اراء وأفكار

أهمية الإصلاح

بشار محمد العكيلي

الآية الكريمة من سورة الأنفال {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} ورد فيها أمران مهمان:

وهما التقوى، والإصلاح.

ولنا في حديث للإمام علي (ع) تعريف شامل ودقيق للتقوى إذ يقول سلام الله عليه:

“التقوى: هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل.”

وهذه لوائح تنظيمية للسلوك، مستمدة من رؤية تنبع من التشريعات السماوية، بوصف الإمام علي (ع) خليفة لرسول الله (ص). ولو نظرنا مرة أخرى للآية الكريمة، سنرى أن التقوى تتقدم على الإصلاح، لأن المصلح إذا لم يكن تقيًّا، أي إنه لا يمتلك منظومة قيم داخلية تنظم سلوكه الشخصي، فإنه بقصد أو بدون قصد لن ينجح في الإصلاح، بل إن غير المتقي سيفسد عندما يمتلك السلطة، سواء كانت هذه السلطة إدارية، أو اجتماعية، أو مالية، حيث إن السلطة ستكوّن له نوعًا من الحصانة ضد القوانين الوضعية التي تمنع هذا السلوك السيئ.

لذا فالسلطة بلاءٌ، واختبارٌ كبيرٌ لسلوك الإنسان، فمن الصعب جدًا أن تمنع نفسك من رغبة مكبوتة، وأحلام مؤجَّلة من فترة الحرمان والمعارضة، عندما تمتلك السلطة التي تمكنك من تحقيقها، بغض النظر عن شرعيتها، ومدى ملاءمتها لعمرك أو مكانتك؛ ولنا في قسم كبير ممن تولوا مناصباً  أمثلة كثيرة.

فقد تغيّر سلوكهم تمامًا، على الرغم من أن بعضهم كان معروفًا بانضباط سلوكه الشخصي، وينتمي لجهة دينية أو علمية عريقة.

وأشارت الآية مباشرة بعد التقوى إلى الإصلاح، وكان الخطاب بصيغة الجمع، ولم تحدد الآية المباركة فئة من المجتمع كالعلماء، أو المؤمنين، أو أي فئة أخرى، وهذا يعني: أن على الجميع أن يكون تقيًّا، وأن يكون مصلحًا.

وفيما ورد عن النبي (ص): (إصلاح ذات البين خير من عامة الصلوات)، وهذا يعني أن الإصلاح الاجتماعي يتقدم من ناحية الأهمية على كل العبادات، لأن العبادات أثرها شخصي، وإصلاح ذات البين أثره اجتماعي.

فمن كل ما تقدم أود أن أبين: أن إصلاح ذات البين يراد به بعدٌ اجتماعي، وهذا ما تحدثت عنه في مقال سابق (مسؤولية الوعي). إن الشخص الواعي المتقي لزامًا عليه أن يبادر في حل المشكلات التي تحدث في المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه.

وفي تقديري الشخصي، إن الظروف الاجتماعية في كل الأزمنة أكبر من قدرة المصلح، لذا كان الإصلاح وسيظل جزئيًا. ونسبة الإصلاح في المنظومة الاجتماعية تختلف بحسب إمكانية كل فرد. فالأنبياء والأوصياء سيكون تأثيرهم الإصلاحي أكبر، بحكم المؤهلات التي يمتلكونها، وكذلك العلماء بحكم الخزين المعرفي الذي يمتلكونه.

أما أنا وأنت عزيزي القارئ: فلنا الحصة الأقل من المسؤولية، قياساً بمؤهلاتنا.

ولو أننا حاولنا أن نصلح أنفسنا وعوائلنا فقط، فإننا بهذا ساهمنا بنسبة كبيرة في الإصلاح الإجتماعي، لأن نسبتنا في حجم المجتمع لا تُقارن بنسبة العلماء، على اعتبار أن زمن الأنبياء والمرسلين قد انتهى، وبقي الدور في الإصلاح على العلماء، وعلينا.

وأخيرًا أود أن أقول: إن الفساد على مرّ التاريخ كان كبيرًا، لكن لو نظرنا فقط إلى ما يمكن إصلاحه، ستكون هنالك مساحة يمكننا العمل فيها دائمًا.

قد يهمك أيضاً

استضافة وتصميم: شركة المرام للدعاية والإعلان