( المجرشة) قصيدة رائعة فيها فلسفة عميقة وعندما نشرها الكرخي، قيل انها لاحد شعراء الجنوب !!
ولما اطلع عليها الكرخي من خلال جولاته في الجنوب بعد ان اصبح صيتها ذائعاً بين الناس) وخلص الواعظ الى القول :
نقتطف من قصيدة لعبد الرزاق الفضلي صاحب جريدة (الاسرار) الصادرة في خمسينيات القرن الماضي وفيها يقول :
ساعة واكسرك يا قلم واحلف ابد ما شيلك
جمدوب اتحمل درد طول الدهر من ايدك
متكلي اني شحصلت من بلشت وجنيتك
حتى الرزق عندي وكف واتكطعت اوصاله
ساعة واكسرك يا قلم ويا خايب
محروم ما عنده رزق كل عالم وكل كاتب
ان قصيدة الفضلي جاءت مجاراة لمجرشة الكرخي وجارى (المجرشة) ايضا صحفي عراقي رمز الى اسمه توقيع مستعار (الحاج فرج) نشرها في جريدة (الشرق) البغدادية عام 1962 وعلى عنوان الموسوم (ذبيت روحي عله الصحف) جاء فيها .
ذبيت روحي عله الصحف – وادري القلم ياذيها
ساعة وأكسر المحبرة – والعن ابو راعيها
ساعة وأكسر المحبرة – والعن ابو اليكتب بعد
اسهر او اكتب للصبح – وعيوني تالفها الرمد
بين الكواغد سهرتي – اكتب وامحي بلا عدد
والناس تسهر بالفرح – او كاساتها ممليه
ساعة وأكسر المحبرة – وأكعد ببيتي بلا عمل
جم دوب اظلن يا خللك – اسهر بشغلي بلا امل
نوبه محليات.. نوبه – جيب اكتب بالعجل
برقية وحده عايزه – ثنتين شلنا بيها
شاعة وأكسر المحبرة – وأترك الدنيا والبشر
لا الزم ابإيدي قلم – واكتب مقاله ولا خبر
الامي حياته مسعده – و اني اعيش بنص صفر
استاذ لاجن معدتي – جوع الفكر لا فيها
ساعة وأكسر المحبرة – وأترك الشغلة ولا اظل
لا باني من شغلي قصر – ولا مشتري لمرتي حجل
لو جنت بايع لبلبي – لو بالطبك بايع فجل
هم جان عندي جم فلس – وام الولد جاسيها
ساعة وأكسر المحبرة – بلكت اعوفك يا فكر
ضيعت عكلي – اوما بعد املك يهل وادم صبر
يكلون حظك نايم اوما – ادري نومه بيا كبر
بلكت اكعده و انصحه – ولزعلته ينهيها
ساعة وأكسر المحبرة – وأحرك بنيراني الورق
والغير نايم بالهنا – و اني بسهر ليلي و ارق
كله كتبنه بالورق – يا لايمي الا الزلق
اتعب او تعبي ينكر – بعد السهر تاليها
ساعة وأكسر المحبرة – وأترك شغل كل الصحف
هل ناس تاكل بالدهن – واني الي جده الظرف
ازرع او اسكي بالدمع – ولغيري زرعي ينكطف
هل حسبه لا عاقل تره – وامسودن امسويها
ساعة وأكسر المحبرة – وأكصد انا للعاني
احجيله قصتي و اشتكي – من دنيتي وخلاني
بلكت يحلها العكدتي – أو للمشكلة يساويها
وجاء في كتاب الأب أنستاس الكرملي وآرائه اللغوية الصادر عام 1969 تحقيق الدكتور أبراهيم السامرائي.
(المجرشة) معناها المجشة اي رفى اليد والكلمة عراقية عامية ولها عندهم غناء خاص بها من بحر مجزوء الرجز ، ويسميها بعض الفراتيين المرتبة وقد نظم الملا نور الحاج شبيب كاتب الشيخ عبدالرضا الحاج سكر قصيدة على لسان امرأة تجرش الشلب ابدع فيها وما فيها من الشد والبؤس والشقاء وكيفية مواظبتها على الجرش بالرغم عما هي عليه من الحال وذكر شأنها وفي هوامش الكتب ان المجرشة نوع من النظم وليست نوعاً من الغناء وقد نظم فيها بعض الشعراء بعد ان اشتهرت القصيدة الاولى ومنهم المرحوم الملا ناجي بن جواد الصايغ الحلي الخاقاني (فنون الادب الشعبي جزء 8 ص32 والشيخ كاظم ال حسن م س ج 4 ص70 وعبدالامير الناهض المجرشة 1956.
واشتهر ان ناظم القصيدة الاولى في المجرشة هو الملا عبود الكرخي وقد اثبتت في ديوانه ج1 ط 2 ص3 1956 على ان الأب الكرملي ينسبها.
الى الملا نور الحاج شبيب ويؤيد في ذلك عبدالكريم العلاف الطرب عند العرب ص 179 كما ان الخاقاني اورد المجرشة ناسبا اياها الى الشاعر علي بن الشاعر السيد حيدر الحلي (فنون الادب الشعبي ج 1 ، ص62 وتختلف نصا عما هو مثبت هنا كما ان السيد محمد بسيم الذويب بين في مقال نشره في جريدة البلد البغدادية بأن ناظم القصيدة هو ليس الكرخي وجاء الكرخي فنظم على منوالها مقاطع آخر ونشرها في جريدة الكرخ العدد 94 في 3/6/1929 وأختلطت منظومته بالاصل فنسب الكل اليه والدارس لشعر الكرخي يستطيع ان يميز ما نظمه عن الاصل بمتابعة الالفاظ التي يستعملها وطريقة تركيبه لتلك الالفاظ والصور التي يرسمها.
اما الشاعر عبدالامير الناهض صاحب جريدة العندليب والمحرر في جريدة الكرخ الذي عنى بنشر قصيدة (المجرشة) في كتيب اسماه (المجرشة) طبع في مطبعة النجاح ببغداد غفلاً عن التاريخ والمجرشة كما يقول الناهض في كراسه الموسوم بـ المجرشة هي القصيدة الذائعة الصيت نظم الشاعر الشعبي الملا عبود الكرخي صاحب جريدة الكرخ وعني بنشرها عبد الامير الناهض وجاء في مقدمة الناشر الناهض (قصيدة المجرشة التي حازت استحسان الجمهور واعجابه وقد طبعت في جريدة الكرخ مرارا عدة لكثرة الطلبات التي قدمها القراء اعجابا بها وبعبقرية ناظمها عبود الكرخي ويدلنا على ذلك القصيدة التي أرسلها له عندليب العراق الاستاذ معروف الرصافي فقد جاء فيها اشارة الى هذه القصيدة الرنانة التي حازت من المكانة بين الجمهور مالم تحزه المعلقات العشر وهذا هو مطلع القصيدة.
الشعر ما قلت يا عبود فانح به
مدح الصناديد لا هجر الرعاديد
وجاء في آخرها هذا البيت الذي يشير الى قصيدة المجرشة
وصف لنا ابنة بؤس ذات مجرشة
تقطع الليل في نوح وتعديد
وخلص الناهض الى القول
ولما راينا لهفة القراءة على مطالعتها والاطلاع عليها اقدامنا على طبعها في سفر صغير يباع بثمن بخس آنه واحدة وليس لنا من وراء ذلك سوى الخدمة العامة ومرضاة القراء الكرام.
وكتب ايضاً حول المجرشة عبدالحميد الكنين في مجلة التراث الشعبي العدد الاول السنة الاولى 1963 مقالة بعنوان من المفكرة الشعبية عن قصيدة المجرشة جاء فيها:
سمعت في ليلة من ليالي شتاء عام 1925 ناظماً زجلياً ينشد قصيدة المجرشة المشهورة وهو يدعى ناجي الحلاوي أنشدها في ديوان السيد محمد سعيد مصطفى الخليل الواقع في جانب الكرخ وكان ممن اذكرهم من حضور الديوان المرحومون معروف الرصافي وعبد المجيد الشاوي وسالم الخيون
وقوبلت تلاوة القصيدة بكل أستحسان واكد منشدها أنها من نظمه كما إنني تأكدت بصورة لا تقبل الجدل انها من نظم ذلك الناظم الزجلي المجيد بيد انني قرأت بعد بضع سنين من ذلك الحادث في جريدة الكرخ قصيدة للرصافي يخاطب بها الملا عبود الكرخي ومنها: ( شعر على شكل اعمدة ) الشعر ما قلت يا عبود فانح به مدح الصناديد لاهجر الرعاديد
وانظم لنا زجلاً في الشعر يفهمه – من في الرساتيق من تلك العبابيد وصف أنيسة بؤس ذات مجرشة – تقطع الليل في نوح وتعديد
وقد نشر قصيدة الرصافي بعد قصيدة زجلية ذاعت في بعض الاوساط وهي لعبود الكرخي هجا ابن احد البغداديين هجاء مرأ عنيفاً ففسر القراء ان القصيدة الرصافية تعريض بالقصيدة الكرخية ونصيحة للكرخي بأجتناب الهجاء ثم مرت بضع سنين اخرى واذا بي اقرا قصيدة المجرشة ومنسوبة الكرخي ومذيلة بتوقيعه ولم يكن فيها ما يمكن ان يعتبر معارضة للقصيدة التي سمعتها من ناجي الحلاوي بل كان الكرخي نقلها حرفياً او كاد !!.
ومن ثم التقيت والكلام للكنين بالسيد صالح الحلي الخطيب المعروف في احدى سفراته الى البصرة وذكرت له قصيدة ناجي الحلاوي وقصيدة عبود الكرخي في المجرشة سألته عما اذا كان الاول لا يزال على قيد الحياة فأجابني بأنه توفي وردد البيت المشهور
والليالي من الزمان حبال مثقلات يلدن كل عجيب
قصيدة المجرشة غناها ولحنها وأملاها على الاقراص مطرب العراق الاول الاستاذ محمد القبانجي رحمه الله في أربعينيات القرن الماضي والمعروف ان هذه القصيدة من نظم الشاعر الشعبي عبود الكرخي وقد تقاطر الشعراء والادباء والكتاب عام 1969 وقالوا ما قالوا فيها هذا يقول انها للكرخي وآخر يكتب انها ليس للكرخي ومن يقول انها للحلاوي وآخر إنها لامرأة عمارية وهكذا تشعبت الاقوال حول نسبة المجرشة.
وقد رأيت ان استطلع رأي الاستاذ القبانجي عام 1969 بصفته أول من غناها واملاها على الاقراص فقال:
الكاتب الانصاري يسألني الراي عن ذلك بوصفي أول من لحنها وغناها واملاها على الاقراص قبل 40 سنة وجوابي على ذلك ان المجرشة كرخية فعلا وانني لم استمعها الا من لسانه وكل ادعاء يخالف ذلك لا يستند الى الحب والواقع ويفتقر الى الدليل القاطع ثم ان المرحوم الكرخي بصفته قمة الشعر الشعبي العراقي بلا منازع والذي انتقل الى جوار القدير الاعلى سجل تاريخ المجتمع العراقي خلال النصف الاول من القرن العشرين لا يعجز عن نظم قصيدة كالمجرشة وفي دواوينه الثلاثة روائع خالدة قد تفوق المجرشة في مواضيعها وتعابيره وجمال صورها المشرقة ومن ذلك (الملحمة الكونية) والمحالات والالفية والخرافات وكثير غيرها ناهيك عن شعره السياسي والاقتصادي والمغنى الذي يدور على كل لسان ان المجرشة نشرت في ديوانه المطبوع العام 1933 لم نسمع ان احد ادعاها لنفسه او شكك في نسبتها للمرحوم الكرخي ولو تجرأ أحد في حياة الشاعر لاستطاع ان يريه الشمس في رابعة النهار اما ان يموت الشاعر ويرحل الى جوار القدير الاعلى ثم يظهر من بعده من يحاول تشويه الحقائق فهذا مبني على غير الحق وتحقيق غير امين في النقل رحم الله شاعرنا الكرخي فسوف يبقى حديثا الى يومهم الموعود.








