الفلسطينية وخصوصا الحركات والأحزاب ذات التوجهات الوطنية والإسلامية الحقيقية، وكل منْ يقف الى جانبها؛  لتتمكن اسرائيل من تحقيق حلمها التلمودي في بناء دولتها اليهودية بمباركة اميركية عربية. 

اجتماع نخبة من حكام الدول العربية في حضيرة واحدة مع اسرائيل ضمن مصالح واهداف مشتركة، خصوصا في عدائهم المعلن لمذهب التشيع ودولة ايران بالتحديد، كان حافزا قويا لطرح مشروع صفقة القرن. وهذا ما أكده بالفعل محمد بن سلمان في حوار له مع مجلة (The Atlantic) الأمريكية: «تجمعنا مصالح كثيرة مع اسرائيل، وعدونا مشترك». يردد ما قاله غادي إيزنكوت، رئيس الأركان العامة في إسرائيل «إن البلدين لهما مصلحة مشتركة في معارضة إيران».

مضيفا محمد بن سلمان «إذا كان هناك سلام، سيكون هناك الكثير من المصالح بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي، ودول مثل مصر والأردن».

ربما يرى الرجل، أنَّ إيران هي التي تحتل أولى القبلتين منذ عام 1948، ولعله يعتقد انّ منْ أهدى فلسطين «للمساكين اليهود» عام 1915 في رسالته الموجهة لمندوب بريطانيا (بيرسي كوكس)، هو جد حسن روحاني وليس جدهُ!

وبعد تلك المعطيات الواقعية فإن المناخ السياسي بالنسبة لأميركا واسرائيل أصبح مهيأ جدا لتسويق الصفقة وبيعها على حكام العرب، هذا فضلا عن بعض الإغراءات والوعود الإقتصادية والتجارية والدفاع الأمني المشترك التي وعد بها (كوشنير) الأردن ومصر والسعودية وغيرهم من اللاعبين الرئيسيين في تلك الصفقة سرا وعلانية على حساب ضياع حقوق الشعب الفلسطيني ومسخ هويتهم!

ولكن في واقع الأمر، أنّ البنود الرئيسية من تلك الصفقة، انْ يتم انشاء الدولة الفلسطينية الجديدة (New state) على أجزاء من أرض غزة وشبه جزيرة سيناء وقسم من أراضي الضفة الغربية، ولن يطال هذا الترسيم معظم المستوطنات الإسرائيلية المخالفة للقانون الدولي والمدانة من قبل الأمم المتحدة بقرارات سابقة، بل حتى العشوائية المبنية حديثا. ومع ذلك يتعهد العرب أنفسهم ببناء تلك الدولة المسلوبة السيادة والإرادة والسلاح والحقوق وتقويمها بأموالهم الى جانب الدول المانحة، كي تعيش اسرائيل آمنة مطمئنة مكتنزة، عاصمتها القدس، وفقا لما كشفت عنه التقارير الإسرائيلية نفسها، والتي عرضت جانبا منها قناة مصر الأولى. 

أليست صفقة القرن التي تعهدّ ولي العهد بها لإسرائيل وكوشنير أنْ يُقنعَ الفلسطينيين قبولها، هي امتداد لعهد الملك عبد العزيز لبيرسي كوكس؟

وعد أبا مازن أنْ يضاعف لهم العطايا الملكية والمساعدات شريطة انْ يوقِّع على الصفقة، خلال زيارة محمود عباس للرياض في الثامن من نوفمبر 2018 بحسب تصريح لمسؤولين فلسطينيين للموقع البريطاني (Middle East Eye).

كذلك تعهَّدَ ولي العهد لإسرائيل أنْ يستثمر رؤوس أموال طائلةً من أجل إتمام وإنجاح الصفقة.

الرحلات المكوكية التي قام بها بن سلمان وكوشنير ومبعوث الشرق الأوسط جيسون غرينبلات، ومباحثات بنيامين وترمب، فضحت كل شيء، ولم يعد بحاجة الى الإعلان عن الصفقة رسميا كما صرح احد المسؤولين الفلسطينيين، فقد امست المخططات الصهيونية الأمريكية لا تخفى على لبيبٍ عاقلٍ حر.

اضعاف ايران عسكريا واقتصاديا، وإبعادها عن دعم قضايا الأمة الإسلامية والشعوب المستضعفة، ولاسيما قضيتي فلسطين ومحاربة الإرهاب والتكفير؛ هو الطريق الوحيد الذي يحقق احلام بني صهيون وشيطانها الأكبر في ابتلاع المنطقة. ولن تتم صفقة القرن وينجح مشروعها قبل أنْ يتخلصوا من ايران.

قد يهمك أيضاً