كاظم السيد علي
الإبداع يرسخ في ذهن الإنسان لفترة طويلة … خصوصا ً إذا كان المبدع يتجدد ويبدع مع تطور الزمن … وخاصة من مبدعينا الذين رحلوا رحلتهم الأبدية . لكنهم بقوا في ذاكرة الأجيال التي عاصرتهم والآتية … بما قدموه من إبداع في هذه الحياة … ومن هؤلاء الفنان الراحل الخالد جواد سليم (1919 – 1961) الذي بقى خالداً في سجل الساحة الفنية بإبداعه الذي نال أعجاب كل الناس … من خلال نصبه الخالد ( الحرية) الشامخ … الملحمة التي عبر فيها بعد ثورة 14 تموز الخالدة … وعن نوازع شعب بكامله … وفعلا ً… تحقق حلمه الذي راوده لسنين طويلة واختار النصب ليقدمه لافتة حب لثورة الشعب 14 تموز الوطنية عندما رأى اللافتات الكثيرة التي كان المتظاهرون يخرجون بها كل يوم تأييدا ً للثورة فقال جواد سليم :(لنصنع نحن لافتة أخرى باقية إلى الأبد) ! وفعلا ً فالثورة فجرت طاقات الفنانين الإبداعية وأولهم كان جواد … فصنع نصبه الخالد لافتة باقية إلى الأبد…
ولد الفنان جواد العام 1919 في انقره من أبوين عراقيين … نشأ وترعرع في وسط عائلة فنية عرفت بنشاطها الفني آنذاك فوالده الحاج سليم الموصلي الذي عرف بقدرته الفائقة بالرسم فضلاً عن شقيقه الأكبر سعاد رسام الكاريكاتير والمصور الفوتوغرافي الشهير وأشقائه الأصغر منه نزار ونزيهة الرسامان المعروفان على المستوى العالمي والعربي ناهيك عن قدرة الفنان الراحل جواد سليم بالنحت والرسم والعزف على الگيتار وكذلك رسم الكاريكاتير … واستمر .وبعد تخرجه من الدراسة المتوسطة في الثلاثينيات بالضبط بدأت الحكومة العراقية … بإرسال بعثات دراسية إلى أوروبا لغرض دراسة الفن هناك … فكان لجواد نصيب في تلك البعثه فقد أرسل إلى باريس العام 1938 .
وبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية… ذهب إلى روما… ثم عاد إلى بغداد بعدها شجعه طموحه أن يسافر إلى انكلترا من اجل إكمال دراسته في المدارس الفنية العالمية . فأخذ جواد يراسل والدته في بغداد برسائل… لكن بشكل قصائد شعبية…لكونه يمتلك موهبة كتابة الشعر إلى جانب موهبته الفنية التي برز ولمع اسمه عبرها بين الفنانين العالميين من خلال مشاركته الفنية في المعارض العالمية…
أخذت مكتوبچ وفرحت اهوايه
وفكيته واقره والمطر اهوايه
والدمع والمطر والمحبة يا اهوايه
امراية… امراية تعكس أشجان
بل أخذ جواد يهتم بموهبته الشعرية وجعلها شكلا ً ثانويا ً كتبها على شكل رسائل إلى أمه أثناء دراسته في انكلترا والتي استمرت (3) سنوات…
يعبر في رسائله على شدة وجده وعظمة حزنه لفراق (أمه)الحبيبة… فبعد أن وصلت رسالتها اليه من الوطن… وبعد أن قرأ ما فيها ابتهج بها فكانت هذه هي راحته… وفرحته فرد عليها برسالة بعثها إليها العام 1947 وهي تتدفق بالعاطفة وروح الحب وهو يحاكي والدته ويذكرها لكي يروي ظمأه في ثنايا هذه السطور:
***
امراية تعكس أشجاني والمحبة
والمحبة كلمة لأمي والمحبة
لو مو مكاتيبكم حبه… حبه
چان اترست لندن بالرگص يا هوايه
***
يا هواي أني من چثر ألمحبه وياكم
والبعد وطول أبحار ما ينسيني إياكم
أني لو أروح للصين گلبي وياكم
مثل العطش على الماي يعجبني رؤيا كم








