حوارات وتحقيقات

الشيوعية أقوى من الموت، وأعلى من أعواد المشانق لمحات من سيرة الرفيق الخالد «فهد» مؤسس الحزب الشيوعي العراقي

الحقيقة – متابعة

 

ولد يوسف سلمان يوسف ( فهد) في بغداد في 8-7-1901 وقيل أيضا ولد في قرية ( برطلة ) من اعمال محافظة نينوى من عائلة كادحة . وعائلته (السريانية) كانت تهتم بتربية اطفالها وتعليمهم. وعند بلوغه السابعة، انتقلت عائلته طلبا للعمل الى البصرة وادخل مدرسة السريان الابتدائية وبعد تخرجه منها دخل مدرسة (الرجاء العالي) الامريكية هناك أيضا . وبعد سنتين، اضطر الى ترك الدراسة بسبب مرض والده وسوء الاوضاع الاقتصادية للعائلة. وفي عام 1916 اضطر للعمل في معمل صغير للثلج يعود لأخيه في الناصرية . وعاد ثانيةً الى البصرة ليعمل كاتبا في ادارة توزيع الكهرباء في الميناء , وتعرف على احوال العمال وظروفهم . ويروي شقيقه « داود سلمان يوسف» احد قادة الاضراب الذي اعلنه عمال المسفن « الدوكيارد» في البصرة صيف 1918 في حديثه للكاتب والباحث عزيز سباهي وهو كاتب ومناضل شيوعي مرموق الذي وضع مؤلَّفا عن تأريخ الحزب الشيوعي وكان الاثنان معتقلَين في معتقل ابو غريب عام 1949 . ان فهدا كان وقتذاك شابا يافعا قام بصياغة وكتابة العريضة التي قدمها العمال لإدارة المسفن .

ثم انتقل فهد للناصرية واشتغل عاملا في معمل الثلج والطحين العائد لأخيه , وفتح مكتبةً في الناصرية لبيع الكتب والصحف بالاشتراك مع « مهدي وفي «. تعرّف فهد على الأفكار الشيوعية خلال فترة عمله في الناصرية، حيث عمل مع رفاقه الأوائل في تشكيل أولى الحلقات الشيوعية في الناصرية وغيرها من مدن العراق، وكان لفهد الدور البارز في لم شمل هذه الحلقات المنتشرة في بغداد والبصرة والناصرية وغيرها من المدن لتصبح القاعدة العريضة التي قام عليها الحزب الشيوعي العراقي حين تأسيسه في 31 أذار 1934.

شارك فهد في قيادة الحزب الشيوعي العراقي ، وفي عام 1938 ، ذهب إلى الإتحاد السوفيتي للدراسة في معهد كادحي الشرق وبعد إكمال دراسته عاد إلى العراق، وتسلم قيادة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، وكان له الدور الرئيسي في الإعداد للمؤتمر الوطني الأول للحزب الشيوعي العراقي، والذي تم فيه إعداد النظام الداخلي والبرنامج الخاص بالحزب. ولكن قبل ذلك تجدر الاشارة الى بعض المحطات السياسية الرئيسية في حياة ومسيرة هذه الشخصية الوطنية العراقية، وفي مسيرة الحزب الشيوعي العراقي . في مطلع العشرينيات انتمى فهد الى اول حزب وطني شعبي تأسس في العراق ( الحزب الوطني العراقي ) واصبح مساعد رئيس فرع هذا الحزب في لواء الناصرية . فكان وهو يمزج النضال الوطني بالنضال الطبقي، يحس بعدم فاعلية اساليب النضال السائدة آنذاك, فانكب على مطالعة الكتب المتوفرة مثل ( البيان الشيوعي , مالعمل , الدولة والثورة ) ومراسلة الصحف البغدادية ( الشباب 1929 ) وكان وكيلها في البصرة ويتولى توزيعها و (البلاد 1929) ( , نداء العمال 1931 ),( الأهالي 1932 ) وهي من الصحف الصادرة انذاك . حتى اهتدى الى الماركسية كنظرية ثورية إنسانية تلهم الوطنيين العراقيين الدليل على العمل السياسي الجاد من خلال مطالعاته عنها في الكتب والمطبوعات المتوفرة انذاك . وكان فهد يجيد اللغات العربية والكلدانية والانكليزية والروسية , ومعرفته لهذه اللغات مكنته من تتبع الأحداث الدولية عبر الصحافة الأجنبية . 

وفي غَمرة كفاحه الوطني، التقى بامثاله من رواد الحركة الشيوعية في العراق، وأسس اولى الخلايا الشيوعية في البصرة والناصرية عام 1929 بين صفوف العمال والفلاحين، وكانت اولى الخلايا الماركسية التي تربط النظرية بالعمل وتساند الحزب الوطني العراقي الذي كان يترأسه الشخصية الوطنية البارزة «( محمد جعفر ابو التمن)، حيث اصبح اليساريون الماركسيون امثال فهد انذاك يجدون في هذا الحزب الوطني، المجال العلني لنشاطهم السياسي . ومن اجل تطوير معارفه عن البلدان العربية، قام فهد بجولة في عدة اقطار عربية ( الكويت . سوريا ولبنان , فلسطين وشرق الأردن ) عام 1930 ،ونشر مقالاته عنها في جريدة ـ البلاد ـ وكان وقتها يرغب بالسفر الى الاتحاد السوفيتي، حيث حاول الاتصال بالحزب الشيوعي الفلسطيني خلال زيارته لفلسطين لكنه لم ينجح . هذا مع العلم انه سبق وان حاول السفر الى الاتحاد السوفيتي في عام 1929 ،حيث سافر الى ايران واتصل بالقنصلية السوفيتية في شيراز، من اجل السماح له بالسفر لكنه لم يتمكن لعدم حصوله على الفيزا . بعد إعلان المعاهدة العراقية ـ البريطانية الرابعة والتي تم توقيعها في 30 حزيران 1930 وعرفت بمعاهدة 1930 , تزايدت النشاطات الجماهيرية المناهضة للمعاهدة , والمطالبة بالاستقلال , مما دعا فهد للعودة الى العراق ليكون في قلب الأحداث , حيث شارك في المؤتمر الوطني الذي تم عقده في 5 كانون الثاني 1931 , حسب ما ذكره شقيقه داود لعزيز سباهي , حيث سعى لعقده حزبا « الأخاء الوطني « و « الحزب الوطني العراقي « وقد شارك في هذا المؤتمر ممثلون عن العشائر وعدد من الشخصيات البارزة , إضافة الى ممثلي الحزبين وشخصيات غير حزبية , واسفر عن توقيع مذكرة تطالب بتعديل المعاهدة واسقاط الوزارة وحل المجلس النيابي .

في مساء 13 كانون الأول عام 1932 اصدر فهد اول بيان يحمل شعار المطرقة والمنجل , ويا عمال العالم اتحدوا, ويعيش اتحاد جمهوريات عمال وفلاحي البلاد العربية , ووقعها باسم « عامل شيوعي « وتم تعليق البيان في 18 مكانا في الناصرية . عندها انزعجت الدوائر الحكومية من نشاطه فاشتكته السلطات الأمنية قبل ان تعتقله الى زعيم الحزب الوطني « ابو التمن « بأن مساعد رئيس فرع الحزب في الناصرية (هدام ) فأجابهم ابو التمن : ( بل انه بناء يحاول ان يبني مع الفلاحين والضعفاء حياة سعيدة للناس وانني اعضده بما املك من طاقة ). في 20 شباط 1933 تم اعتقال فهد في الناصرية، وكان اول عراقي يدافع عن الشيوعية، ويعترف بأنه شيوعي امام المحاكم، حيث اعلن بالمحكمة بكل ثبات « انا شيوعي وهذا معتقدي « واطلق سراحه بتدخل من الزعيم جعفر ابو التمن . كان فهد دائم الاتصال بمنظمي الحلقات الماركسية في بغداد والمدن الاخرى ،ونشط كثيرا في تعريف شيوعيي بغداد وتوثيق روابطهم بشيوعيي الناصرية والبصرة والديوانية والعمارة والنجف , وتم تأسيس الحزب الشيوعي العراقي بتوحيد جميع تلك الحلقات في تنظيم مركزي , في 31 – آ ذار – 1934 ) وتم انتخابه عضوا في اللجنة المركزية للحزب . في كانون الأول 1934 ارسله الحزب الى موسكو للدراسة وهناك التقى برفيقة حياته فتزوجها واثمر هذا الزواج عن بنت اسمها « سوزان « . زوجته كانت شيوعية وظلت حتى آخر حياتها تُنتخب عضوة في المجلس الشعبي لمنطقتها . وابنته سوزان زارت العراق « الناصرية « مرة واحدة في السبعينيات . شارك فهد في المؤتمر السابع للكومنترن « الاحزاب الشيوعية العالمية « الذي انعقد بين تموز وآب 1935 بصفة مراقب . وشارك ايضا في مؤتمر الاتحاد العالمي للنقابات العمالية الذي انعقد في موسكو عام 1935 . وانهى دراسته في مدرسة « كادحي الشرق « بتفوق، حيث انهاها بسنتين بدلا من ثلاث سنوات . سافر بعدها الى فرنسا وبلجيكا للتدريب على النضال الثوري الشيوعي بين صفوف عمال المناجم هناك، وكان يُدعى هناك باسم « فردريك» . وعند نشوب الحرب الأهلية الإسبانية، ابدى رغبته في التطوع في الفيلق الأممي لإسناد الجمهورية الأسبانية، لكن طلبه رُفض للحاجة له في مهمة إعادة بناء الحزب في العراق . في 30 كانون الثاني 1938 عاد فهد الى العراق، بعد غياب ثلاث سنوات بين الدراسة في موسكو ومن جولته في بعض المدن الأوربية , فوجد الحزب قد تعرض لضربة قوية من قبل السلطات الحكومية ، حيث نجحت السلطات في اعتقال قادة الحزب ومعظم كوادره ، وانسحاب البعض من الحزب، وظن مناهضو الشيوعية ، انه تم القضاء نهائيا على الحركة الشيوعية في العراق ، وان الحزب لن تقوم له قائمة بعد ذلك . وفي عام 1939 خرج الحزب للجماهير ثانية كمنظمة سياسية للطبقة العاملة العراقية واصدر في تشرين الأول 1939 منشورا للشعب محددا فيه مطاليب الشعب، ومن بينها حقه في تأليف النقابات العمالية والأحزاب السياسية , ثم اصدر جريدة الحزب « الشرارة « في كانون الأول عام 1940,

وتشكلت لجنة مركزية للحزب في كانون الثاني 1941 من : ( يوسف سلمان , عبدالله مسعود القريني , وديع طليا , جورج يوسف , نعيم طويق , حسين طه ) وبعد مرور تسعة أشهر , في تشرين الثاني 1941 تشكلت لجنة مركزية جديدة ضمت 🙁 يوسف سلمان , عبدالله مسعود القريني , صفاء الدين مصطفى , حسين محمد الشبيبي , وديع طليا , نعيم طويق , داود الصائغ , ذوالنون أيوب , امينة الرحال , زكي بسيم ) وانتخبت اللجنة المركزية فهد سكرتيرا عاما لها . وفي مطلع عام 1942 كان الحزب بقيادة فهد وراء تقديم عدد من الشباب الديمقراطي طلباً لتأسيس حزب ( الوحدة الوطنية الديمقراطي ) وقد نشر برنامجه في جريدة الشرارة في شباط 1942 , ولكن الحكومة لم توافق على إجازته . وفي الأسبوع الأول من تشرين الثاني عام 1942 سافر يوسف سلمان يوسف « فهد» الى موسكو للمشاركة في اجتماع ممثلي الاحزاب الشيوعية، واثناء غيابه حصل انشقاق في الحزب واستولى المنشقون على مطبعة الحزب وجريدته . فأصدر الحزب في شباط 1943 جريدة ـ القاعدة ـ واسموها بالقاعدة تثمينا لدور قاعدة الحزب في انقاذ حزبها والمحافظة عليه وان القاعدة هي التي تشكل قلب الحزب وجوهره .كما جاء في صفحتها الأولى . في منتصف نيسان 1943 عاد فهد للعراق , واتجه بقوة نحو تعزيز قاعدة الحزب العمالية والعناية بوجه خاص بالكادر العمالي الذي اثبت تمسكه بخط الحزب , وشن حملة على الانتهازية من على صفحات جريدة القاعدة كاشفا عن جذرها الطبقي والعوامل التي تدفعها الى التحرك ضد الحزب والانشقاق عنه .

في آذارعام 1944 عقد الحزب كونفرنسه ( المجلس الحزبي العام ) الأول في بيت العامل النقابي علي شكر الواقع في منطقة الشيخ عمر في بغداد , والذي حضره « 18 عضواً « يشكلون اعضاء اللجنة المركزية ومندوبي لجان الفروع واللجان الحزبية , وقدم فهد فيه التقرير السياسي الذي حلل فيه بشكل عام الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في العراق لتلك الفترة فضلا عن الوضع العالمي وقدم كذلك « الميثاق الوطني « الذي شخّص فيه الاهداف الوطنية للحزب والشعب والتي ما زالت تحتفظ بحيويتها حتى الآن , على سبيل المثال :

1ـ نناضل من اجل سيادتنا الوطنية (استقلال حقيقي للبلاد).

2ـ نناضل لإيجاد حكومة تعمل لمصلحة الشعب , ونظام ديمقراطي.

3 ـ الحقوق النقابية والضمان الاجتماعي للعمال.

في آذار عام 1945 عقد المؤتمر الوطني الاول للحزب الشيوعي العراقي في احدى بيوت اصدقاء الحزب في منطقة الكرخ في بغداد والذي حضره « 27 رفيق « يمثلون اللجنة المركزية وقادة الفروع والذي تم فيه تقديم التقرير التنظيمي والنظام الداخلي للحزب ، وقد وضع فهد فيه كل خبرته وما درسه وتعلمه , إضافة الى تقديم مفاهيمَ عن تقاليد وقيم مفيدة للعمل السياسي الحزبي , جعلت الحزب الشيوعي انذاك يخطو خطوات جيدة تنظيميا وسياسيا جعلته ينمو جماهيريا ويحظى باقبال للإنتماء اليه . وانتخب المؤتمر لجنة مركزية , وانتُخب فهد سكرتيرا عاما للحزب والمكتب السياسي , وتركزت اعمال المؤتمر حول التنظيم , وسمي بـ « مؤتمر التنظيم « وعقد المؤتمر تحت شعار « قَووا تنظيم حزبكم , قَووا تنظيم الحركة الوطنية « ,حيث اصبح التركيز على اعادة بناء الحزب والفادة من الزخم المؤيد له في اوساط العمال والفلاحين والفقراء . وكذلك ناقش المؤتمر التقرير السياسي الذي أعده فهد بعنوان « حول الوضع العالمي والداخلي. في عام 1945 وبدفع من الحزب وقيادة فهد تم تشكيل ( عصبة مكافحة الصهيونية ) لمواجهة المد اليهودي الصهيوني ودعما لفلسطين . وقدمت العصبة التي ضمت عراقيين من جميع الأديان بما فيهم اليهود المناهضون للصهيونية طلبها للأجازة في 12 أيلول 1945 , وتميزت بدور هام في النشاط السياسي العراقي آنذاك واصدار جريدتها «العصبة» وكتب فهد معظم افتتاحيات جريدة العصبة .

قاد فهد مباشرة اول انتفاضة شعبية في بغداد حيث اندلعت في 28 حزيران 1946 تظاهرة صاخبة , شارك فيها حوالي « 3000 متظاهر « دشّن من خلالها المناضلون الأوائل خوض التظاهرات العلنية المكشوفة مع قوات الأمن دفاعا عن الحريات الديمقراطية في العراق واحتجاجا على الأعمال الاجرامية في فلسطين، وتأييد شعب مصر الشقيق في نضاله الوطني من اجل الجلاء والتخلص من الاستعمار البريطاني . وهنا لابد من الإشارة الى الدعاية المضادة التي روج لها خصوم الحزب الشيوعي العراقي بدوافع شتى، حيث اتهموه بانه عمل ضد القضية الفلسطينية وهو اتهام اُريد منه اسقاط شعبية هذا الحزب . غير ان التأريخ اثبت ان ماطرحه الشيوعيون العراقيون خلال 80 عاما كان افضل بكثير وأكثر وطنية من المشاريع التي تداولتها الأنظمة والأحزاب الحاكمة الأخرى حول فلسطين وأثبتت الوقائع صحة شعارات الحزب الشيوعي باقامة دولة فلسطينية ديموقراطية مدنية تضم كل القوميات والأديان وليس دولة صهيونية .. وأحدثت انتفاضة حزيران 1946 التي تصدت لها شرطة العهد الملكي بالهراوات والسلاح واستُشهد فيها خمسة متظاهرين كان احدهم عضوا في الحزب هو الشهيد شاؤول طويق ، أحدثت هزة سياسية وفتحت الطريق للانتفاضات القادمة واصبح الشارع يشهد ظهور التظاهرات الشعبية بين فترة قصيرة وأخرى وبات الحزب الشيوعي العراقي مرجلا سياسيا لحركة الشارع انذاك . فيما اصبحت السلطات تشعر ان الحزب الشيوعي العراقي، بات خصمها الأول . وتحت تأثير النهوض الثوري العالمي بالانتصار على الفاشية واندحار قوات هتلر وميل العالم انذاك نحو الحقوق الديموقراطية، عمت العراق بتاثير ذلك موجة من النهوض الثوري , جعلت الحزب الشيوعي يتصدرها ويعمل بقيادة « فهد « على توجيهها نحو اهداف التحرر والديمقراطية وشجع الأحزاب الوطنية على النشاط الشرعي واستثمر جميع الامكانيات السرية والعلنية لنشر الوعي والتثقيف بأهم القضايا الوطنية . وعقد تحالفات وطنية مهمة فيما بدأت خلاياه وقواعدة تنتشر في الريف واحياء الفقراء .

وحسب آراء العديد من الباحثين والمؤرخين فان قيادة يوسف سلمان ورفاقه الأوائل الذين تكاتفوا معه حولت الحزب الشيوعي العراقي في الفترة بين 1941ـ 1947 الى قوة سياسية متماسكة وفعالة وبنى له قاعدة جماهيرية ,واصبح حزبا يتصدر نضالات الشعب العراقي .وكانت جريدة القاعدة تطبع « 3000 « نسخة وهو رقم كبير انذاك . وفي ليلة 18-1-1947 تم اعتقال يوسف سلمان يوسف « فهد « ورفيقه في اللجنة المركزية زكي بسيم الملقب بحازم وحسين الشبيبي الملقب بـ» صارم «وعزيز عبد الهادي , في بيت ابراهيم ناجي شميل الواقع في محلة الصالحية في منطقة الكرخ في بغداد , والذي كان على بعد رمية حجر من مقر الإقامة الخاص بوزير الداخلية . وكان فهد على موعد للاجتماع بالشخصية الوطنية سعد صالح زعيم حزب الأحرار , حيث اتجه فهد انذاك الى تحالفات وطنية والى عدم الاحتراس في التحرك السري والتردد على بيوت عديدة لشخصيات وطنية ورفاق له . , وذلك من اجل تدارك الأوضاع التي تعرضت لها الحركة الوطنية , لأن الخلافات الحادة التي نشبت بين القوى الوطنية والحاجة الى رأب الصدع بين هذه القوى وفضح ما يبيته الحكم قد تطلبت نشاطا مكثفا من جانب الحزب الشيوعي وقائده بالذات . أُخذ فهد ورفاقه اولا الى المقر الرئيسي لمديرية الاستخبارات في مركز بغداد , وبعد فشل سلسلة من التحقيقات , معه ومع رفاقه , ثم عمدت السلطات الى نقلهم الى سجن أبي غريب العسكري , وكان اعتقال فهد نكسة وخسارة وطنية حقيقية تركت آثارها ليس على الحزب الشيوعي العراقي فقط بل وعلى عموم الحركة الوطنية . وتمت محاكمته في أيار 1947 مع (35) من قياديي الحزب، و كانت محاكمته بمنزلة واقعة جلية رائعة للدفاع عن المبادئ الوطنية وحقوق الشعب العراقي و للدفاع عن الشيوعية وأهدافها الإنسانية وعن الشيوعيين العراقيين، واستطاع فهد بدفاعه المتين عن الشيوعية والحزب الشيوعي العراقي ان يجعل الخصم في موقع الاتهام ,كذلك رد على تلك الإتهامات التي ظلت تتهم الشيوعيين بانهم ضد الدين فيما اثبتوا انهم من أكثر الناس دفاعا عن الدين والأديان والقوميات المستضعفة . 

ونشرت الصحف فقرات من دفاعه , واصبحت موضع تلهف الجماهير للإطلاع عليها , فمثلا بيعت جريدة « الرائد «التي نشرت دفاع فهد في المحكمة بـ « 250 « فلسا في وقت كان ثمن النسخة الواحدة من الجريدة آنذاك عشرة فلوس فقط . وكان دفاع فهد ورفاقه في قاعة المحكمة دفاعا عن الحركة الوطنية وفضحا لخيانة اعداء الشعب . مما دفع الحكومة الى تحويل المحاكمة الى جلسات مغلقة ومنعت نشر مايجري فيها . ورغم ذلك ظلت اقواله واقوال رفاقه ودفاعاتهم تتسرب للناس . في 24-6-1947 تم الحكم عليه بالاعدام . وبسبب حملات الاحتجاج العالمية اضطرت حكومة صالح جبر آنذاك ابدال حكم الاعدام بالسجن المؤبد .ولم يرح هذا القرار الأوساط البريطانية انذاك . في13-7 -1947وفي اليوم التالي تم نقله الى سجن بغداد المركزي , وفي ليلة 14-15 آب 1947 تم نقله الى سجن الكوت , وهناك حوّل فهد السجن الى مدرسة او معهد ثقافي ثوري وكان يقود الحزب وهو في السجن من خلال الرسائل التي كانت تكتب بماء البصل للمنظمات بالخارج .  تزايد الإستياء بين اوساط الشعب ضد المعاهدة البريطانية وتصاعد نظال الجماهير المطالبين باوضاع معاشية افضل . وجرّاء هذا النهوض الشعبي اندلعت انتفاضة جديدة , اُطلق عليها آنذاك اسم وثبة كانون1948 التي اجبرت الحكومة على الغاء المعاهدة مع بريطانيا , وتم حل الوزارة ومجيء حكومة نوري السعيد . وتصاعد التوتر العالمي، وفي 6-1-1949اصبح نوري السعيد المعروف بعدائه للشيوعية رئيسا للوزراء واعلنت حالة الطوارئ والاحكام العرفية تحت ذريعة حماية مؤخرة الجيش في فلسطين. واعلن نوري السعيد في البرلمان ان هدف حكومته ( ان تصفي الحساب مع الشيوعيين وتكافح الشيوعية حتى نفسها الأخير في البلاد ).على حد قوله في كلمته حيث اصبحت الحكومة تشعر ان الحزب الشيوعي يقف وراء كل تلك التظاهرات ، وأن قيادة الحزب تدير الحركة السياسية للحزب من وراء القضبان . مما جعل الحكومة بناء على هذه القناعة تتهم فهد ورفاقه من جديد بتهم جرت محاكمتهم عليها .

واعادت حكومة نوري السعيد محاكمة زعيم الحزب الشيوعي العراقي فهد ورفاقه , وحكمت عليه المحكمة بالإعدام وتم تنفيذ حكم الإعدام قبل اعلانه للناس، حيث كانت تخشى الحكومة من اندلاع تظاهرات تعرقل تنفيذ الإعدام الذي تقرر على اعلى المستويات وبدفع واصرار من السفارة البريطانية التي اعتبرت ذلك جزءا من مشروعها في مكافحة الشيوعية في العراق وفي المنطقة . وتم الإعدام يوم 14 شباط 1949 حوالي الساعة الرابعة والنصف من فجر ذلك اليوم . ومازال الحزب الشيوعي العراقي يحتفل في 14 شباط من كل عام بيوم الشهيد العراقي ، حيث ان مصادفات الأقدار ايضا ان يقوم في العراق انقلاب دموي فاش، بقيادة حزب البعث في شباط عام 1963 فيتم اعدام وقتل الآلاف من الشيوعيين ويتم في 14 شباط ايضا من ذلك العام اعدام قادة الحزب الشيوعي العراقي وفي مقدمتهم زعيم الحزب انذاك سلام عادل ومحمد حسين ابو العيس وغيرهم. وكأن التأريخ السياسي للحكومات الدكتاتورية في العراق يعيد نفسه دائما بالتنكيل بالحزب الشيوعي العراقي واعدام قادته لأن تلك الحكومات تدرك جيدا خطر الشيوعيين العراقيين عليهم وخطر تأريخهم الوطني الذي امتد لثمانين عاما من النضال الوطني قدموا فيه آلاف الشهداء من أجل هذا الشعب الذي يتطلعون لحياة كريمة له . ولقد اشرف السفير البريطاني بنفسه على محاكمة يوسف سلمان يوسف « فهد» ورفاقه وعلى تنفيذ حكم الإعدام بهم وقال : ( سوف لا تقوم قائمة للشيوعيين في العراق لعشر سنوات قادمة) لكن الشعب العراقي لم يمهله حتى اشهر قليلة، فدفع من اوساطه زخما جديدا لعودة الحزب الشيوعي الى الشارع . ولقد ذكر الزعيم الوطني كامل الجادرجي ذلك في مذكراته.

ويقول الجادرجي كذلك في مذكراته :

(كان في حينه قد اخبرني صبيح ممتاز عندما كان يشغل مدير العدلية العامة بأن جمال بابان « وزير العدلية « استدعى ثلاثة حكام ممن حكموا فهد وجماعته بالإعدام ووزع عليهم مبلغ ( 800 ) دينار من المخصصات السرية كتشجيع . وقال صبيح في حينه انه نفسه الذي وزع المبلغ المذكور بحضور جمال بابان. واضاف صبيح قائلا : ان جمال تدخل تدخلا فعليا في محكمة التمييز لحمل المحكمة على تصديق الحكم ) . وكان اعدام فهد بمثابة اول حكم على عراقي يحكم بالإعدام لأنه شيوعي . وعند نقله من سجن الكوت الى بغداد قبل اعدامه قال لرفاقه وهو يودعهم :

( ايها الرفاق : قد لا نلتقي بعد , انتم مسؤولون عن التنظيم وصيانة جوهركم الثوري)

وعندما فتح باب الزنزانة واقتيد لتنفيذ الحكم قال لرفاقه :

( وداعا ايها الرفاق . صونوا حزبكم ). ( وداعا يا رفاقي وداعا ) وكررها ثلاث مرات .

وعندما ساله المسؤولون عن تنفيذ الحكم : من تريد رؤيته قبل الموت ؟ طلب فهد رؤية رفيقيه المحكومين بالإعدام ايضا زكي بسيم وحسين محمد الشبيبي وأخيه المعتقل داود سلمان الذي كان ايضا من المناضلين الشيوعيين الأوائل في مدينة الناصرية وإحدى قريباته , وارسل الى امه رسالة شفوية مع أخيه قائلا : (انك ستذهب اليها , فبلغها : ان يوسف قد عذبك كثيرا واتعبك , الا انه لم يكن ثمة طريق آخر سوى هذا الطريق , طريق النضال الوطني في سبيل التحرر من الاستعمار ) وقبل اعتلائه المشنقة قال قولته الشهيرة التي مازالت اجيال رفاقه في الحزب ترددها بعده :

(الشيوعية اقوى من الموت واعلى من اعواد المشانق).

قد يهمك أيضاً