ثامر الحجامي
تفاعل العالم كله مع الجريمة النكراء، التي ارتكبها سفاح المسجدين في نيوزلندا، وراح ضحية ذلك الفعل الإرهابي أكثر من 50 شخصا، ليس لهم ذنب سوى أنهم كانوا مسلمين، لكن استنكار هذه الجريمة محليا وعالميا، خفف الكثير من آلامها، ومنع كثيرا من التداعيات السياسية والإجتماعية في نيوزلندا، التي كادت تحصل بسبب ذلك العمل الإرهابي المتطرف.فجعت الموصل العراقية بمأساة أعظم مما حصل في نيوزلندا، كان جل الضحايا من الأطفال والنساء، الذين غرقوا في نهر دجلة، بسبب انقلاب عبارة كانت تقل ضعف العدد المسموح به، وفقدانها لشروط السلام والأمان، في منتجع سياحي يفترض أن تكون أهم أولوياته المحافظة على سلامة السيّاح، وليس جني الأموال والأرباح، دون أن تكون هناك قيمة للإنسان، وحرص أن لايصاب أحد بأذى، أو يتعرض الى خطر.
بعد سنين عجاف، إنقشعت سحب الإرهاب، وتحقق النصر الكبير، وعادت الحياة الى أم الربيعين من جديد، لتنعم هذه العوائل بالحرية والأمان، وتتمكن من الترفيه عن نفسها والخروج الى الحدائق والمتنزهات، فرحا بأعياد النوروز وقدوم الربيع الذي يختلف في الموصل، فكانت ضحكات الأطفال وابتسامات النساء وأحاديث الرجال تملأ المكان، متناغمة مع صوت الماء في نهر دجلة، الذي اشتدت أمواجه وكأنه يستعد لحدث عظيم.
لم يتخيل أحد من الذين صعدوا عبارة الموصل، أنها ستكون اللحظات الأخيرة، ولم يتوان العاملون على العبارة، في إصعاد كل من يريد أن يسير الى مصيره المحتوم، وكأن صوتهم ينادي: من يريد الصعود في تايتنك. فتزاحم الأطفال والنساء فرحين برحلتهم النهرية التي لم تدم إلا لحظات، حتى انقلبت العبارة بمن فيها، لتسلمهم الى نهر دجلة الهائج فابلتع منهم حوالي 100 ضحية !
لم يكن الذين غرقوا وأفجعوا العراق بأكمله، مجرد ضحايا عبارة فحسب، وانما ضحية فساد واستهتار بأرواح المواطنين، فالمسؤولون عن العبارة كان همهم حصد الأموال فحصدوا الأرواح، وغابت الإجراءات الإحترازية في مدينة الألعاب لمثل هذه الحالات، فلا نجادات متوفرة في محل الحادث، ولا نجدة نهرية قريبة، وغياب للغواصين في هكذا موقع، فلو كانوا متواجدين فيه، كان من الممكن تقليل عدد الضحايا بنسبة كبيرة.
هذا الحادث يفتح الباب واسعا أمام الكثير من الأسئلة، عن المشاريع الإستثمارية ومراعاتها لشروط السلامة والحفاظ على حياة المواطنين، ولماذا حين نصاب بفاجعة فقط ننتبه الى أنفسنا وتستنفر الجهات المعنية إمكاناتها لفترة معينة حتى يتم نسيان الواقعة، فذاكرة الكثير من المسؤولين أشبه بذاكرة السمكة، ينسون ما حصل عاجلا، بعد أن يحالوا الى لجنة تحقيقية؟!.
لعنّا كثيرا سفاح نيوزليندا، وطالبنا إنزال أشد العقوبات بحقه، فهل بإمكاننا أن نحاسب السفاح الآخر الذي تسبب بهذه الجريمة المروعة، أم نكتفي بإعلان الحداد، ونذرف دموع التماسيح، ونضع رؤوسنا في الرمال، منتظرين كارثة أخرى؟!.