ثقافة شعبية

سوق (المسابج) في النجف للتجارة والتراث والذكريات

حسين الكعبي

 

يعود تاريخ سوق (المسابج) المتفرع من السوق الكبير في مدينة النجف القديمة الى عشرات السنين، وقد اشتهرت هذه السوق بصناعة الدبس والحلويات المشتقة منه، ومن هذه الصناعة اكتسبت السوق اسمها وهي المسابج اي الاماكن التي يصنع فيها الدبس .

مشتقة من صناعة الدبس  ويتحدث عن هذه السوق الحاج جابر عبطان البالغ من العمر 74 عاماً فيقول ” اعمل في هذه السوق منذ خمسين عاماً في محل عطارية يعود لأبي، واتذكر ان السوق كانت فيها محال لصنع الدبس وحلاوة الدبس، كما كانت في السوق محال لبيع التمر والخضراوات وعدد من البقالين والعطارين، اما اليوم فتنتشر فيها محال الكرزات والحلويات ” . وتقع السوق على الجانب الايمن من شارع الصادق عندما تتجه الى مرقد الامام علي (ع)، وهي عبارة عن فرع صغير تنتشر على جانبيه محال الكرزات والحلويات، ويتعرج هذا الفرع لينتهي في السوق الكبير الذي يعد من اهم المراكز التجارية في النجف . ويقول عبطان ان سوق المسابج كان يدعى احياناً (الشورجة الصغيرة) لشدة ازدحامه بالمتبضعين، فقد كان البدو والغنامة (مربو الاغنام) يتبضعون من هذه السوق خاصة في السنوات التي تكون فيها الامطار غزيرة، لان تجارتهم تنتعش فيأتون الى هذه السوق للتبضع تحديداً في الشهر العاشر من السنة وعندها لا تجد لك طريقاً في السوق لكثرة المتبضعين . ويرى عبطان ان الجفاف الذي مر على العراق خلال السنوات الماضية ادى الى ركود هذه السوق بعض الشيء، واصبح عملها مقتصراً على الاعراس والمناسبات .

 

متبضعون من الخليج 

أما الحاج ابو مرتضى وهو من مواليد 1957 فيقول انه بدا عمله في هذه السوق منذ العام 1988، اي مع نهاية الحرب العراقية ـ الايرانية، وقد كانت السوق وقتها تعتمد على العراقيين فقط، الا ان الحصار الاقتصادي في تسعينيات القرن الماضي قللت من تبضع العراقيين في هذه السوق، واصبح الزائر الايراني هو المتبضع الرئيس في هذه السوق سواء قبل سقوط النظام العام 2003 او بعده . ويتابع ابو مرتضى قائلاً ” الا ان تراجع التومان الايراني امام الدينار العراقي جعل الزائر الايراني ينسحب تدريجياً، وعاد المتبضع العراقي بقوة اضافة الى الزائر الخليجي، واصبحت العملة العراقية حاضرة بقوة سواء في هذه السوق او في الاسواق الاخرى ” . أما عن اشهر العوائل التي كانت في هذه السوق، اجاب ابو مرتضى ” هناك عوائل معروفة منها بيت عجينة، والقزويني، والصراف، وعبطان، والطريحي واللبان، كما كانت فيها مقبرة سيد نور الياسري ” .  

 

 جوانب تراثية 

ويرى ابو مرتضى ان هناك جوانب لا تراعيها الدولة في التعامل مع هذا النوع من الاسواق، فبما انها اسواق ومعالم تراثية فلابد ان تكون هناك لوحات تعريفية بها كما يحدث في كل دول العالم مع المعالم التراثية، حيث توضع لوحات تعرف بالمعلم التراثي سواء كان سوقاً او بناية او شارعاً . مشيراً الى ان هناك شبابا من جيل التسعينيات لا يعرفون هذه السوق وليست لديهم معلومات عن تاريخها او موقعها وهم من ابناء النجف، فكيف بالزائر العربي او الاجنبي !! .  ويقول ابو مرتضى ” مع ان السوق تم ترميمها الا انها لم توضع فيها لوحة تعريفية واحدة، وهي من واجبات الحكومة لانها مسؤولة عن تثقيف المجتمع وتعريفه بتاريخه وحضارته ” . وعن طبيعة العمل في السوق، يقول ابو مرتضى ” اخذت محال الصياغة تنتشر اكثر لان ارباحها اكبر من ارباح محال الكرزات والحلويات والعطارية، لذلك اخذت بدلات الايجار ترتفع وهو ما يفرض على اصحاب المحال ان يرفعوا اسعار بضائعهم، فيجد الزائر او المتبضع اسعارنا غالية بالنسبة لمناطق اخرى فيحجم عن الشراء ” .  ورغم قدم هذه السوق الا انها مازالت محتفظةً بنكهة خاصة تستحضر عبق الماضي، وتنقل الداخل اليها لاجواء نجفية عريقة نفتقدها في ظل التحديات التي نعيشها يومياً، فهنا نحن بحاجة الى التأمل والغوص في سنوات وعقود تنشر عبقها على ازقة هذه المدينة .

قد يهمك أيضاً

استضافة وتصميم: شركة المرام للدعاية والإعلان