عامر موسى الشيخ
تعالوا معي هذه المرة إلى دربونتنا القديمة ، واقصد دربونة عجد الشيوخ وسط الغربي القديم في السماوة . للدربونة منافذ عديدة اقربها لنا المنفذ المطل على شارع مصيوي شارع العيادة الشعبية حاليا. هناك تركت ذكريات قائمة على لعب التصاوير والدعبل ، طم خريزة ، ألا بالا ، چعاب ، قمچ ،وغيرها ، لا سيما بيت بيوت ..! بيتنا القديم ما يميزه انه يقع في المنتصف كونه يطل على دربونة عجد دبعن العجد الآخر المرتبط تشعبيا مع عجد الشيوخ ! تلك الدهاليز تمتاز بأنها كانت ملاذا للفرارية ، الهاربين من الجيش العراقي أثناء الحرب العراقية الايرانية ، في أعوام الطحن البشري ، حيث كانت الايام تسير بوتيرة واحدة بهدوء حذر وكذلك لا يخلوا بيت من نائحة على ميت في الحرب كان يسمى شهيدا واليوم يسمى ضحية حرب !. كنت صغيراً كان العلم العراقي يشكل لدي شيئا كبيرا، فشكله الخافق في السماء يخفق معه قلبي ، كان مشهد رفعته يوم الخميس رهيب ومرعب أيضا ، وأساس الرعب جاء بسبب معلمة كانت في مدرسة غرناطة الابتدائية عندما كنت احد طلابها، بدرجة حزبية عالية كونها بنت محافظ المثنى الكردي اتذكر من اسمه زنكنة ، هذه المعلمة تحمل سلاح الكلاشنكوف واثناء ترديد النشيد الوطني ورفع العلم تقوم بفعل رمي الرصاص ، إطلاقات ترافق المشهد فتتحول الاجواء الى صامتة متخوفة مرتبكة تخيم على المدرسة والمنطقة المحيطة بها الا صوت الرصاص ، نعم هكذا كان يوم الخميس يبدأ بالرصاص من أنثى ! هي نفسها قامت مرة بضرب أحد التلاميذ وكسرت أنفه حينها ترك الدراسة وفي الانتفاضة الشعبانية ترك البلاد مع أهله ! ارتفاع العلم شدني إلى حب التسلق على الشرفات ” التشاريف ” لأكون عاليا مثله ، فمرة خرجت من بيتنا مخترقا الدربونة قاصدا بيت خالتي أم محمد الذي كان على جانب من عمق الدربونة ، سمعت اصوات بعيدة تمثل حشدا من الناس ، الاصوات بدت تقترب أكثر فأكثر مثل دوي عال ، شرعت بالدخول إلى بيت خالتي قاصدا السطح والشرفة لكي أعرف مصدر الصوت وما هي حقيقة الامر . اقترب صوت الحشد وصل الناس وهم يرفعون علما على الاكتاف ينادون خلفه ” لا إله إلا الله ، جلّ الله ” العلم كان يغطي تابوت لشهيد من شهداء الدربونة كان اسمه باقر وكان محبا لأبناء جيرانه ولصغار المنطقة عموما ، أحتفظ بصورة له في حفل ختاني كان مبتسما ضاحكا . هذه الحالة أحدثت خللا في مفاهيمي ، فالعلم المرتفع هذه المرة منخفض جدا ترافقه الدموع وعبارات التهليل ، عرفت ان الارتفاع لا يمثل شيئا ابدا ، الارتفاع المعنوي يأتي من خلق الانسان لا التسلق ولا الرفع القسري الذي ترافقه إطلاقات الرصاص المرعبة . هذه الحكاية أحتفظ بها في صندوق الذاكرة ، أيقظتها لافتة قرأتها في شارع المتنبي مؤخرا تحمل صورة علم جمهورية العراق في فترة الزعيم عبد الكريم قاسم بعنوان فرعي :هذا هو علم العراق وليس العلم الحالي الذي هو علم جمهورية مصر. على اعتبار ان علم العراق مقلدا منه رغم الاتفاق عليه وقتها مع الوحدة العربية التي صارت بين مصر والعراق وسوريا . العلم يمثل هوية البلاد والوطن ، ولا أعرف أي علم سنحمل في القادم من الايام؟، علم كوردستان المشمس أم علم التكبير و النجمات الثلاث المحمول في منطقة أخرى من البلد ، او العلم الرسمي الحالي الخالي من النجمات المبقي لعبارة التكبير، أم سنعود إلى علم الجهورية الاول ؟ كي نعود إلى الدرابين الأولى ونرممها كي نرمم الذاكرة وجعلها ناطقة بإسم تاريخ عتيق ، اما أنا مازلت ابحث في الذاكرة ومازلت أحبكم وأحب السماوة .








