ثقافة شعبية

چاويـــن أودي الحچـــي وتعاتــــب ويامــــن

فاخر الداغري

 

الحسرة واللوعة… الحزن والأسى… الحيرة والشعور بالإفلاس العاطفي.. خيبات الأمل والتشبث بالتفاؤل طلب النجدة والإسعاف… اللجوء إلى الإشفاق والتسامحية… الافتقار إلى المؤنس الاجتماعي.. هيمنة الاندحار العاطفي.. الشعور بالوحدة والخذلان والتلاشي والوقوف في منتصف الطريق والتصبر في

أعلل نفسي في تدانيك ظلة

وابني المباني في هواك واهدم

 

كلها قد ترادفت فوق خيول الحسرات واللوعات الواردة فيها.

(چاوين أودي الحچي واتعاتب ويامن) مفارقات في تساؤلات وعلامات استفهام متلاحقة في شجن عراقي أصيل مفعم بالعواطف التي تمنح تبريراً مقنعاً بأن الشجن في الأغنية العراقية له ما يبرره كونه ناجم عن قساوة الحياة العامة… يدخل فيها شظف العيش والحرمان من أوسع الأبواب وخاصة في الريف المملق مجسداً في:

انه المسچينه انه

انه المظليمه انه

انه الباعوني هلي

بالنوط والوعدة سنة

حيث يروي الفنان الملحن حمودي إبراهيم في العدد الثاني عشر للسنة الثامنة لعام1977 من مجلة التراث الشعبي: ثلاث روايات في شجينة هذه الأغنية نكتفي بالأولى فقط كون الحصيلة واحدة في الروايات الثلاث فهي جميعاً تصب في سبب شظف العيش ليس إلاّ وهي ان أهل هذه الفتاة زوجوا ابنتهم بمهر آجل رغبة منهم في خفظ تكاليف المعيشة العائلية على أن يتسلموا المهر وهو نوط بعملة ورقية تركية قيمته هابطة بسبب دخول تركيا الحرب العالمية الأولى وهذا النوط لا يحول إلى عملة معدنية إلا بعد سنة من تاريخ صدوره وكان في وقت الحرب يساوي 250 فلساً عراقياً.

ترى أي بؤس هذا؟

(چاوين أودي الحجي وتعاتب ويامن) رغم النقد البغدادي لمفردة( چا ) إلا أنها تقابل (لعد) البغدادية التي تحمل  الحجم نفسه من التساؤل فهي (أين) في اللغة العربية الفصحى وأحدى أدوات الاستفهام التي يستفهم بها عن المكان لكن الميزة في مفردة (چا) العامية هي التغطية لمساحة أوسع من التساؤلات المقرونة بالحيرة والشعور بالضياع وكأن الأرض على رحبها لا تتسع لتساؤلات المتسائل علماً أن مكان تساؤلاته هو كيانه… وجوده الشخصي.. صدره… مشاعره التي تضيق ذرعاً تصل إلى أن كيانه ما عاد قادراً على استيعابها حيث أحرقت جوفه حرارة الشوق الذي يعتمل في داخله.

هذه تورية بلاغية في اللهجة الشعبية تعطي للأدب الشعبي نكهته وحلاوته وطراوته بلفظ جميل وإطار وردي ورونق أدائي ونطق حلو يتموسق بعذوبة صيغة السؤال.

(چا وين أودي الحچي وتعاتب ويامن) هي استفسار عن مصير مجهول يتطلب البحث عن البديل.. فيها إفصاح عن مكنونات الذات الملتاعة… الملأى ألماً… الذائبة حباً… المفعمة إحساساً… المتهجدة ولاءً في صومعة الهوى والشباب… الساقطة أرضاً من المعاناة إغماءً تبحث عمن يمد لها يداً تنتشلها من حالة التلاشي ويعيد لها الحبيب الذي اشاح بوجهه وتنكر لقيم العلاقة التي كانت أكثر من حميمية وكانت سبيلاً مشروعاً لتنامي الحب وسط زغردة العواطف وهديل الهوى وزقزقة المشاعر وعزف الألحان فوق روابي الوفاء فكان التآلف مياهاً متدفقة في سواقي الذات.

ترى كم قصة حب أجهضها تعنت الأب وعجرفته وحال دون جمع رأسين على وسادة واحدة لو تكللت بزواج مشروع يطيب الغناء على اعتابه (بيت العز  يا بيتنا).

كم لهفة شوق أطفأتها رفضة عنهجية وصار الحب فيها آهات وأنات انفجرت في سماء المأساة.

وعليه:

يبقى التفاعل الوجداني مع (چا وين أودي الحچي وتعاتب ويامن)؟ ليس فقط مع الأغنية التي أبدع فيها صاحب الصوت الحنون الفنان حسين نعمة لا بل هي مشكلة عاطفية اجتماعية ظلت بدون حل الأمر الذي يقودنا إلى القيم البلاغية الواردة في لهجتها الشعبية باعتبار اللهجة الشعبية لغة الشارع المحكية على صعيد الحياة اليومية التي تستوعب مهمات الإشباع اللغوي في الأدب الشعبي.

أنها رحاب تستوعب الحدث العاطفي وتلبي تطلعات الشوق الشبابي في تغطية الهواجس المثخنة بجراح القطيعة مقروناً بالتنكر لماضٍ كان ربيعاً حصل فيه خذلان من جانب واحد أسهم مباشرة في ترك المشكلة بدون حل… ظلت علامات الاستفهام بلهاء خرساء تصطدم بجدران الصمت تبحث عن جواب ولعل شاعر الأبوذية الراحل جاسم محمد الحجامي كان قد تفاعل مع المعنى الإجمالي لبيت القصيد الذي جاء متناغماً مع:

عفاني چيف اللي مهجه ولي روح

أداوي بالعلل كلها واليروح

أنه مني بحال من يجبل ولي يروح

بحالك يا الگطعت الوصل بيه

قد يهمك أيضاً

استضافة وتصميم: شركة المرام للدعاية والإعلان