مكعب ثلج في كأس مجموعة شعرية للشاعر أمير الحلاج حمدي العطار
عندما نقترب من التجارب الشعرية الحديثة، نجد أن بعض الأصوات تتخطى العتبات التقليدية لتدخل فضاءات أعمق، حيث يتحول الشعر إلى مرآة للفكر ونافذة على الفلسفة. ومن بين هؤلاء، يبرز الشاعر أمير الحلاج الذي قدم في مجموعته الشعرية “مكعب ثلج في كأس” تجربة تتجاوز الدوائر الحسية والوصفية، لتلامس ثيمات الوطن والوجود والحنين، بل وتفتح باب التأمل الفلسفي عبر صور شعرية تنبض بالدهشة.
النص والتحليل
في قصيدته التي تحمل عنوان المجموعة “مكعب ثلج في كأس”، يقودنا الحلاج إلى رحلة بصرية وجدانية، حيث يتحول مكعب الثلج إلى كائن شعري يسبح في جوف الكأس كسمكة راقصة، تدفعها الأمواج للحركة، فلا حياة لها من دون العزف، ولا معنى لرقصتها من غير موسيقى. في هذا المشهد، تتحول الصورة البسيطة إلى رمز عميق لحياة الإنسان الذي يتأرجح بين القاع والسطح، بين الانكسار والتجدد.
يؤكد الشاعر أن الرمزية ليست هي تقنية بل ضرورة تكشف المخبوء خلف المعتاد، فالمكتب ذو الزوايا الحادة، والوجوه المتعددة، يتحول بدوره إلى استعارة عن صرامة الواقع وتعدد مساراته. أما مكعب الثلج، فهو صورة للذات في تذبذبها بين الغوص إلى الأعماق لاكتشاف الأسرار، والصعود إلى السطح بحثا عن قبلات الضوء. تتكثف الصور الشعرية لتمنح النص طاقة تأملية؛ إذ يصبح الكائن الشعري موزونا برغبة حساسة، يتأرجح بين الانكفاء في القاع وبين الحنين إلى العلو. وفي النهاية، لا يجد إلا الفلسفة ملاذا، حيث تختفي ملامح الرقص، ويتبقى السؤال المفتوح: أين استقر به الحال؟. هنا، تتحول القصيدة من مشهد حسي إلى سؤال وجودي، من لعبة الضوء والماء إلى حوار مع المصير.
الخاتمة
بهذا البوح الشعري، يثبت أمير الحلاج أن الشعر ليس زخرفة لغوية فحسب، بل هو رحلة في عوالم الداخل والخارج، رحلة في تأرجح الكائن بين الرغبة والواقع، بين الحلم والحقيقة. ومجموعة “مكعب ثلج في كأس” ليست سوى دعوة للتأمل في التفاصيل الصغيرة التي تخبئ في أعماقها فلسفة كاملة للحياة، حيث يتحول مكعب الثلج العابر إلى أيقونة وجودية تذكرنا بأن السؤال سيظل حاضرا ما دامت التجربة الإنسانية متواصلة.