ذوالفقار يوسف
هي وردةٌ بيضاء ، لم تصادف جذورها الغضة في منبت البيت والاسرة الا الحصى والصخر ، يلتوي بها الدهر عن مساربها ويؤذيها أفدح الإيذاء … لم تلق أعوادها الطرية إلا العنت والعنف ، ولم تمس أزهارها الندية إلا ألأكف المتعسفة ، وماطلعت عليها عند أقبال الصبح أنوار الشمس ، بل طمرتها أكداس الجليد حين همت ان تتفتح للحياة .
إني خيرتك فاختاري
* سارة عبد الله / مدرسة في متوسطة للبنات ، تنقل لنا ما حدث لإحدى طالباتها وهي تقول” كانت لدي في الصف تلميذة لم تتجاوز من العمر (16) عاما ، شديدة الذكاء ، مجتهدة في الدراسة ، وكنت متوقعة لها مستقبلا كبيرا في المجتمع ، مما جعلني اهتم بها ، وفي احد الأيام تغيبت احلام عن المدرسة ، وتلتها سلسلة من الغيابات ، وما كان لي إلا أن اذهب الى منزلها ، والاستفسار عن سبب الغياب المستمر، ففاجأتني والدتها ، وسردت لي ما حصل لها ، وما كان سبب التغيب عن المدرسة ، تقول امها” في احد الأيام طل عليهم صديق والد الفتاة ،رجل كبير في السن ، أحواله المادية جيدة جدا ، وطلب أن يتزوج الفتاة ، تفاجأ الوالد في بادئ الأمر ، بسبب فارق العمر الكبير ، بين ابنتي والرجل ، لكن بعد ذلك حاول الرجل إقناعه ، بأنه سيوفر لها العيش الكريم ، وحياة تتمنى اي فتاة أن تعيشها ، وما كان للأب إلا أن يوافق ، وما أن فتح موضوع الزواج امام ابنته ، أجهشت الفتاة بالبكاء مرددة “لا أريد الزواج لا أريد الزواج” ، مما جعل الأب يصرخ بوجهها قائلا ” إما الزواج وإما ترك الدراسة ، فاختارت ترك الدراسة .
التقاليد
* تطل علينا من هذا الاطار الباحثة في علم النفس الاجتماعي الاستاذة (كوثر حسين) حيث تقول : بأن زواج القاصرات غالبا مايكون هشا ، وفي ابسط الامور يتم التنافر مؤدياُ الى الطلاق المبكر ، مؤكدة : اما اذا استمر الزواج ، مؤدياً ذلك الى انجاب الاطفال ،فهنا الطامة الكبرى ، لأن الفتاة في عمر صغير جداً ، وخبرتها في الحياة تكون بسيطة ، ونحن نعرف ان تربية الاطفال في مجتمعنا من مهام الام ، فكيف تكون تربية الطفل للطفل ، وتعليمه ضروريات الحياة ولازالت الام لم تتعلمها بعد، ومن الآثار الاجتماعية ،انخفاض مستوى التعليم في المجتمع، وعدم قدرة الوالدين على التربية السليمة لأبنائهم ، موضحة بقولها : الكثير من الناس التجؤوا إلى تزويج بناتهم بأعمار صغيرة جدا ، بسبب التقاليد ، والزج بهن في أتون الحياة الزوجية ،فالفتاة في مرحلة المراهقة لا تستطيع أن تبدي رأيها في أمور حياتها الزوجية بثقة وارتياح خاصة بعد حرمانها من التعليم ومن تعلم مهارات الحياة بشكل عام، سواء في مجال العناية بالأسرة، والزوج والأطفال أو بالتعامل مع محيطها الاجتماعي.
طفلة في جسد امرأة
*نحن نعلم بأن البنية الجسمانية والتكوين الفسيولوجي يختلف من فتاة إلى أخرى ، وهذا العامل المهم يولد أخطاء جسيمة ، تؤدي إلى الزواج المبكر . الدكتورة (سناء مجيد ) توضح لنا ذلك ” لقد رافقتني في مجال عملي كطبيبة نسائية ، الكثير من الحالات ، منها الفتيات المتزوجات ،اللواتي تتراوح أعمارهن بين (9) سنوات الى (15) سنة ، مضيفة ” إن البنية الجسمانية تختلف من فتاة إلى أخرى ، وهذا العامل يتيح للأهل بتزويج بناتهم لأسباب اجتماعية ، حيث تكون النتيجة عدم القدرة على الإنجاب أو إنجاب أطفال مشوهين، وكثرة الإنجاب ترهق المرأة وتسبب لها العديد من الأمراض, مثل سرطان الثدي وسرطان الرحم، والزواج في سن مبكرة يكون مبنيًا على جهل الشاب أو الفتاة بالأمور الزوجية مما يضعف الرغبة الجنسية أو ممارسة الجنس بطريقة خاطئة، وأغلب حالات الطلاق بين المتزوجين في سن مبكر ، موضحة لنا :بأن هنالك الكثير من الحالات الغريبة ، التي الاحظها في بعض المتزوجات، ومثال على ذلك ،القسوة في ممارسة الجنس من قبل الزوج ،يسبب للفتاة صغيرة السن مشاكل صحية كثيرة ،مع مراعاة المشاكل النفسية المصاحبة لها التي لاتعد ولا تحصى .
مراهقة
الحاجة (أم أمير) وهي أم لولد، وثلاث بنات، تروي لنا حكايتها ، مع ابنها البكر أمير وتقول ” لقد تزوج ابني من فتاة صغيرة في السن ولا يتجاوز عمرها الستة عشر عاما ، وهنا بدأت مأساتنا ، وانقلبت أحوالنا من الفرح بزواج ابننا الوحيد ، إلى سلسلة من المشاكل المستمرة ، مضيفة ” ان زوجة ابنها سيطرت بالكامل على ولدها بوجهها الحسن ، وصغر سنها، فدائما تفتعل المشاكل ، وتحرض الأخ على أخواته ، فلا احد يستطيع ردعها عن أي شيء تريده ، وان حاولت الكلام وتعقيلها ترد لي بوقاحة ، غير مبالية بمكانتي في العائلة ، مما جعلني أن أوضح وابرر لولدي أي مشكلة تحصل في البيت بسببها ، موضحة لنا ” بان الفتاة لازالت في دور المراهقة ، ويجب التمهل معها ، ولا تزال تمثل دور الطفلة المدللة ، التي لا يرفض لها شيء ، ولا يعاندها احد كائنا من يكون ” . متسائلة ” ان مثل تلك الفتاة الصغيرة كيف تستطيع التعامل مع الأطفال، وهل هي مؤهلة لتبعات الحمل إن أتاها مبكرا ” ؟ مضيفة ” يجب توفر عاملين مهمين في حالة الزواج من فتاة صغيرة في السن ، هما البلوغ الكامل في العقل والبنية الجسدية الكاملة للفتاة” .
الحمل المبكر
ويرى أطباء وباحثون أن جسد المرأة لا يتقبل الزواج قبل عمر 17 سنة، لأن هناك مردودات سلبية في حالة الحمل تؤثر على الوضع الصحي بالنسبة لها ولجنينها، وقد يتسبب ذلك في موتها او موت الطفل، هذا الزواج المبكر يمثل انتهاكاً لحقوق الإنسان الأساسية، وخرقاً للمعاهدات والمواثيق الدولية التي وقع عليها العراق، فتزويج الصغيرات يعمل على انهاء فرص التعليم بالنسبة للفتاة تقريباً، فلا تستطيع تهيئة نفسها كأم ومربية ناجحة لاطفالها، ثم انها ستكون جاهلة لحقوق اطفالها وحقوقها كأم، وهذا الأمر يرفع نسبة تعرضها للعنف».
ولهذه الاسباب من الضروري منع تزويج القاصرات حماية لهن ولحقوقهن، وللحد من مخاطر العنف والحمل المبكر، والوفيات اثناء الولادة، وعندما تتمكن الفتيات من البقاء في المدرسة ويتجنبن الزواج المبكر، فإنهن يتمكن من وضع الأساس لبناء حياة أفضل لأنفسهن وأسرهن ويشاركن في تقدم بلدانهن . لذلك الحكومة مدعوة مع الجهات المعنية في المجتمع المدني والمنظمات النسوية والمجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات مهمة من أجل وضع حد لزواج القاصرات ويجب سن التشريعات المناسبة لرفع الحد الأدنى لسن زواج الفتيات إلى 18 عاماً وتطبيقها وزيادة الوعي بأن تزويج الأطفال يُعد انتهاكاً لحقوق الإنسان المكفولة للفتيات دولياً.
نسب مئوية
* ويؤكد مسح أجراه الجهاز المركزي للإحصاء، التابع لوزارة التخطيط بشأن «معارف وسلوكيات وطموحات الفتاة المراهقة»، بالتعاون مع هيئة إحصاء إقليم كردستان، ووزارتي الصّحة والمرأة، أن التقديرات السكانيَّة تشير إلى أن عدد الفتيات في العراق ضمن الفئات العمريَّة (10 – 14) سنة بلغ 1,9مليون فتاة. ووفقاً لهذه التقديرات، فإنِّهن يمثِّلن تقريباً 6 في المائة من إجمالي السكان. وبحسب نتائج المسح فان الفتيات من هذه الفئة العمريَّة يتوزَّعن بواقع 65.4 في المائة في المناطق الحضرية و34.6 في المائة في الأرياف.وتلفت نتائج المسح إلى أن أغلب الفتيات في هذه المرحلة العمرية على مقاعد الدراسة، إذ بلغت نسبة الملتحقات بالتعليم 82.4 في المائة، وترتفع هذه النسبة في إقليم كردستان لتصل الى 92.9 في المائة.وقد أظهر المسح الاجتماعي والاقتصادي للأسرة في العراق الصادر عام 2007 أن 21 في المائة من الفتيات تزوجّن قبل بلوغهن سن الـ19سنة، مقارنة بـ15 في المائة في أعوام 1997 و2004، فيما يظهر الجهاز المركزي للإحصاء عام 2011 أن 5 في المائة من الفتيات العراقيات تزوَّجن بعمر دون 15 سنة، ونحو 22 في المائة دون 18 سنة. ويأتي تصاعد الخطوط البيانيَّة في نسب الزواج المبكِّر، على الرغم من تحذير وزارة المرأة في عام 2010 من أن (النساء بين أعمار 15 إلى 18 سنة هنّ أكثر عرضة للوفاة أثناء الحمل أو الولادة بمرتين بالقياس إلى النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 20 و24 سنة). وهذه الإحصائيات تفتح الأبواب مشرَّعة أمام حقوق القاصرات، اللواتي يتعرَّضن أكثر للوفاة أثناء الحمل أو اثناء الولادة . ومع أن قانون الأحوال الشخصيَّة في العراق رقم 188 لسنة 1959 يُعدُّ متوافقاً إلى حد ما مع القوانين الدولية التي تدعو إلى أن يكون الحدّ الأدنى للزواج عند اكمال الـ18 عاماً، (إذ يمنع القانون زواج الفتاة دون الـ15 عاماً، ويعطي التقدير للقاضي وبرضا الوالدين في تزويج الفتاة بين الـ15 والـ18 عاماً)، إلا أن الشرعيَّة التي تسبغ على العقود المكتوبة خارج إطار المحاكم ولاسيما تلك التي تعقدها مكاتب رجال الدين من سادة ومشايخ، تعتبر ملاذاً لمن يريد تزويج ابنته دون السن القانوني، ولمن يريد أن يتزوج فتاة دون هذا السن.
خطورة الظاهرة
* وقد اكدت وزارة التخطيط والتعاون الانمائي”ان العراق هو البلد صاحب النسبة الاعلى بين دول العالم بزواج القاصرات، مشيرة الى حاجتها الى قرارات أممية للحد من مشكلة زواج القاصرات، وان مشكلة الزيادة المضطردة للسكان هي مشكلة عالمية الا ان حمل القاصرات تعتبر احد المشاكل الخطيرة التي تعاني منها دول العالم وخاصة في العراق الذي يمثل الزواج المبكر اهم الاسباب الرئيسية لزيادة السكان في العراق” . وان “الحد من هذه المشكلة التي يعاني منها العالم تحتاج الى قرارات اممية لتحديد النسل ورفع سن الزواج”، مؤكدة ان” قلة التعليم وعدم تفعيله بين الشابات من اهم الاسباب التي تؤدي الى زواج القاصرات”.