حوارات وتحقيقات

الروتين يجبر المواطن على الاستعانة به المعقب.. يتخطى عقبات الروتين والأجر على قدر المشقة!

لويس فؤاد العمار

 

تكاد لاتخلو دائرة حكومية من تواجد هذا الرجل أمام بوابتها الرئيسية عارضا (خدماته) للمراجعين الذين تتوقف معاملاتهم عند هذا الموظف أو ذاك لأسباب عديدة سواء أكانت بسبب نقص في بعض الأوراق الرسمية فيها أو لتعمد الموظف عرقلتها لمشاركة المقسوم مع صاحبنا ( المعقب) الذي تنتعش مهنته كلما ازدادت حلقات الروتين الحكومي في الدوائر والوزارات وضعف القانون وتفشى الفساد الإداري بين مفاصلها. (مهنة) معقب المعاملات ليست بالجديدة على سطح الأحداث في تفاصيل الحياة العراقية ولا تقتصر على دائرة دون أخرى اللهم باستثناء القليل جدا من الدوائر التي ليس لصاحبنا فيها موطئ قدم.. البعض من المواطنين الذين أجبرتهم حلقات الروتين الزائدة في انجاز معاملاتهم على التعامل مع المعقب أوضحوا أنها مؤشر على تفشي الفساد الإداري في وزارات الدولة ودوائرها الحكومية إلى جانب غياب الرقابة والعقوبات الإدارية الرادعة ضد بعض الموظفين من ضعاف النفوس ممن يعمدون إلى عرقلة معاملات المواطنين بمختلف الحجج لإجبارهم على الرضوخ لابتزاز المعقب الذي يتعهد بإكمال المعاملة بالاتفاق مع هذا البعض من الموظفين مقابل تقاسم مايحصلون عليه من أموال المراجع المسكين. البعض ارجع تاريخ ظهور (مهنة المعقب) إلى فترة الحصار الاقتصادي في تسعينيات القرن المنصرم نتيجة لتفشي الفساد الإداري والمالي في اغلب دوائر ووزارات الدولة العراقية بسبب تدني رواتب الموظفين الشهرية بمقابل غلاء فاحش في أسعار السلع والخدمات مااضطر اغلب الموظفين آنذاك إلى تعاطي الرشوة لانجاز معاملات الناس بعد تعمد عرقلتها.

* المواطن حسين جبر الدلفي يؤكد أن “المعقب بدا بالظهور أمام الأبواب الرئيسية للدوائر الحكومية في فترة الحصار”. مبينا أن “تلك الفترة شهدت ارتفاعا غير مسبوق في أسعار السلع المنزلية والغذائية بسبب العقوبات الاقتصادية على العراق يقابلها تدن كبير في الرواتب الشهرية لشريحة الموظفين وانخفاض قيمتها الشرائية مما اجبر العديد منهم على تعاطي الرشوة بمساعدة المعقب الذي وجد لمهنته رواجا في ظل هذه الظروف الشاذة”. ويشير الدلفي إلى  أن “أكثر الدوائر الحكومية في تلك الفترة وخصوصا دوائر المرور والتجارة والجوازات شهدت نشاطا ملحوظا للمعقب بحيث أن معاملة المواطن المراجع لهذه الدوائر تكاد لاتروج من دون تدخل المعقب”. الدلفي يبدي استغرابه من بقاء الظاهرة مستمرة في الوقت الراهن حتى مع زيادة كبيرة في رواتب الموظفين . 

* المواطن احمد صادق السعيدي يبين انه تعامل مضطرا في العديد من المرات مع مايسمى بمعقب المعاملات في أكثر من دائرة حكومية راجعها لمختلف الأسباب. مؤكدا أن “العذاب الذي يتحمله المراجع لدوائر الدولة والعراقيل المتعمدة من اغلب الموظفين تدفعه دوما للاستعانة بالمعقب الذي يشرع في انجاز المعاملة بزمن قياسي ما أن يحصل الاتفاق على مبلغ ( الرشوة) التي يؤكد المعقب على انه يتقاسمها مع الموظف الفاسد الذي توقفت عنده المعاملة”. السعيدي عد الظاهرة بـ ( الطبيعية) طبقا لواقع الدوائر الحكومية التي يتسم اغلب عملها بتعدد حلقات الروتين القاتلة والكثيرة والتي تتيح لضعاف النفوس من موظفي هذه الدائرة أو تلك الوزارة عرقلة معاملة احدهم بغية ابتزازه للحصول منه على المال مقابل انجاز معاملته..

* ويرى المواطن علي هاتف أن تواجد المعقب تتباين كثافته بين دائرة وأخرى تبعا لطبيعة عمل الدائرة واختصاصها ومدى كثافة المراجعين لها. مبينا أن “دوائر المرور والتسجيل العقاري وأمانة العاصمة تسجل أعلى المعدلات في تواجد المعقبين بين أروقتها لانجاز المعاملات المتلكئة”. مشيرا إلى أن “المراجع لهذه الدوائر إذا ما أراد انجاز معاملته بيسر وسرعة ومن دون منغصات ومشقة فما عليه إلا اللجوء إلى معقب معاملات لقاء مبلغ من المال يتحدد مقداره تبعا لنوع المعاملة ومدى صعوبة العقدة التي توقفت عندها”. موضحا أن “المبلغ المدفوع للمعقب لانجاز معاملة نقل ملكية على سبيل المثال لايقل بأي حال من الأحوال عن ثلاثمائة الف دينار”.

* يقول المواطن أبو صفاء: رغم أن ( مهنة) المعقبين في دوائر الدولة أو ( الوسطاء) ممنوعة رسمياً. لكنك سوف تضطر للبحث عنهم والتوسل بكل الناس للتعرف على احدهم لينجز لك معاملتك بعد أن تذوق الويل والعذاب من مراجعتك لهذه الدائرة أو تلك، والغريب في الأمر أن في الكثير من دوائر الدولة ستجد لافتة صغيرة على شكل تحذير مكتوب عليها: “ممنوع دخول المعقبين” أو “متابعة المعاملة فقط من قبل صاحبها” إلى أخرها من الشعارات التي لا تغني المراجع ولا تنفعه.. وبالنسبة لي فقد خضت تجربة مرة في هذا الشأن. فقد راجعت دائرة التقاعد بعد إحالتي على التقاعد، فذهبت وقد عزمت على أن أتابع معاملتي بعد أن سمعت أن المعاملة لا تتأخر أكثر من شهر.. وفعلا ذهبت إلى القسم المختص وعندما سألت عن الشعبة واسم الموظف الذي استلم معاملتي التي أرسلتها دائرتي، اخذ اسمي واسم دائرتي وطلب مني أن أستريح حتى يجد ملف معاملتي وبعد اقل من ساعة نادى باسمي واخبرني أن ملفي موجود وأعطاني موعدا بعد يومين لأراجعهم! وفي الموعد المحدد راجعت لمتابعة معاملتي فاخبروني أن اذهب إلى شعبة أخرى وعندما ذهبت تفاجأت بكثرة أعداد المراجعين الواقفين على شباك صغير. ولم استطع الوصول لهذا الشباك إلا بعد أكثر من أسبوع عندما نادى الموظف باسمي وعندما أجبته اخبرني أن الأوامر الموجودة في المعاملة غير صالحة ويجب استحصال أوامر جديدة… وبعد أكثر من شهر تعبت من الوقوف اليومي أمام هذا الشباك.. وعرفت من المراجعين الذين معي أن اغلبهم مضى على مراجعتهم أكثر من ستة أشهر دون أن تتحرك المعاملة قيد أنملة.. فحملت نفسي وذهبت أتوسل لأجد معقبا يخلصني من هذه المصيبة التي بسببها تعقدت نفسيتي وأصابني القهر والهم حتى وأنا في بيتي!!

* يبين الإعلامي حسين جبار السراي” أن تطبيق الحكومة الالكترونية يجنب العديد من المراجعين ابتزاز بعض الموظفين الفاسدين ممن يسعون إلى الحصول على المال الحرام من المراجع بسبب حلقات الروتين الزائدة في دوائر الدولة”. مشيرا إلى أن “المعقب هو إحد نتائج هذا الروتين والضحية يبقى أبدا ودائما هو المواطن المراجع لانجاز معاملته، إذ لاتخلو أية دائرة من الدوائر من عنصرين أصبحا أساسيين فيها وهما الموظف الفاسد والمعقب المتفق مع هذا الموظف لابتزاز المواطنين وإجبارهم على دفع الرشوة بغية انجاز معاملاتهم”. 

* وللمواطن أبو مهند حكاية مضحكة ومبكية في الوقت عينه . فالرجل كانت لديه معاملة نقل ملكية في إحدى دوائر التسجيل في بغداد . إذ يبين أبو مهند انه لم يستمع لنصائح بعض أصدقائه بوجوب الاستعانة بالمعقب لتلافي تحمل الجهد الشاق وهدر الوقت ناهيك عن الاهانات الكثيرة التي يتعرض لها المراجع لمثل هذه الدوائر الحكومية وراح يحاول انجاز المعاملة بنفسه. يقول : أن معاملته بعد جهد مضني ومصاريف ذهبت لكثرة المراجعة جيئة وذهابا من والى الدوائر العديدة المرتبطة بالتسجيل العقاري وصلت أخيرا إلى موظف مختص بتقدير الرسوم البلدية على العقار أو ماشابه . إذ تعمد هذا الموظف وضع العراقيل أمام انجاز المعاملة حتى وصل الأمر إلى حدوث مشادة كلامية كادت أن تتطور إلى أكثر من ذلك لولا تدخل الخيرين في الموضوع. فما كان من أبي مهند إلا الرضوخ أخيرا إلى ( منطق العقل والحكمة) والاستعانة بأحد المعقبين الذي بادر  إلى اصطحاب أبا مهند معه إلى حيث الموظف المختص بعد الاتفاق فيما بينهما على مبلغ ( الهدية) كما يسمونها الموظفون الفاسدون لتنتهي معاناة أيام طويلة مع هذا الموظف بـ ( استكان) شاي شربوه الجماعة على نخب الرشوة والفساد الإداري والمالي في دوائر الدولة العراقية .

قد يهمك أيضاً