حوارات وتحقيقات

عدوٌ خفيٌ يقتل الكثير يوميا التدخين.. أمراض ووفيات وخسائر لا تحصى

باسم حسين الربيعي

 

قصة ثانية

ويروي لي صديق كبير في السن قصة تركه للتدخين، قال: كنت مولعاً بتدخين السكائر، وفي يوم، وبينما كنت أقود سيارتي، شعرت برغبة كبيرة للتدخين، واكتشفت أنني لا أملك علبة سكائر، ولم يكن في الطريق الذي كنت أسلكه أكشاك أو باعة للسكائر، وفي أثناء توقفي عند الإشارة الضوئية، وكان الشارع مزدحما جدا بالسيارات، لمحت سائق سيارة بقربي يدخن ويضع علبة السكائر أمامه. فسلمت عليه والتمست منه أن يمنحني سيكارة، واذا بالرجل يكرمني بالعلبة كاملة. فشكرته وأخذتها.. ودخنت سيكارة، ولكن شعرت بإحراج كبير، وفكرت مع نفسي فيما قمت به من عمل غير لائق بي كرجل، وما يحمله هذا التصرف من دناءة في النفس. فقررت ان اترك التدخين نهائيا مذ تلك الحادثة، كي لا أتعرض لمثل هذه المواقف ثانيةً!.

 

 أرقام مخيفة!

يقول “قاسم حسين كاظم”، طالب في كلية الطب :”التدخين يسبب مشاكل صحية كبيرة- ويتسبب في وفاة أكثر من 15 بالمائة من الأشخاص المدخنين سنوياً، ويتوقع ان يزداد هذا الرقم، ويعتقد ان مدخناً واحداً من كل اثنين من المدخنين يموت بسبب أحد الأمراض التي يسببها التدخين، وتقدر هذه الأمراض بـ “25” مرضاً مختلفاً، أبرزها أمراض تصلب الشرايين وأمراض الجهاز التنفسي وأمراض القلب، ورغم التحذيرات التي تكتب على علبة السكائر، إلا أن الإقبال عليها في زيادة، لأن غالبية المدخنين لا يأبهون بهذه التحذيرات ويضربونها بعرض الحائط!.

وأضاف: اعتقد ان 1/ 3 حالات السرطان يمكن تجنبها بترك التدخين في عمر مبكر!، إذ أن مادة النيكوتين في السيكارة هي من المواد القوية المسببة للإدمان وشدتها تساوي شدة الهيرويين والكوكايين، ولذلك من الصعوبة البالغة تركها..

 

قاسم أضاف:

أما تأثيره على صحة المرأة الحامل فزيادة في نسبة مضاعفات الحمل بشكل عام. مثل الولادة المبكرة. النزف.. الخ، كما ان المرأة المدخنة تلد طفلاً يقل وزنه بمقدار “200” غرام، كما يسبب استنشاق الدخان التهابات في الجهاز التنفسي ونوبات الربو والتهابات الأذن الوسطى عند الأطفال. والطفل الذي يرى في أمه وأبيه القدوة والمثال سوف يتأثر سلباً بكونهم يدخنون لأن ذلك يشجعه على التدخين في المستقبل.

 

أعراض وأعراض!

 

يقول الدكتور “منار قاسم الربيعي”:

للتدخين أضرار عديدة على البيئة، إذ يعد من ملوثاتها من خلال الدخان وما يحمله من غازات مختلفة وهناك حكمة تقول:”لا تستطيع تفادي الخطر بتجاهله”، وهي تنطبق على واقع الناس مع التدخين، فهو يسبب لهم العديد من الأمراض والأضرار الاقتصادية والاجتماعية ولا نفعل تجاهه شيئاً.. ولا بد من القول ان الاهتمام بخطورة التدخين على الصحة قد بدأ منذ اكثر من نصف قرن.. وقد ازداد هذا الاهتمام مع مرور الزمن جراء معرفة العلاقة السببية بين التدخين والكثير من الأمراض الخطيرة كالسرطان والأمراض النفسية المزمنة وأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم والسكتة الدماغية، إضافة إلى قلة وزن الجنين في المرأة الحامل المدخنة. 

وأضاف: ان الإدمان على التدخين أصبح ظاهرة شائعة بين الأفراد في المجتمع العراقي، برغم ما يحمله من مخاطر صحية.. فله تأثيرات مشابهة الى حد كبير لتأثير الكوكائين والافيون، فهو يخلق حالة من الانشراح والارتياح والرضا تشجع المدخن على الاستمرار به.. ويؤدي الى حدوث التعود عليه وظهور الأعراض الانسحابية عند التوقف المفاجئ عن التدخين ومنها التشويق الشديد والتحسس والقلق وصعوبة التركيز وعدم الاستقرار وكذلك يحدث تباطؤ في ضربات القلب وزيادة في الشهية للأكل واضطراب في النوم.

 

أرقام مخيفة أخرى

يقول الدكتور “محمد جاسم الربيعي:”يبدأ التدخين عادة في عمر مبكر وربما في فترة المراهقة بتأثير “الشلة والأصحاب، وكذلك تدخين الأبوين، والضغوط النفسية وضعف الروابط الاجتماعية وسوء التكيف وعدم الثقة بالنفس والقلق، كل ذلك له دور في نشوء وانتشار هذه الظاهرة واستمرارها.

وفي العراق يمارس عادة التدخين أكثر من 45 بالمائة من الذكور البالغين، وأكثر من 12 بالمائة من الإناث البالغات، و 15 بالمائة، من الذكور والإناث تحت سن 16 سنة. وينتج عن ذلك مخلفات ونفايات تلوث البيئة العراقية بحدود “19,4” ألف طن سنوياً. في حين يؤدي هذا التدخين إلى حدوث الوفاة المبكرة لحوالي “25” ألف عراقي سنوياً.

 

أميركا موطن التبغ!

رغم أن أول استخدام للتدخين كان لأغراض صحية متعلقة بمعالجة الصداع والتوتر النفسي منذ وقت مبكر. فإن انتشاره في مختلف بلدان العالم لم يتسع إلا في أواخر القرن الخامس عشر ميلادي. ومنذ المراحل المبكرة لهذا الانتشار.. كان موضع خلاف في الآراء حول تعاطيه بين مؤيد ومعارض. 

وقد أصبح التدخين قضية أو مشكلة معقدة شغلت الناس في الماضي وتشغلهم في الحاضر وستبقى تشغلهم في المستقبل دون أن يتمكنوا من الاتفاق والاجتماع على موقف موحد واضح يلتزم به الجميع ،ونظراً لأهمية المشكلة نقدم هذا التحقيق لعرض بعض الإيضاحات والحقائق حول الدخان وأضراره.

يقول الدكتور “عمار محمد سليم”: 

موطن التبغ الأول هو القارة الأمريكية، فقد تم العثور على غليون من الفخار يعود إلى سنة 600 ق. م. وقام الرحالة اوفيدو بنقل أوراقه إلى أوربا سنة 1519م وكان العام 1881م بداية عهد تصنيع وإنتاج السكائر.

ويتكون التبغ مما يزيد على 300 مادة كيمياوية وأهمها: النيكوتين، فهو مادة سامة جداً، والجرعة القاتلة منه 50 ملغم إذا حقنت حقناً، القطران، وهو المادة المسرطنة وعند حرق كغم واحد تبغ ينتج 40 ملم قطران.

وأضاف: ثلث الذكور الذين تزيد أعمارهم عن 15 سنة يدخنون، بينما في الدول النامية نصف هؤلاء الذكور، ويتناقص عدد المدخنين في الدول الصناعية، بينما هو في الدول النامية في تزايد.

ويموت 2,5 مليون شخص في جميع دول العالم سنوياً بسبب أمراض التبغ “أي كل 13 ثانية يموت شخص ويتسبب التدخين بـ 85 بالمائة من الوفيات بسرطان الرئة. و25 بالمائة  من الوفيات الناجمة من أمراض القلب.

وارتفع عدد المدخنين من كلا الجنسين بسبب الدعاية والاعلانات وخاصة بين المراهقين وطلاب المدراس والمتسربين من المدارس.

وبالطبع لا يوجد الانسان مدخناً، فالتدخين عادة مكتسبة من البيئة ويبدأ الشخص بالتدخين بتأثير بعض العوامل المحيطة به منها:-

1 -عوامل عائلية، فالأب والأم أكبر مثال لأبنائهما، ويقوم الأبناء بتقليد الأب أو الأم في كل عمل او حركة- فالأب أو الأم- المدخن سيصبح ابناؤهما مدخنين وذلك عن طريق التأثر والتقليد ولتوفره تحت أيديهم!.

 

حلاة الشاب سيجارته!

يقول “حيدر محمد البياتي” معيد في جامعة بغداد: لاشك ان الإنسان ابن بيئته ويتأثر بما يحيط به من أشخاص، فإذا كان رفاق الشاب واقرانه مدخنين فإنه سيصبح مدخناً وذلك من باب محاكاتهم وتقليدهم ومجاملتهم، وكذلك بسبب الدعاية عن طريق التلفزيون والمجلات والتي تظهر الشخص المدخن وسط هالة كبيرة من النجاح المادي والفكري مما يغري المراهقين لتقليد هذه الشخصيات الوهمية. كما أن هناك عوامل نفسية، فالشاب يشعر بالرجولة إذا دخن والمثل الشعبي يقول:- “حلاة الشاب سيجارته”!.

 

عدو التدخين في العراق

سألنا الدكتور الرفيق مزاحم مبارك: لماذا يستمر المدخن بالتدخين؟، قال:

ان ذلك راجع الى سبب نفسي يتعلق بالعادة، والاهم من ذلك الادمان على النيكوتين حيث لا يحتمل الجسم نقصان النيكوتين في الدم والخلايا، فتتولد عند المدخن رغبة جامعة للحصول على النيكوتين لرفع معدل الدم والخلايا والتخلص من أعراض النقصان مثل خفقان القلب، رجفة اليدين، وعدم القدرة على التركيز الذهني والقلق وأحيانا السعال وغيرها من الأمراض السلبية.. وهذا ما يجعل الإقلاع عن التدخين أمرا صعباً، والإقلاع عن التدخين يحتاج الى شيء واحد وهو الإرادة والعزيمة والإصرار على مقاومة هذه الأعراض التي ستزول خلال فترة من الزمن، ومقاومة العادة التي اعتاد عليها المدخن.

 

و ما هي مضار التدخين؟

ان مضار التدخين حقيقة أثبتها العلماء والأطباء بالتجارب والمراقبة والإحصاءات. 

أولا المضار العائلة: ان عائلة المدخن معرضة للإصابة بأمراض الجهاز التنفسي لتعرضهم بشكل مستمر لاستنشاق الهواء الملوث بالدخان المنبعث من سجائر المدخن وهذا ما يسمى “التدخين القسري” وقد بينت الإحصاءات الطبية أن زوجات المدخنين معرضات لحدوث سرطان الرئة لديهن بنسبة 29,6 بالمائة. 

ثانيا المضار الاقتصادية: المدخن ينفق في المتوسط “25 الف دينار” شهرياً ويمكن ان يرتفع هذا المبلغ حسب عدد علب السكائر ونوعها وهو ملبغ غير قليل ويمكن ان يغطي حاجات هامة للعائلة.

ويضيف الدكتور مزاحم مبارك قائلاً:

إضافة إلى الحرائق المنزلية التي قد تحدث بسبب سيجارة لا يتم إطفاؤها تماماً.. وكذلك المضار الاقتصادية للمجتمع- حيث تتكلف الدولة ملايين الدنانير في معالجة ومكافحة الأمراض الناتجة عن التدخين، والتي يمكن صرفها في الوقاية والرعاية الصحية الأولية. 

وهناك المضار الصحية، حيث بينت الدراسات ان  المدخن يعيش عمرا أقل من غير المدخن بحوالي 10 سنوات، وان من كل ألف شخص يموت 250 شخصاً بسبب التدخين، هذا بالإضافة إلى أمراض التدخين الأخرى وهي: 

1 -التهاب القصبات المزمن والسعال والبصاق- وضعف المانعة للمدخن.

2 -انتفاخ الرئتين وعدم قدرتهما على تبادل الأوكسجين فيحدث الاختناق ثم الموت. 

3 -سرطان الرئة بسبب مادة القطران- فالمدخن معرض للإصابة بسرطان الرئة ستين مرة أكثر من غير المدخن.

4 -سرطان الفم والحنجرة. وكذلك تقرحات الفم واللسان والتهاب اللثة واصفرار الأسنان والتهاب الغدة اللعابية وتليفها. وقرحة المعدة وتصلب الشرايين وارتفاع ضغط الدم بسبب تصلب الشرايين. وسرطان المثانة- التهاب العصب البصري وبالنسبة للمرأة الحامل. فتكون ولادة الأطفال ناقصة “200 غم” وولادة أطفال خداج. وولادة طفل غير مكتمل النمو او ناقص الأعضاء. إضافة إلى موت الجنين داخل رحم الأم. والإجهاض المكرر- ونقصان المشيمة.

واليوم نحن امام قضية خطيرة ذات بعدين، علينا ان نتصدى لهما: 

البعد الأول: أن عدد المدخنين في دول العالم الثالث يزداد سنوياً بمعدل 2,1 بالمائة، بينما في الدول الصناعية يقل بنفس هذه النسبة. وذلك بفعل تأثير الإعلام والتثقيف الصحي.

البعد الثاني: استمرار المدخنين في التدخين وعدم قدرتهم عن الإقلاع عن التدخين، إذن فمن أجل التصدي لمشكلة التدخين علينا العمل على مستويين.

مستوى الشباب المراهقين غير المدخنين لوقايتهم من الوقوع فريسة للتدخين. وهذا يعتمد أساسا على “التوعية والتثقيف الصحي” وبيان مضار التدخين الكثيرة والخطيرة،  وهذا يقع على المؤسسات ذات العلاقة والاهتمام مثل وسائل الإعلام مثل التلفزيون والراديو والصحف والمجلات- وهي ذات تأثير شديد الفعالية على النفوس إذا أحسن استغلالها من خلال البرامج الموجهة ومن خلال المدرسة: وهي المؤسسة التي يقضي فيها الشاب معظم يومه مع زملائه ولها دور أساسي في صقل سلوكيات الطلاب وتغيير مفاهيمهم وعاداتهم.

 

هل يمكن ترك التدخين؟

ان الحملة الوطنية للإقلاع عن التدخين تكون في 28 تشرين الأول من كل عام.. وقد خصصت وزارة الصحة لهذا اليوم برنامجاً حافلاً للتوعية والإرشاد من أجل المحافظة على صحة وسلامة المواطن بالدرجة الأولى ثم الحد من آثاره الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي تتزايد كل عام بازدياد السكان وازدياد عدد المدخنين. فالمعروف أن مشكلة التدخين من المشاكل الكبيرة التي تواجه دول العالم قاطبة، إذ يتسبب في وفاة أكثر من سبعة ملايين مدخن. ويتوقع أن يصل هذا الرقم إلى “10” عشرة ملايين مدخن عام “2015”.

وللتدخين مضار أخرى على البيئة إذ يعد من ملوثاتها من خلال الدخان وما يحمله من غازات مختلفة تلوث البيئة، إضافة إلى مخلفات السكائر وأعواد الثقاب وعلب السجائر وكذلك من أضراره الاقتصادية الكبيرة على المجتمعات إذ يصرف المدخن مبالغ  كبيرة على التدخين وبحساب بسيط نجد ان صرفيات التدخين في العراق تصل إلى “ملياري دولار” سنوياً.. ويشمل هذا الرقم شراء السكائر ومستلزماتها.

 

ولكن هل يمكن ترك التدخين؟

– يجيبنا الدكتور مزاحم مبارك: على كل مدخن أن يتنبه للأضرار الكبيرة التي يسببها لنفسه ولعائلته وللمحيطين به ولبيئته- ويفكر جدياً بالإقلاع عن التدخين- والإقلاع عنه ممكن في حالة اقتناع المدخن واتخاذه القرار الحاسم- وإذا ما فشل في الحالة الأولى.. فليحاول ثانيةً وثالثة وعاشرة لان البحوث العلمية وجدت بأن معدل محاولات ترك التدخين بين من نجحوا في تركه تتراوح بين 3-4 مرات. وان من أهم الأسباب التي تجعل تارك التدخين يعود إليه هو استنشاقه لدخان غيره لذلك ننصح تارك التدخين حديثاً بأن لا يسمح لأحد أن يدخن بالقرب منه. 

وتعكف دائرة الوقاية الصحية بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية للحد من ظاهرة التدخين وكذلك تطبيق قانون عدم التدخين في الأماكن العامة والدوائر والمستشفيات وبرغم ذلك يعتمد التوقف عن التدخين على رغبة حقيقية لدى المدخن لذا يستوجب طرح برامج توعية موجهة من خلال وسائل الإعلام. ولا بد من الإشارة إلى أهمية الوقاية من التدخين “فالوقاية خير من العلاج” ويعتمد على التوعية  والتثقيف الذي يجب أن يصل إلى شرائح المجتمع كافة- إضافة إلى إجراءات الدولة في تطبيق قانون منع التدخين في قاعات الاجتماعات/ والمستشفيات/ والجامعات/ ووسائط النقل، ولنعش في عراق خالٍ من التدخين وبيئة نظيفة.

قد يهمك أيضاً