كاظم لازم
لم يصدق المجتمعون في احد مهرجانات السينما الذي اقيم في العاصمة الايطالية (روما) منتصف التسعينيات وهم يستمعون للتعريف بالمكان الذي اثارهم بحركته الدؤوبة من خلال مخرجه الشاب الذي صنع فيلماً وثائقياً ( سوق الشورجة في بغداد)، عندما قال لهم : ان المكان عبارة عن اقدام تهرول ووجوه تبحث عن شيء ما وفضاء تملؤه رائحة التوابل والشموع الملونة.
سوق تراثية وشعبية
كان اسمه ايام العصر العباسي سوق الرياحين ليستبدل بعدها الى سوق العطارين، وفي مطلع الاربعينيات من القرن الماضي استقر تسميته بسوق الشورجة، فقد تضاربات الاراء في نشأته كما اختلف المؤرخون والباحثون في اصل (التسمية)، فالباحث جلال الحنفي يقول عنه: ان اصل الكلمة منحدرة من كلمة ( شوركاء) اي محل الشورة او (الماء المالح) اذ كانت المحلة قديماً بئرا او بركة ماء فحرفت الكلمة الى (الشورجة).
اما الباحث سالم الالوسي فيرى ان الكلمة جاءت من (الشيرج) وهو دهن السمسم، اذا كانت في السوق معاصر خاصة له، وهناك راي اخر يقول ،هي كلمة تركية تتكون من مقطعين الاول (الشور) ويعني النهر والمقطع الثاني الـ ( جي) وتعني (المالح)، ليكون الاسم (النهر المالح) كما يقول القاموس التركي.
وكما يضيف الالوسي: ان السوق يعد المركز التجاري الكبير لبغداد فتراه زاخرا بالحركة والنشاط منذ ساعات الصباح الاولى وصولاً الى ساعات المساء المتأخرة، كما انه اكثر الاسواق اتساعاً واستقطاباً للمتبضعين من حيث معروضاته المختلفة، فرغم ازقته الضيقة الا ان الروائح المنبعثة من محلاته التي تبيع التوابل بانواعها تجعل المتجول فيه مشدوداً ومتذكراً ما يحتاج البيت منها- ويتابع ،ان لاصحاب المحال والمهن امثلة رائعة في الامانة وحسن التعامل التجاري الصادق وكذلك الالتزام بالتقاليد والاعراف ووجود الثقة المتبادلة بين التجار وزبائنهم في التعامل.
بضاعة متنوعة
الحاج هادي سلمان والذي يملك محلاً لبيع السكر والشاي منذ سبعينيات القرن الماضي تحدث عن السوق قائلاً: لم يختص السوق ببيع نوع معين من انواع السلع فتجد هناك باعة للقرطاسية والزجاجيات وهناك سوق لبيع الصابون وسوق الاعشاب والتوابل وسوق (التمن) وسوق السكائر كما ان هناك باعة السكر بانواعه من المعلبات والبلوري الملون وباعة الخيوط والازرار والبكرات والابر وباعة المسبحات والخرز ودربونة المعاضد الزجاجية والاقداح وزجاج اللالات وادوات الزينة النسائية كالديرم والكحل والامشاط الخشبية وباعة الفواكه المجففة كالزبيب والكشمش والفستق بانواعه مثل الجوز واللوز وباعة الشموع الملونة الكبيرة والصغيرة والكوازين مثل الاباريق التركية والايرانية فضلا عن باعة الحليب بانواعه واللبن.
رئة عراقية
اما العطار هاشم ريميان فقد قال : ان السوق يعد رئة العراقيين فمنه يتبضع جميع تجار المحافظات الشمالية والجنوبية الذين يقومون بتحميل شاحناتهم منذ الصباح الباكر بمختلف السلع والبضائع والمواد المنزلية الكهربائية وهؤلاء اغلبهم تجار جملة ويتابع العطار مضيفاً لم يبق السوق مقتصراً فقط على بيع المواد المنزلية بل ازدهرت الى جانبه اسواق اخرى لتبادل العملات الاجنبية والكثير من محال الالبسة وادوات النجارة والمنسوجات ومحال بيع السجاد والمفروضات بانواعها المختلفة كما ان هناك سوقا للعباءات وخانات للقماش الاجنبي والمحلي كذلك محال بيع الصيدلانية من الاعشاب.
بهارات .. توابل
والكزبرة والهيل والقرنفل والدارسين والنومي بصرة وانواع اخرى من البهارات الهندية المتنوعة والتوابل المستوردة التي يتميز بها سوق العطارين فهناك عوائل كثيرة تأتي من المحافظات لغرض التسوق من هذه التوابل التي لا يمكن العثور عليها في اماكن اخرى كما ان هناك انواعا من النشأ والطرشانة والسمسم وطحين تمن العنبر.
صاحب محل بيع التوابل والبهارات تحدث عن مهنته التي ورثها عن والده قبل عشرين عاماً حيث قال ان ما يميز السوق رائحته التي ينبعث منها الكمون والكزبرة والقرنفل والدارسين
رمضان في السوق
ويتابع العطار مضيفاً يزدحم السوق قبل حلول شهر رمضان الكريم من كل عام بالمتسوقين من جميع انحاء العراق فقد ارتبط اسم رمضان في العراق ارتباطاً وثيقاً بسوق الشورجة فلا يمكن لعائلة عراقية أن تستقبل الشهر الكريم الا بزيارة السوق والتبضع منه لشراء الشموع الملونة ومستلزمات المناسبات والاعياد والاعراس.
وعن الاعشاب التي يبيعها في محله قال : لدي اعشاب طبية اخرى تعالج مختلف الامراض مثل لسان الثور – الكراح – جوزة البوة واليانسون وورد ماوي والبابونج وعرج اللوية.
أماكن بارزة
التدريسي جمال حافظ تحدث عن معالم واسواق الشورجة وخاناتها قائلا: يعد السوق من المناطق التراثية المهمة في العراق فقد ضم الكثير منها وابرزها خان الدجاج وحمام الشورجة وسوق الغزل وسوق العطارين وعلاوي الشورجة وسوق التماره وخان مخزوم وبنات الحسن ومرقد الحسين بن روح احد سفراء الامام المهدي الاربع كما ان العديد من المباني القديمة قد تعرضت للهدم مثل الخانات التراثية كخان الاغا الصغير والكبير وخان الامين وخان مراد.
ويتابع التدريسي مضيفاً ويقع مرقد الشيخ ابو القاسم النوبختي المتوفى سنة 306 للهجرة في السوق والذي شيد عليه جامع كبير العام 1960 وتقابله على امتداد شارع الجمهورية كنيسة مريم العذراء 1968 وهي خاصة بالاقباط الارثذوكس.
اما عن المقاهي في السوق فقد قال : هناك اثنتان الاولى مقهى (الملكة) لانها تقع اعلى سطح في احد العلاوي ومقهى (قدوري) التي كان يرتادها قراء المقام وفيها قرأ المقام عبد الرزاق القبانجي والد الفنان الكبير محمد القبانجي. وعن الحرائق التي شهدتها الشورجة قال بعد تعرض السوق للعديد من الحرائق بسبب تكدس البضائع فيه وكان اشدها 1914 وعندما شب حريق كبير في خان الحاج عبد العزيز مرجان وقد استمر الحريق اسبوع كاملا والتهمت النيران جانبا كبيرا من سوق العطارين الذي يقابل خان الدجاج كما انه شهد العديد من الحرائق اخرها حريق العام 2014 الذي التهمت نيرانه العديد من المحال التجارية في السوق العربي وسبب خسائر تقدر بالملايين.








