اياد خضير
يقول رولان بارت : ( نحن لا نجد في أي مكان في العالم، شعباً بلا قصص فلكل جماعة انسانية قصصها التي غالباً ما يتذوقها أناس تتفاوت ــ بل تتعارض ــ مستوياتهم الثقافية).
اتكأت المجموعة القصصية بيت القلعة ، على لغة بسيطة لامست واقع الحياة المعاش، تتجلى فيها عناصر الإبداع في الوصف بسرد جميل ضمن مفهوم القصة القصيرة، على نصوص متماسكة بعيداً عن الغموض، كل قصة تعتمد على صورة أو فكرة أو بؤرة تختلف عن الأخرى تتيح للقارئ فك شفراتها ودلالاتها..
قصة ( بيت القلعة )
والتي تصدرت العنوان اعتمدت القاصة خلود البدري في هذه القصة وفي اغلب قصص المجموعة على ركنين هما الزمن والمكان ، الزمن يتصل بالحوادث والمكان او الفضاء يتصل بالشخوص ، الفضاء لا يعني المكان فحسب ، بل يعني ايضا المجتمع فالشخصية لا تحيا في فراغ وهي في كل الاحوال تمثل المجتمع الذي تنتمي اليه ..
قصة (بيت القلعة) المكان الذي يلفه الغموض حيث تتشابك الاقدار وتتداخل الاسرار في احد اركانه تقف المرآة شاهدة على ما يحدث بداخله ، يقال انها ترى ما لا يراه الاخرون اشباحا تتحرك في الظلام ، اصواتا تهمس في الليل ، المرآة تخبر سكان البيت عن رجل عجوز يمشي متقهقرا في طريقه الى نهاية نفق يبدو انه وصل الى محطته الاخيرة ، يرى العجوز نفسه محاصرا بالأشباح بينما يرى الاخرون انه يسير ببطء نحو النهاية المحتومة .
اقتباس ( تخبره المرآة أنها لا ترى غير شبح عجوز ، متقهقر في طريقه لنهاية نفق ، يجزم أنه وصل محطته الاخيرة ) ص43
قصة (ذاكرة كاميرا ) وقصة ( خرائط الزيف ) وقصة ( خطى الامس )تجيد القاصة خلود البدري اللعب بالزمن في هذه القصص حيث تنتقل بين الماضي والحاضر والمستقبل مما يخلق اجواء سردية غنية ومتنوعة ، يمكن ملاحظة استخدام تقنيات مثل الاسترجاع الفني ( فلاش باك ) والتنبؤ مما يضيف عمقاً زمنياً للقصة ..
قصة ( ذاكرة كاميرا )
تبدو وكأنها تستعيد ذكريات طفولتها البريئة برشاقة رقص البالية ، وتأمل في ان تصبح يوماً مشهورة ، لكنمع تقدمها في العمر بدأت التجاعيد تظهر على وجهها مما يجعلها تتذكر كيف تغيرت حياتها مع مرور الوقت ، يبدو ان المرآة الصغيرة في يدها أصبحت رمزاً لتأملها في ماضيها وحاضرها ، حيث تتناقض رغباتها الطفولية مع واقع الشيخوخة الذي يزحف اليها ..
قصة (خطى الامس) اقتباس: ( أتأمل أشكال أناس رائحين غادين على طول هذا الكورنيش ، الذي اعتدت اجواءه حيث صفت مقاعد حجرية لاستراحة المارة ، أشهد منظر الافق الممتد بزرقة المياه بينما لاح من بعيد قرص الشمس أحمر داميا فيما تشدني مشاهد العشاق أتذكر قصائد كتبتها او رسائل دبجتها بكلمات كادت تشق صدري وجداً ولوعة ) ص37
المكان في مجموعة (بيت القلعة) ليس مجرد خلفية للقصة بل هو عنصر فعال يلعب دوراً محورياً في تشكيل الاحداث والشخصيات .. خلود البدري تستخدم الاماكن العراقية بوصفها رمزاً للهوية والانتماء مع التركيز على تفاصيل البيئة المحلية التي تعكس ثقافة وتاريخ العراق .. الزمن والمكان كعناصر رمزية في العديد من قصص المجموعة يمكن ان يمثل الزمن والمكان صراعات ، والقلاع والبيوت التراثية تحمل دلالات تاريخية وثقافية بينما الزمن يمثل التغيير والاستمرارية ..
في قصة ( خرائط الزيف ) القاصة تقدم لنا مشهدا ادبيا رائعا من خلال الوصف الدقيق لعملية اكساء الشارع المقابل للمنزل صورة حية في الذهن الضجة التي تثيرها الاليات والصخب الذي يصم الاذان يتناقض مع التركيز الهادئ للمهندسين وهم يخططون ويناقشون تفاصيل عملهم فالاهتمام بالتفاصيل مثل استخدام مشاجب حديدية لتعليق الخرائط والاشارات بالأصابع او الاقلام يضيف عمقا للمشهد .. النظر الى النقاط المعينة على الخرائط يشير الى تخطيط دقيق ومتقن ..
يقول جيرارد جنيت ( ان الصورة هي في الوقت نفسه الشكل الذي يتخذه الفضاء وهي الشيء الذي تهب اللغة نفسها له بل أنها رمز فضائية اللغة العربية في علاقتها مع المعنى )1
اللغة والاسلوب في المجموعة القصصية بيت القلعة غالباً ما تستخدم القاصة لغة شعرية غنية بالرموز والمجازات مما يضيف جمالية خاصة للنص ..
المجموعة تحمل في طياتها السرد المتعدد الأصوات، نلاحظ ذلك التنوع في الاصوات السردية مما يعكس تعدد وجهات النظر والانطباعات حول الحدث والتأثير الثقافي والاجتماعي الذي يعكس صراعات الافراد في البحث عن هويتهم وانتمائهم..
وفي الختام.. بيت القلعة عمل ادبي يستحق القراءة حيث يقدم للقارئ تجربة سردية فريدة تمزج بين الفانتازيا والتاريخ والواقع ببراعة القاصة خلود البدري تثبت من خلال هذه المجموعة القصصية مكانتها ككاتبة مبدعة في المشهد العراقي والعربي ..
يذكر ان المجموعة الصادرة عن دار الورشة الثقافية للطباعة والنشر بواقع ثلاث عشرة قصة من الحجم المتوسط ..