كاظم السيد علي
المدحتية ، كبرى نواحي مدينة الحلة الفيحاء ، فهي غنية بالطاقات الشعرية والتي أسهمت مساهمة فعالة في مسيرة القصيدة والأغنية العراقية. فالشاعر والشخصية الوطنية الراحل السيد حسين السيد كريم الياسري واحدا من رجال الأدب الشعبي الذين أنجبتهم هذه المدينة العريقة ، ولد فيها العام 1938 وترعرع في كنف عائلته العلوية المعروفة بكراماتها في المدينة ، وتقوم بتهيئة الشعائر الدينية في شهر محرم الحرام من كل عام .
شغف بحب هذا الأدب وذلك لتأجج قلبه في الهوى حتى كتب أول قصيدة له في ميدان الشعر يقول مطلعها :
راح العنب ياوسفه وظلت خاليه السله
وطار البلبل الغريد وأثر بالكلب عله
كتب الأدب الشعبي بكل فنونه وأغراضه الشعرية ، فقد ساجل فيه الكثير من الشعراء امثال السيد محسن الياسري وعبد الله الحسناوي وغيرهم من الشعراء.
فشاعرنا الياسري كان مولعا بكتابة الشعر الغزلي وكان يطغي على شعره هذا الطابع وفيه يعبر عن شغفه بالحب والشوق بما يدور في اعماقه من مشاعر ويستدر دموعه الساخنة وآلامه الموجعة وحزنه العميق عندما يدلهم الليل تتثاقل همومه ويطول ليله ..ولم يبوح بها الى احد سوى كتابة قصائده لكونه من الأصوات المدوية بالاندفاع من اجل الحرية حتى انتهاء حالة القمع وانتهاك ابسط الحقوق منها ممارسة الشعائر الدينية والذي كان يقودها شاعرنا الياسري على امتداد سنوات حكم الدكتاتور وحزبه الفاشي الذي تعمد بمنع أبناء شعبنا من ممارسة شعائرهم بحرية ، فأخذ يكتب ويناجي ليله بكتابات غالبا ماتتخذ طابعا سياسيا مناوئا لسياسة البطش والقهر ، حتى جاء العام 1991 وانتفض الشعب واعتقل السيد الياسري واعتقل معه أبنائه الـ(6) ليزجوهم في أقبية السجون حتى لاقوا ما لاقوا من تعذيب وحشي وجسدي ونفسي لمساهمتهم الفعالة في الانتفاضة في مدينتهم وبعد كل هذا خرج الشاعر الياسري بأعجوبة من السجن لوحده دون ان يعرف مصير ابنائه ابتداء من الشيوعي حليم واسامة وحيدر وميثم ومحمد وحبيب وانتهاء بالشيوعي فاضل .
فأخذ الالم يعتصر شاعرنا لهول المعاناة التي ارتكبها ازلام النظام البائد وجرائمه ضد ابناء شعبنا وفلذات كبده ، فراح يكتب اشعاراً يحاكي فيها الأولياء ويشكو همومه ومأساته فكانت هذه القصيدة التي ننفرد بنشرها لتعكس مدى ما لاقاه الشاعر وعائلته من آلام بسبب فراق الأحبة وما لحقهم من قمع وإرهاب واذلال من قبل نظام الطاغية ويحاكي الشاعر الإمام الحمزة في مدينته المدحتية بهذه القصيدة من فن النعي احد فنون الأدب الشعبي العراقي والتي اشتهرت به الشاعرة الكبيرة فدعه بنت علي الصويح يقول فيها :
وينك يبو محمد يمهيوب
يالجبرت كثره من الكلوب
انخاك والنخوه اويه الغروب
يالبشدايد دوم مندوب
تدري الوكت طالب ومطلوب
الشين الغلب والزين مغلوب
ابنك وجارك بيته منهوب
والجبد من الولم معيوب
اوكل واحد من امن اولادي ابصوب
امشرده اشعده امن الذنوب ؟
ماظن جرع مثلي النبي ايوب !
افراك اومرض والهدم مسلوب
والشامت الماجان محسوب !
يحجي بواكاحه اتكول مجلوب
حجيه برعونه موش مرتوب
عندما يطول الفراق بين المحبين .. يتدفق الحنين ويتأجج الشوق بعتاب إلى ولده الشيوعي البطل فاضل الياسري الذي استشهد على يد جلاوزة الدكتاتور في انتفاضة آذار ولم يعثر على رفاته الطاهر فهو يناجيه :
عسى لاشفت ذاك اليوم لاجن
اســــهام افراكم بالكلب لاجن
يفاضل من يجين الليل لاجن
احسبنه ابســــــــنه ينعد عليه
في السنوات الاخيرة اختص بكتاباته الشعرية في فن الابوذية فقد اجاد وابدع فيه ،في احد الايام سألته في جلسة خاصة معه وقبل رحيله : انك هذه الايام مكثر في كتابة الابوذية،فلماذا الابوذية فقط ؟فأجابني : لانها فن جمع كل محاسن الادب الشعبي الاصيل فقبل ان يقرأ لي ابوذياته قص علي قصة هذه الابوذيات : انه بعد ان قام جلاوزة النظام بالهجوم على المدن العراقية الثائرة وقيامهم باخماد نار الانتفاضة خرج من مدينته وذاهب قاصدا خواله عشيرة الكلابيين في النعمانية وكان واحدا من ابناء خاله المدعو (ناصر) من ازلام النظام ، فقاده بيده الى مديرية أمن الكوت (سيئة الصيت ) وهذه هي شيمة الغادرين حتى انتهى به المطاف في اقبية سجن رقم واحد ، فقرأ لي ابوذياته التي كتبها في حينها جراء ماحدث معه ومازلت احتفظ بها بخط بيده الكريمة اقتطف منها هذا البيت من الابوذية :
ثجيل اصبحت عد ربعي وناصر
ولا واحـــــــد تغفـــر لي وناصر
حسين اللي قـفــــل بابه وناصر
اخـــــذني للأمن بيده الشــــفيه
واخيرا هوى ذلك النجم من سماء الأدب الشعبي العراقي فتوقف قلبه النابض بالحب والشوق لوطنه ومحبيه من ابناء شعبه العام 1994وكم تمنى ان يرى صدام واعوانه كيف ينتهي بهم المطاف .. فكان يقول ويردد كلمته بيننا (هم تفرج يوم ؟) فأخذ يكتب :
علي دهري نصبله خوش يوله
اوسنح فرصه لعند النذل يوله
هـــم تفرج يلاهي يـــوم يوله
اظل اصفك وسف واعصر بديه
نعم لقد فرجت ياسيدي .. نم قرير العين مرتاح الضمير لقد انتهى صدام ونظامه الدكتاتوري المقيت .








