علي الربيعي
تعد ظاهرة الصراخ في القاء الشعر الشعبي العراقي، من الظواهر غير المدروسة تبعا لوعي وثقافة البعض مما تضيع عبره فرصة التلقي الجيد للنصوص الشعرية المقروءة التي تحتاج في بعضها الى القاء ايقاعي هادئ يتيح فرصة انسجام مستمدة من هذا الفن-فن الالقاءـ الذي يعد واحداً من الاصول الاكاديمية لطرق التوصيل، ولكن بغياب ذلك الفن، لم نزل نشهد في مشهدنا الشعري ما يثير الاستغراب على الاصرار والاستنساخ جيلا بعد جيل، لشعراء هم شباب وفي بداية تجربتهم الشعرية، وحتى يصبح المشهد كاملا، نسلط الضوء في هذا الاستطلاع على تلك الظاهرة ومأساة عودتها واستمرارها متمنين العودة لتلك القراءات التي تشبه الى حد كبير تلك الموسيقى الممزوجة بالصوت والاداء والانفعال والمحافظة على الايقاع على حد سواء.
استجداء ادبي!
د.حمد محمود الدوخي – شاعر
شكرا لكم على هذه الالتفاتة ذلك لانها تركز النظر على ظاهرة تريد ان تستقر في هيكل القصيدة الشعبية او المحكية الا وهي (الصراخ) وهي ظاهرة موجودة في الادبيات غير الجوهرية، فنحن نلاحظها اول الامر لدى بعض الخطباء المنبريين الذين يلحون بها على حساب الموضوع للحصول على بعض الدموع من بعض الحاضرين-لاسيما اذا كان الحضور مصورا-ليدللوا بذلك على فصاحتهم وقدرتهم على امتلاك المتلقي وهنا نراها عند شعراء القصيدة الشعبية، او المحكية فهم يصرخون، ويصرخون كثيرا للحصول على تصفيق القاعة طبعا مع احترامنا لاسماء مهمة ومعروفة لانحتاج الى الاشارة اليها. ياصديقي انت شاعر شعبي وتعرف كثيرا ان اللجوء الى مثل هذه التلاعبات انما ينبع من القصيدة الفقيرة، وبالتالي من الشاعر الفقير معرفة وموهبة.
ان الصراخ، لغة كبرى حين يكون في سياقه الذي يتطلبه النسق، وهو استجداء ادبي حين يكون اتكاء واستدرارا لمشاعر بسيطة، واذا تاملت قليلا مابقي في ذاكرة قراءة القصيدة الشعبية ستجد ان مجمل القصائد الموجودة، هي قصائد خالية تماما من الصراخ المنبري الفارغ مثل (البنفسج، روحي، مرينه بيكم حمد، معاتبين، سلامات، حسبالي، حاسبينك…الخ).وتاكد وانت تدري سيذهب الصراخ ويبقى الشعر، كما ذهب في السابق فهذا كتاب الاغاني يمتلئ باسماء شعراء العربية القدماء كلهم ذهبوا بصراخهم وبقي الشعر (المتنبي، ابو العلاء، امرؤ القيس، البحتري، طرفة، دريد، ابن الفارض.. والقائمة تطول).
انهم كمنشدات المآتم
يوسف المحمداوي – شاعر
ظاهرة الصراخ هي ليست عشوائية كما يشير الاستطلاع بل هي ظاهرة مبرمجة ومستندة على مرتكزات مبنية في عقل وقلب من يواظب على امتهانها وادامتها وكنت اتمنى ان يشارك في الاستطلاع اطباء في علم النفس لدراسة الظاهرة ومعالجتها طبياً، فمن وجهة نظري الشخصية المتواضعة ان الامر لايعدو سوى داء متوازن ادمنه البعض ولايستطيع التخلص منه ايمانا منه بأن ايصال النص الى المتلقي يكون اجدى وانفع من خلال الصوت العالي او الصراخ غير المبرر الخارج عن المألوف، والمؤمن بهذا السلوك هو في مركز دائرة الخطأ تماما، لان النص ليس بملازمة الردة حسينية وكاتب النص ليس بروزخون يحاول من خلال علو او بحة الصوت ان يثير ويؤجج مشاعر الحاضرين في مجلسه لينال رضاهم وعطاياهم وليس هو بمؤد للمربع البغدادي الذي يستخدم فضلا عن صوته حركات الجسم لاستمالة المستمعين له في لعبة(المحيبس) مثلاً انهم كمنشدات المآتم (الكوالات) فالقصيدة لها قدسية وارى هذا الصراخ في ايصالها تدنيساًِ لتلك القدسية وعلى الصارخين في ايصالها الالتفات الى اداء الرموز في القصيدة الشعبية الحديثة فسيجدون بأن كلمات الاطراء وصوت التصفيق يعلو على اصواتهم المنسابة بهدوء الى قلوب الناس لانها صادقة وحبلى بالشعر الحقيقي المسموع والمقروء ولاتحتاج قصائدهم لصراخ لتصل الى اهدافها، فالصراخ والصوت العالي في الاداء دليلان على محاولة انصاف او اشباه الشعراء لان ينحو بالقصيدة ويرصفونها في خانة النص المسموع فقط وليس المقروء وهذا مايجرده من نعمة البقاء وتلك اشارة واضحة ولاتقبل الشك بأن امثال هؤلاء ماهم الا ادعياء شعر لا اكثر جل همهم الحصول على اطراء آني ينتهي بمجرد نهايتهم من الصراخ..
إساءات كبيرة
هادي الناصر – شاعر
اقول.. ربما.. ان الفهم المتوارث في توكيد ما هية الشعر الشعبي العراقي قد اتسمت بأداء اخذ حيزاً انفعالياً و طوباويا في كل مفاصله ، وعليه اؤكد كانت الثورة المفلتة في تكريس اسماء تمجد التعبوية و تكريس بناء دكتاتوري احمق، فعل احمقا فعل في زمن عراقي اغبر.. هكذا.. تقول الحكايات.. و هكذا و سم التاريخ ايقونته في رسم واقع مخل بالشرف العراقي عندما اسس لتلك الدكتاتورية المقيتة و وضع منهجاً ايديولوجياً، وبثا سايكولوجيا مغايراً في تبني مفهوم ذلك الخطاب بعد ان حصل ما حصل و كانت النتيجة توجه المئات من اشباه الشعراء، ليمنحوا فرصة الوجود الاعلامي المؤثر، دون وجود ادنى حق لمنحهم هذا التميز، الذي شكل فعلا مؤثراً في الذائقة العراقية، وعليه برزت اسماء لا تستحق حتى وجودها، في المشهد الشعري الشعبي العراقي، و لكنها فعلت فعلها وبقيت مؤثرة في الساحة لذا اعتقد.. ان ثمة اساءات كبيرة للشعر العراقي حصلت في زمن النظام المباد وما زالت تمارس حتى الان فعلها وهي على العموم مجموعة من الصراخات الفجة التي لا تعني اي شيء.








