لو قدر ان يعود للحياة الفنان الراحل حسين السعدي الذي غنى مطلع السبعينيات من القرن الماضي اغنيته الشهيرة،” الف دينار” .. لاصيب بالحيرة والدهشة وهو يستمع لأب طالبة الكلية” نجلاء” التي احبت جارها قبل اربعة اعوام والذي طلب والدها مهرا مؤجلا قدره كيلوان من الذهب اي مايعادل 65 مليون دينار، العروس التي استمعت الى كلمات ابيها الاخيرة اغرورقت عيناها بالدموع لتهرول مسرعة الى الغرفة المجاورة لجلوس العائلتين، بينما راح العريس الذي يعمل عاملا في شركة لصيانة مكيفات الهواء الى اخراج منديله من جيب سترته ليسمح جبهته التي ملأها العرق المتفصد منها مثل شلال صغير، ابو العروس اخرج علبة سكائره ليشعل واحدة منها قائلا: هذا صار طبيعي لقد تغيرت احوال الدنيا واريد ضمان لمستقبل ابنتي… الصمت تحول الى لغة تحدثت بها العيون التي حضرت مراسيم المهر لينسحب والد العريس ووالدته مطأطئي الرؤوس تسبقهم خطى ولدهم الذي بدأت ملامحه كمن فقد شيئا عزيزا لا يحلم بأن يعود اليه.
كاظم لازم
المهر قديما
المعمرة وبرية شنين 87 عاما التي تسكن منطقة” المعامل” شرقي بغداد تحدثت عن ليلة مهرها قبل اكثر من نصف قرن قائلة.. كنا نسكن منطقة علي الغربي وكان جدي مسؤولا عن عائلتنا بعد ان توفي والدي فنحن ثلاث شقيقات صارت اثنتين منهن حصة اولاد عمنا لتشاء الاقدار ان يشاهدني فلاح يسكن في السلف القريب منا ليتقدم لخطبتي برغم انه من غير عشيرتنا الا ان جدي استقبله بترحاب هو ومجموعة اعمامه الذين وصلوا دارنا في مساء يوم شتائي وبعد محادثات سادت اجواءها الطرائف والذكريات تمت خطبتي اليه.
ورفع مهري الذي لم اسمع بمقداره الا قبل زواجي بيومين وكان سبعة دنانير للحاضر وخمسة دنانير للغائب وكان زواجا ناجحا رغم اني لم اتحدث مع زوجي ولم اشاهده كثيرا الا اني عشت حياة سعيدة وخاصة بعد ان انتقلنا الى بغداد لانجب ثلاثة اولاد واربع بنات والان صار لديهم العديد من الاحفاد الذين احبهم كثيرا.
بينما اختلفت حكاية ام زينة التي تعمل موظفة في وزارة الصحة عن حكاية المعمرة وبرية حيث تحدثت عن حياتها قائلة:
كنا نسكن منطقة” الفضل” وكان زوجي ابو احمد صديقا لشقيقي الكبير وكانت الحرب العراقية الايرانية قد بدأت ليتقدم لخطبتي وبعد ممانعة والدي للامر الى ان تدخل شقيقي فذلل الكثير من الصعاب ومنها مقدار مهري الذي بلغ عشرة الاف دينار حاضرا وخمسة الاف دينار مؤجلا وبعد شهر تم زواجي لاعيش مع عائلته التي احبتني كثيرا وبعد سنوات من زواجنا نتذكر تلك الايام ليقول لي مازحا” ام مهر الغالي”.
هدية الرجل لعروسته
الباحثة الاجتماعية مريم عباس تحدثت عن غلاء المهر بين الامس واليوم قائلة:
الصداق او المهر الذي يعرف انه مبلغ من المال او ممتلكات اخرى يقدم من قبل الزوج الى زوجته وهو من تقاليد الزواج في العديد من الثقافات الاجتماعية ولكن بعض العادات والتقاليد المتبعة في بعض بلدان العالم جعلت له زوايا واراء مختلفة فعند الاوروبيين القدامى كان الاباء يمنحون بناتهم مبلغا كبيرا من المال كمهر في يوم عرسهن لتصبح المرأة ملكا لزوجها فكانوا يرون في المهر باعثا للرجال على الزواج من بناتهم اما في الاسلام فالمهر والصداق يعطى لها كنوع من التقدير والاحترام لها وهو اعتراف من الزوج باستقلالية زوجته في تسلم مهرها عند زواجها به فالمهر ليس سعر العروس لان الزواج في الاسلام ليس معناه بيع العروس لان كرامة العروس واهلها مصانة في ظل الحكم الاسلامي.
والمهر هو هدية الرجل لعروسه وهو ملك خاص لها تتصرف به كيفما شاءت ولايحق لزوجها او اهلها ان ينالوا او يستمتعوا حتى بجزء منه لذلك تحتفظ المرأة بمهرها حتى وان طلقت بعد ذلك كما ان زوجها ليس له الحق ان يقاسمها اي جزء من هذا المهر الا ان تعطيه هي منه بمحض ارادتها وكما قال القرآن الكريم.. (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ، فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسا فَكُلُوهُ هَنِيئا مَرِيئا ) سورة النساء.
وتابعت الباحثة الاجتماعية مضيفة كذلك الامر في باقي الديانات مثل اليهودية التي تشترط دفع المهر من الزوج لعروسه لاتمام الزواج فقد كانت العائلة اليهودية تحدد جزءاً من تركة ابيها ليدفع كمهر في حال زواجها ولذا كانت البنات عبئاً ثقيلاً على كاهل الاب اليهودي اما في الديانة المسيحية فان للزوجة الحق في استرداد مهرها في حالة فسخ الزواج او ان يتم ضبطها في وضع غير اخلاقي.
وعن المهر والصداق في العراق فقد تابعت مضيفة.. لقد صار الكثير من الشباب يشكون من عدم قدراتهم على الزواج جراء المغالات بالمهور من قبل اولياء الامر في ظل وضع معاشي ازداد فيه عدد العاطلين عن العمل.
والواجب يدعو الاباء لمساعدة الشباب على الزواج واكمال نصف دينهم.
كذلك الواجب يدعو المنظمات الانسانية والمجمع المدني الى نشر الوعي المجتمعي بتشجيع ظاهرة الزواج التي تمر باسوأ سنواتها بعد اعوام 2003 كما ان على اولياء الامور ان يعوا ان المرأة ليست بضاعة تباع او تشترى وان مهرها الحقيقي لا يكون بالمال فقط وانما ان يحسن معاملتها ومعرفة حقوقها.
اذن فالدعوة مفتوحة لمؤسسات الدولة بتبني مشروع وطني كبير حتى نتلافى انتشار المشكلات الاجتماعية التي تؤثر على استقراره وسلامته.








