اراء وأفكار

نظرة فلسفية – الفراغ الفكري وثلاثيةالعصبيات في المجتمعات العربية

اعداد : صادق الصافي *

يتجنب الباحثون و المفكرون الخوض في الجدل الفكري والحديث بدقة و شفافية عن الأصولية الرجعية وأثرها و الاسباب الحقيقية للتخلف في المجتمعات العربية، عندما يتناول الباحث – المفكر هذا الموضوع بحرص وعناية نقدية بقصد الإصلاح المجتمعي ، ستنهال عليه الردود والسباب (من البعض) ليجد هؤلاء بعض الفتاوى و بعض الاقوال العتيقة لتبرير هذا التخلف .
مما يدلل للإنسان الواعي ان مواقف نقد التخلف الفكري – فوق قدراتهم الذهنية .
بهذا الصدد يقول د. محمد شحرور: الشعب العربي شعب مخصي فكرياً، وقد تعاون على إخصائه كل من رجال السلطة و رجال الدين !.
فالشعوب العربية تتعلم من الحكام – السلاطين اموراً عجيبة بالضد من العقل والفكر و الضمير .
نجد مجتمعاتنا العربية منقسمة إلى عصبيات و مذاهب و طوائف و احزاب و (كل حزب بما لديهم فرحون) فينتج عنها التخلف و الحروب والبغضاء و الجهل و الفساد .
الفيلسوف طه عبدالرحمن -احد المفكرين في مجال التدوال الاسلامي العربي – يرى ان العرب يعيشون في أزمة فكرية ، تضرب فيها آراؤنا بعضها بعضاً في فراغ فكري أتى من موت أصاب الذهن والقلب معا، مما جعلنا حائرين تائهين لا اهداف لنا ، هذا واقعنا ، واقع تحت طائلة التقليد الذي يؤدي إلى الانكماش و التردد.
اما الباحث د مصطفى حجازي ؛ أستاذ علم النفس ومحلل سيكولوجية الانسان العربي المقهور يوجز بنية التخلف في العالم العربي بجرأة و شجاعة موجهاً النقد للمجتمعات العربية و اعتبرها مجتمعات ريعية ومجتمعات تحكمها العصبيات ، ووصف الزعماء العصبيين فيها ، انهم يلبسون افخر و ارقى الثياب الحديثة ، لكنهم يحملون عقلية بدوية ملوثه !
ويوضح بأن إنساننا العربي ليس مرجعياً، بل هو خاضع لثلاثية تتحكم فيه ، ثلاثية العصبيات و الفقه الاصولي و الاستبداد ( الظلم ) وتحكم هذه الثلاثية من خلال تقييد الطاقات الحية و إخضاع الجمهور و جعله جمهور ( قطيعي )، والضغط عليه من خلال التنشئة الاجتماعية الاولى ، أي من خلال التربية الشعبية البيتية ، الابن الصغير يغرس فيه مشاعر التقصير فهو ملوّم مذنب دوماً.
اما الفقه الأصولي فيسعى إلى نشر التحريم او الفكر الذي يعنى بالغيبيات والمحرمات والحلال و السعير و النار .
يقيدون الأنفس والعقول بالاستبداد و التحريم ، تبقى انت موضع شبهة بالأساس ، حتى تثبت براءتك من خلال التقرب للسلطان المستبد.
نحن لم نتقدم للأمام ولم نعمل نقلة نوعية، لانه مازالت في اذهاننا تعشعش عقلية خدمة الحكام – السلاطين و الفقه الأصولي على الاقل من ٩٠٠ سنة .
يوضح المفكر د مصطفى حجازي طريقة الحكم عند الدول العربية: نحن محكومون بعقلية السلاطين و عقلية الزعامة و ليس عقلية النيابة ! عندنا فقط (زعماء احزاب ) ولا يوجد نواب ممثلون حقيقيون للشعب .
عندنا في الدول العربية عملية ( مبايعة) وليست انتخابات.
الناس (تهرول) تركض وراء الزعيم حتى ( تبايعه) في تبعية للزعيم – الرئيس – الوزير – النائب – عندنا زعامات يتبعها ( قطعان ) راسخة في عقولهم تبعية الحاكم .
الناس عندنا تحول النائب – الوزير .. الخ إلى زعيم غصباً عنه . تهرول لبيت المسؤول و تهوس و تصرخ له بالولاء والتبعية ( بالروح بالدم نفديك يا زعيم )!.
في اوربا و الدول المتحضرة مثل اليابان و غيرها ، ليس هناك صراخ وهوسات بالروح بالدم نفديك يا رئيس ، هناك برامج انتخابية واضحة تطرح امام الشعب – يمين – يسار .. الخ ، و أشخاص يمثلون هذه البرامج الانتخابية .
نحن بالدول العربية عندنا شخصيات فقط ! لا وجود للبرامج ( شيء هامشي )ليس له قيمة .
يوهمنا هؤلاء الزعامات بانهم بنوا بلدا وهم يبنون كيانا ذاتيا لهم فقط ، يصادرون البلد لهم فيصبحون ( هم ) البلد !.
كل الابداع والصناعات والاختراعات الراهنة بالغرب المتحضر قائمة على النقد ( النقض) و التجاوز، وحتى فكرياً ثقافياً وسياسياً ودينياً مع هذا ليس هناك نظريات ثابتة وأبدية ، هناك تغيير و ابداع وابتكار واختراع جديد .
مما يؤسف له، بقاء الشعوب العربية مقيدة بالاستبداد و سجن العقول ، فقد تعودوا ( انهم ) غير قابلين للتطور الحديث ، فالحكام في مجتمعات العصبيات يحققون من خلال الدكتاتورية المطلقة إحكام القبضة مرةً بالإكراه والإستبداد ومرة ثانية باستخدام ( الغذاء ) لقمة العيش كوسيلة للهيمنة’ و ترسيخ الشمولية و سياسات التجهيل والفرقة و التخلف ، و تترك الشعوب حائرة لا اهداف محددة لهم ، فالتخلف عندنا له بنية ذهنية ويحتاج إلى الثقافة والتوعية و تحويله تدريجياً مثل شعوب العالم المتحضر المزدهر المنتج الواعي .
*كاتب عراقي مقيم في النرويج

قد يهمك أيضاً