اراء وأفكار

المنظمات النسوية وخرسانة العائلة العراقية

احمد حسين

تعاملت مع منظمات المجتمع المدني لعدة سنوات، حضرت ندواتهم وورش العمل وكان لدي احتكاك مباشر مع مؤسسي بعضها، وخصوصاً النسوية منها لأن طروحاتها كانت جديدة بالنسبة لنا نحن الذين عشنا في “طامور” حكم النظام البائد، كما أن بعض الأفكار كانت تتناغم مع توجهاتي الفكرية في حينها، لذلك أعتقد أن ذلك يؤهلني لنقل تجربتي مع هذه المنظمات في بداياتها الأولى، ولا أريد ذكر أسماء المنظمات لكي لا يُعتبر كلامي استهدافاً شخصياً أو تصفية حسابات، خاصة وأن علاقتي انقطعت مع تلك المنظمات منذ أكثر من 15 سنة فلو كان لديّ دافع شخصي لتحدثت قبل الآن بسنين.

خلاصة تجربتي سأحاول تكثيفها قدر الإمكان لتجنب الإسهاب.

هدف المنظمات وتحديداً التي تنادي بحقوق المرأة والطفل والعائلة، وطبعاً الحديث يدور عن البعض وليس الكل -وإن كان في القلب ما فيه-، هو الضرب العميق وليس السطحي للنسيج العائلي والنسيج الاجتماعي، لماذا؟!، لأن بناء العائلة العراقية شديد الصلابة وأقصد هنا كل عائلة عراقية من مختلف القوميات والأديان والمذاهب والأعراق والمناطق سواء كانت ريفية أم مدنية.

بناء العائلة في العراق قائم بصرامة على التراتبية: الأب، الأم، الجد، الجدة، العم، الخال، العمة، الخالة، الإخوة، الأخوات، ابتداءً من الأكبر وصولاً إلى الأصغر، ثم ابن العم والعمة، ابن الخال والخالة، بنت العم والعمة، بنت الخال والخالة، جميع هذه الأطراف تتدخل عند الحاجة أو عند الطلب لحماية العائلة أو أحد أفرادها من أي تهديد خارجي وحتى التهديد الداخلي في بعض الحالات.

ولا يقف الأمر عند هذا الحد والاكتفاء بصلة الدم والقرابة، فالجار له دور وصديق الأب أو الأخ الكبير، والجارة وصديقة الأم وصديقة الأخت الكبيرة، أحياناً يتدخلون عندما يتطلب الأمر، واعتقد ان أغلبنا ان لم نكن جميعنا تلقينا في طفولتنا ومراهقتنا وشبابنا توجيهات من جار وجارة وصديق كبير وصديقة كبيرة.

لذلك يمثل بناء العائلة العراقية خرسانة كونكريتية لكنها مشيدة من البشر وليس من الإسمنت والحديد.

هذا البناء هو الصخرة الأولى التي تحطمت عليها “قرون الوعل النسوي” وليس البناء الديني كما يظن البعض، العائلة كانت الصخرة الأولى التي اصطدم بها طرح المنظمات ثم من بعده جاء الدين، لا أقصد هنا التقليل من قيمة الدين والتدين وإنما أشرح حالة عايشتها وأعرفها عن قرب.

لذلك عمل المنظمات النسوية مرّ بمرحلتين:

المرحلة الأولى تبنت الحديث عن اضطهاد المرأة العراقية واستلاب حقوقها من قبل المجتمع والدين، وكان التركيز بالأساس على الأعراف الاجتماعية والدينية ولم تكن العائلة حاضرة في الطرح النسوي، هذه الفكرة لاقت رواجاً واسعاً في بداياتها وجذبت الآلاف من الشابات والزوجات والأمهات والمطلقات والأرامل حتى أن إحدى المنظمات النسوية ومؤسستها صديقتي وزوجها صديقي لديها استمارات انتماء من النساء دخلت في خانة الرقم الذي تليها 4 أصفار.

وبطبيعة الحال كانت النساء المنتميات لهذه المنظمات أو المؤمنات بطرحها ينقلن أفكارهن إلى المنزل والشارع والوظيفة، وهنا تدخلت التراتبية العائلية وبدأت تأخذ دورها التوجيهي ولا أستبعد في بعض الحالات أن الأمر لم يقتصر على التوجيه الكلامي ووصل إلى مرحلة المنع وربما الضرب، لا أستبعد ذلك.

وهنا بدأت خانة الأصفار الأربعة تتراجع شيئاً فشيئاً، حتى وجدت هذه المنظمات وضعها في خطر وجودي بكل معنى الكلمة واكتشفت مكمن الخطر الذي يهددها ألا وهو العائلة، فانتقلت إلى المرحلة الثانية.

في المرحلة الثانية تم إعلان الحرب على العائلة وكان الهدف الأساس هو الأم تحديداً، وأعترف أنه كان خياراً ذكياً جداً فلا خلاف على أن الأم هي المؤثر العاطفي الأكبر في جميع أفراد العائلة ذكوراً وإناثاً، وانتقل طرح هذه المنظمات “البعض منها تجنباً للتعميم” من مرحلة قيود المجتمع والدين إلى الحديث عن القوانين.

لكن قبل الحديث عن القوانين، كانت هناك هجمات متتالية ومتنوعة استهدفت العائلة، بدأت مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي وبحكم عملي كصحفي فقد أصبحت هذه المواقع منذ سنوات عدة هي “الأسد” الذي يستحوذ على الحصة الأكبر من حالات الطلاق وفقاً لإحصائيات محاكم الأحوال المدنية ووزارة الداخلية.

خطورة المرحلة الثانية تكمن في أنها تريد سنّ قوانين تضرب البناء العائلي، أي بمعنى أوضح “هدم قانوني للعائلة”، الصديقة التي ذكرتها آنفاً مؤسسة إحدى هذه المنظمات والتي قلت آنفاً أنها وزوجها من أصدقائي، طالبت علناً بأن من حق الزوجة أن يكون لها “عشيق”، وبالمناسبة هذه الصديقة انفصلت عن زوجها قبل أكثر من عشر سنوات، فإذا كانت طروحاتها لم تخدم عائلتها وزواجها فكيف ستخدم العائلة العراقية؟!.

قد يهمك أيضاً

استضافة وتصميم: شركة المرام للدعاية والإعلان