الحقيقة / خاص
بعد أن كان مثيرا للجدل في مواقفه السياسية وحماسه الوطني المعلن على الملأ بوضوح من خلال منصة رئاسته لبرلمان بلده وبعد تقاعده .بقي الدكتور محمود المشهداني يمسك ذات الصارية وليكتشف مناصروه والناظرون الى طريقته بالتعامل مع الازمات والمواقف بعدم الراحة .اكتشفوا في النهاية أن الرجل بوضوحه هذا يملك النية الطيبة من أجل وطنه وانه كفتان متعادلتان لميزان التناحر السياسي وصاحب مشروع وطني يحمل عراقيته النقية بكل المذاهب والطوائف والاعراق.العالم يعرفه سياسيا ويجب أن يعرفه الآن أنه اديب وشاعر لديه مهارة واعية وقوة نثرية في صياغة الافكار الجريئة وحتما في كل نتاج محمود المشهداني الأديب والسياسي تفاجئنا افكار واعية وقراءات تنبؤية لمجريات الحدث ولكنها تكتب في سياقات روحية ووجدانية وادبية وفكرية .
*هل تجبرت عليك بغداد في يوم ما .. وهل حزنت منها أو عليها ؟
– المدن العاشقة المعشوقة لا تتجبر ولا تتكبر لا في ذاتها ولا في صفاتها ولا في مبانيها ولا في معانيها وبغداد دار السلام والاسلام المحروسة مدينة عاشقة معشوقة خداها صوباها وعيناها كاظميتها واعظميتها وجمالها في وسط وجهها دجلتها الذي يسيل عذبا فراتا سائغا شرابه والمدينة العاشقة المعشوقة لا تصنع حزنا في قلب عشاقها وعاشقيها ولكنهم هم من يحزنون فيها وعليها وبعدها عندما تتحول الى مدينة حزن تذرف الدموع بين الصوبين.
لم تتجبر بغداد عليّ ولا على غيري لان بغداد مدينة متواضعة تفيض عذوبة ورقة وغزلان كرخها وعيون مهاها بين الحبوبي وابن الجهم لا يمكن لها ان تعرف القسوة حتى في دلالها.
اما الاحزان فانا كثيرا ما وصفت بغداد بعد 2003 انها تحولت الى( مدينة تشبه الجثة ) لانها ذبحت من الصوبين كما ذبحت مرات ومرات وكيف لا احزن على بغداد التي اعشقها حد الوجد فيها.
وانا الذي اروي عن اشياخي ما قاله الشاعر فيها:
لئن لذّ في بغداد وجدي فإنها
احق ديار الوجد مأوى ومربعا
فهي مدينة جمعت الحب والعشق والوصل والعطاء ولياليها كنهاراتها بين حب وعشق وبين علم وفهم وبين صاحب مسجد او صاحب ديوان وارضها ارض شقائق النعمان التي تحميها قصور الهوى العذري ومن يعشق مثل هذه المدينة لا يجد منها تجبرا ولا يملك الا ان يحزن عليها اذا مستها شوكة تشتاك منها وتشكو..
*لماذا تبدو متشائما في نظرتك الفكرية لبعض وقائع البلاد؟
– لأن وقائع البلاد تدعو الى التشاؤم قبل واثناء وخلال وبعد الاحتلال ولان العراق يعاني جروحا بعضها عمره الف عام وبعضها عمره الف يوم وبعضها ليس له عمر مع جروح اخرى حبلت وحملت بها الايام والاعوام ولم تولد بعد.
لست متشائما بقدر ما اجد نفسي احيانا في مرحلة ما بعد التشاؤم وانما اوكل الامر الى الله جل جلاله ان يجعل هذا البلد آمنا فما نحن فيه من خلل سياسي واجتماعي واقتصادي وفكري بعضه ظاهر وكثير منه مخفي ليس فيه للتفاؤل من باب بل فيه للتشاؤم الف باب ولقد خبرت الحياة السياسية قبل 2003 وبعد 2003 ثم رئيس للبرلمان في السنوات التي اسميتها(عصر حروب العراقيين) ثم اخترت الاستقالة والمراقبة فما وجدت الا نيات صادقة واعمالا كاذبة وبين النيات والاعمال قوم يريدون الاصلاح ما استطاعوا داخل وخارج الحكومة ولكن الامر مختلط كاختلاط الماء باللبن.
قد اكون سوداويا احيانا في هذا التشاؤم ولكنني رجل واقعي تعلمت ان اسمي الشيء باسمه.
*ربما اكتشفت هذا حين قرأت كتابك المثير بنثريته والموسوم حروب العراق ــ ملوك الطوائف.
-انت قارئ جيد للمعنى ولما بعد المعنى يا نعيم كما عهدتك وعرفتك بل انكَ قارئ يخاف الكاتب منه لأن سلطتك في النص كبيرة كما قال امبرتو ايكو عن قارئه في النص. وكتابي (حروب العراق) كان محاولة للصراخ في البرية قبل ان نجد ايزابيلا وفردنالد يدخلان غرناطة ونجد انفسنا الموريسكيين الجدد في القرن الخامس عشر للهجرة وكأننا لم نستوعب دروس حروب ملوك الطوائف رغم الازمنة والامكنة.
*كنت تؤرخ عهد من . ومن تقصد ..وماذا تظن انك قد توصلت ؟
أرخت فيه لسنوات الفتنة الكبرى من 2003 الى 2008 وهي اقسى سنوات العراق وقصدت فيه كل ملوك الطوائف وامراء الفتن والدعاة على ابواب جهنم وكل من غمس سيفه ورمحه في عنق البلاد والعباد ولم اتوصل لشيء قط قبل وبعد هذا الكتاب لان صوتي لا يكاد يسمع لا صداه ولا ما بعد صداه في خضم معمعات الاصوات التي تنادي بالويل والثبور وما يدرون انهم يعيدون عصر ملوك الطوائف بامتياز اشهد لهم فيه بالنجاح ولم يبق لهم الا ان يرحلوا من العراق الى ما وراء البحر تدفعهم جيوش فردنالد وايزابيلا ومحاكم التفتيش ومحارق العراق التي كلما خمدت اوقدوها قولا وفعلا.
* في كتابك الشعري والصادر عن دار نينوى في دمشق والموسوم (عندما تذبل ورود الزعفران) .كنت تؤرشف سيرة ذاتية لغرام روحك. حدثنا عن خيال القصائد فيه ولمن تريد ان ترمي بسهامها.؟
ديواني (عندما تذبل ورود الزعفران) هو من اوائل اعمالي وعمل الكاتب الاول كمثل ابنه البكر الى نفسه وقد ارشفت فيه سيرة عشقي الاسلامية العربية العراقية البغدادية الزوجية العائلية وهي سيرة عشق لا زالت مستمرة واصعب الاشياء على الشاعر الكتابة عن تجربة لا تزال مستمرة.
ديوان (عندما تذبل ورود الزعفران) هو بوح بغدادي بعد ان ذبل زعفران بغداد الاصفر المعصفر ووجدت نفسي لا اجد كرخي ولا رصافتي ولا حبيبتي التي أسميتها بالف اسم اكني بها وعنها واضمر فيها عشقي فكان خيال قصائدي خيال هذا العشق الممزوج بالبوح البغدادي ورغم ما اصدرت بعد هذا الديوان من دواوين ورغم ما بقي عندي الى اليوم من دواوين مخطوطة فان هذا الديوان يمثلني في زماني ومكاني وذاتي وصفاتي واراه مذكراتي العشقية الاولى.
*في سفر ختام الخواتيم من عهد الحزن القديم .بوح واعتراف.هل اردت به تصحيح مسار فيك .غلبت عليه الذكريات والهنات وبعض الاخطاء؟
-بل هو اعادة لاحزاني التي سميتها عهد الحزن القديم وما ختام الخواتيم الا بعض ما جرى ويجري وسيجري من وجد ببغداد ومن عشق لبغداد ومن تولع ببغداد واهليها الذين ارتحلوا شرقا وغربا وشمالا وجنوبا وختام الخواتيم هو قطعة نثرية شعرية موحية تصف باقسى المباني والمعاني الدم المسال بين الكرخ والرصافة جاريا في دجلة وكيف ان مدينة قميئة اسمها بغدادستان اريد لها ان تكون بديلا عن بغداد ولا شك ان اخطائي وهناتي وكل ما عندي مجسد في هذا السفر الذي اجده ينحت في رمال الصخراء بحثا عن ماء لمن لم يجد ماءا في دجلة بعد ان تحول دجلة الى كأس دم تصب فيه اعناق اهل بغداد التي ذبحت على الصوبين بسكاكين سوداء نجسة وكنت قد اكثرت فيه من لوم نفسي لانني احمل مع اهل بغداد واهل العراق جراحاتهم مع جرحي الذي لا يعرف به جرح الذبح الذي ذبحته يوم ذبح اهلي وجيرتي واحبتي بين دجلة والفرات.
* هل ستجرب حظك مع السياسة ثانية .ام ركنت لتدوين الرؤى واحلام القصيدة .وهل للساسة تأثير في خصب نتاجك هذا …؟
-هذا سؤال لا املك جوابه الآن لان تداعيات الاحداث قد تجعلني اطلق السياسة ط