الجــزء الاخير
فارس حامد عبد الكريم
وفي قمة اشواقها ، ترسم صورة ملونة لحمد، بريشة مظفر النواب السريالية، صورة تجمع بين الفضة والعرس والنركيلة والشذر ، وترجو من الريل ان يخفف من سيره ( ثكل يبويه )، فالبرد وحده من احتضن الجسد وغاب دفء الحب والحبيب (كضبة دفو ، يا نهد ، لملمك … برد الصبح ) ( ويرجفنك فراكين الهوه … يا سرح) فتذهب بخيالها الى القول كأن حمد .. :
( جن حمد….
فضة عرس
جن حمد نركيله
مدكك بي الشذر
ومشلّه اشليله
يا ريل….
ثكل يبويه..
وخل أناغي بحزن منغه…
ويحن الكطه
كضبة دفو ، يا نهد
لملمك … برد الصبح
ويرجنك فراكين الهوه … يا سرح )
الا ان الريل يستمر في صراخه ، فتهيج الجروح ويفز القطا من احلامه وقد يهرب ، فترجوه باسلوب النهي الا يفعل :
( يا ريل….
لا.. لا تفزّزهن
تهيج الجرح
خليهن يهودرن..
حدر الحراير كطه
جن كذلتك…
والشمس…
والهوه…
هلهوله
شلايل برسيم…
والبرسيم إله سوله
واذري ذهب يا مشط
يلخلك…اشطوله !
بطول الشعر … )
الا ان الحب الذي ملأ العيون ضحكات وحكايات لا يدوم كما يبدو:
( والهوى البارد….
ينيم الكطه
تو العيون امتلن ….
ضحجات … وسواليف
ونهودي زمّن…
والطيور الزغيره… تزيف )
الا ان الريل يمضي وتجرف مياه النهر الحب الذي فقد مجاديفه ، فنراها تقول بحسرة :
( يا ريل …
سيّس هوانه
وما إله مجاذيف
وهودر هواهم
ولك…
حدر السنابل كطه )
ومظفر النواب الذي طاردته السلطات في كل مكان وزمان ، رمز من رموز العراق الحديث ونهر لا ينضب يجود بالعطاء المتميز ، فقد نظم الشعر بالفصحى بنوعيها العمودي والحر ونظم كذلك قصائدالشعر الشعبي ولم يفارقه الابداع في كليهما.
اما بعد … فان لقصيدة ( الريل وحمد ) قراءات مختلفة ، وهذه هي سمة العمل الابداعي ،لا تجد له قراءة واحدة وقد تتطور قراءته مع الزمن ليساير الفهم السائد للأمور حتى في عصور لاحقة .وهكذا قيل ان العمل الابداعي ونتاج العبقرية يبقى خالداً على مدى الدهر ، وهكذا خلدت المعلقات ولم تستطع الدهور المتعاقبة ان ( تاكل عليها وتشرب ) (3) او ان تنال من روعتها وعنفوانها الاول .
وعن الشعر الشعبي يقول مظفر النواب (أما العامية فهي مثل الطين المختمر. في أول زيارة لي لأهوار جنوب العراق شعرت بذلك، الهور مائي وطيني وطبيعته إنسيابية والماء فيه يتشكل، كذلك الطين، بأشكال عدة وأيضاً يجب التعامل مع العامية بمحبة حتى يتشكل هذا الطين مثلما نريد.). وعلى هذا النحو قرأت قصيدة الريل وحمد قراءة سياسية من قبل بعض النقاد، مبررين ذلك بالقول ان الفلاح لا يتحدث بهكذا لغة وان النواب اراد ان يقول شيئاً اخر بلغة الرمز. (4)
وقد لفتت انتباهي القصائد الشعبية التي استقبلت بها الجالية العراقية دولة رئيس الوزراء نوري المالكي اثناء زيارته الى ايران ، وهي قصائد عادت بنا الى اجواء الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي ، وقد عزفت ذات اللحن وذات الآه العراقية الخالدة ، رغم الغربة الطويلة والبعد ، ولاشك ان ذلك كان خزيناً امتلأ القلب به طوال سنوات الغربة ، فانفجر في لحظة فرح وسرور عراقية ممزوجة بالامل .. بالعودة الى الدار والاهل والاحباب.
………………………………………
الهوامش:
1ـ تصريح مظفر النواب ، جريدة الشرق الأوسط – لندن ، العدد رقم 7640، الجمعة 29 أكتوبر 1999.
2ـ يعرب كثير من اصدقائي في الوطن العربي عن اعجابهم بقصيدة ( الريل وحمد ) الا انهم وكما يقولون لا يفهمون معاني بعض كلماتها لانها باللهجة الشعبية ، وعلى هذا جعلت من هذا المقال قراءة في القصيدة ، تتضمن المعاني بين سطوره.
3 ـ تقول العرب عن الشيء الذي فات أوانه ( اكل الدهر عليه وشرب ) ، فان اكلت وشربت على شيء لم يبق منه شيء.
4ـ حول القراءات الاخرى للقصيدة، انظر: الشرق الاوسط ـ المصدر السابق. وكذلك انظر: جواد الحسن ، الحوار المتمدن ، العدد 2100 في 15 /11 /2007. وانظر كذلك : صافي ناز كاظم ، الشرق الاوسط، العدد 10148 ،الاحد 10 سبتمبر 2006.








