حوارات وتحقيقات

النوادي الليلية.. نهايات غير سعيدة ومبيت في المستشفيات او أقسام الشرطة

تحقيق- فهد شاكر المياح

 

 (في الساعة الخامسة فجرا من تلك الليلة، اتصل بي “مصطفى” أكبر أبناء اخي “جواد” وطلب مني الحضور فورا الى مستشفى الكندي التعليمي، ونظرا للأجواء الضبابية التي خيمت على بغداد في تلك الليلة، تعذر عليّ الخروج من المنزل حتى بزوغ الشمس، حينذاك استقليت سيارة اجرة وتوجهت اليهم، وعند بوابة المستشفى، الفيت أخي وابنه “مصطفى” مضمخين بالدم، لاطمين وجوههم بكلتا أيديهم، الامر الذي دفعني للهرولة وسؤالهم بكل ما أوتيت من قوة  في الصوت، عن سبب حالتهم هذه، فأجابني اخي قائلا : “ابني راح مني…تعوق” فلم يكن مني الا ان أحذو حذوهم والطم وجهي براحتي يميني وشمالي). ويكمل : (بعد نوبة البكاء والذعر التي سرقتنا من صحونا، طلبت من ابن اخي ان يقل والده الى بيتهم بينما اتكفل انا ببقية الاجراءات، فرفض شقيقي الاذعان لطلبي واصر على البقاء، بعد ذلك ولجت الى رواق الردهات في  المستشفى لأستعلم من الطبيب عن سبب حالته، هناك الفيت عدد من رجال الشرطة يخفرون بوابة الردهة، فسألتهم عن سبب وقوفهم هناك، وان كان له علاقة بحادثة ابن اخي، فتبين في آخر المطاف، ان رجال الشرطة جاءوا لأستكمال الاجراءات المتبعة في هكذا حالات، اي حالات العراك بين السكارى) ويسترسل: (عقب الاجابة التي حصلت عليها من رجل الشرطة، رجوته ان يطلعني وبشكل مفصل عن الحادثة، فأوضح ان ابن اخي تعرض لطعنة بواسطة زجاجة “ويسكي” ، بعد ان حطمها الجاني برأس ابن اخي واولج نصفها بعموده الفقري، عقب إحتدام الصراع بينهما، اذ كانا يعاقران الخمرة ويقامرون “لعبة الدنبلة”  في أحد النوادي الليلية الغير مجازة، اما السبب الرئيس لنشوب ذلك الحراب، كان نتيجة “سحبة” للعبة القمار، إذ أراد الجاني شراء واحدة اخرى، وكانت تلك “السحبة” وهي “عبارة عن مجموعة من الارقام المطبوعة على ورقة صغيرة”، الأخيرة في تلك الليلة، وهنا اختلف الاثنان فيما بينهما بشأن من سيبتاعها، فأرتفع أوار العراك ووجه كل منهما الى الاخر حفنة من اللكمات والصفعات، ليفض النزاع بعد تدخل الحراس “البودي غاردية” وقبل انتهاء سهرتهم ببرهة زمن، أخذت الخمرة تسح في تلافيفهم، ليعودوا مرة أخرى و يبدأوا ما أنهوه في بداية السهرة، ولكن من دون تدخل أحد من الحراس والحاضرين، لان العراك جرى خارج أسوار ذلك النادي الليلي، وكانت النتيجة، شلل رباعي لابن أخي، والسجن لذلك الشخص الجاني.

 

مشهد من افلام الاكشن

خرجنا من منزل شقيق “ابو مصطفى” وتركنا لأقدامنا حق اختيار وجهتنا القادمة، ومضينا على ذلك حتى توقفنا في تقاطع مديرية “الامن العامة” السابقة. وتحديدا في سيطرة قوات الشرطة الاتحادية بذلك المكان، الموسومة بأسم “سيطرة الامن” هناك وبعد ان اطلعناهم على هويتنا، سألنا القائمين على تلك السيطرة الامنية، عما اذا كانت هناك حوادث مشابهة لحادثة ابن “ابو مصطفى” جرت امام انظارهم، فكانت الاجابة، بنعم. حينذاك طلبنا منهم  ان يطلعونا على تفاصيل تلك الحوادث، فقال احد المنتسبين : (قبل ايام وبعد انتهاء مراسيم زيارة الاربعين، اخذت النوادي الليلية تشرع أبوابها، وذات ليلة وحوالي الساعة الواحدة صباحا، هبطت سياراتان مسرعتان احداهما من نوع “جكسارة” والاخرى “كيا فورتي” هبطتا من جسر “زيونة_بلديات” متجهتان نحو منطقة البلديات، ونظرا لسرعتهما الفائقة، عمدنا الى تلقيم اسلحتنا والوقوف على اهبة الاستعداد، وقبل ان يصلا الى سيطرتنا هذه، اصطدمت السيارة الصالون “كيا فورتي” بالحاجز الكونكريتي المرصوف حول سياج مديرية الامن السابقة، بعد ان ضغط السائق على الفرامل بشكل دفع السيارة الى الانحراف والاصطدام، وبعد انتشالنا للسائق، وايقافنا للسيارة الاخرى، اتضح ان الطرفين، كانا في حالة ثمالة، وهم على هذا الشاكلة، اي المطاردة، مذ خرجوا من ملهى “جنة بغداد” في الكرادة، بسبب الخلاف الذي نشب بينهما حول احدى فتيات الليل، وكان احد المتخاصمين، ضابطا في سلك الجيش، عقب ذلك سارعنا بتسليمهم الى قاطع شرطة الرشاد، ليتولوا بدورهم عملية تسليمهم الى القضاء ونقل السائق المصاب الى المستشفى).

الضحك على الذقون

بعد جولتنا الصباحية في منطقة البلديات، توجهنا الى منطقة بغداد الجديدة، وتحديدا في سوقها التجاري الكبير، هناك التقينا عدد من الاصدقاء ممن يتاجرون بالالبسة الجاهزة، وبعد ان عرفوا ماهية تحقيقنا، سرد علينا احدهم حكاية “منير” الذي خسر تجارته ومحاله، بسبب تدلهه بفتاة ليل !! وقبل ان يبدأ صديقنا حديثه، التمسنا الخروج من محاله والجلوس في احد المقاهي، لان، والحديث لصديقنا “السالفة طويلة”. وما قاله لنا كان : (قبل 3سنوات، ابتعت محال في سوق بغداد الجديدة، وشيئا فشيئا تعرفت على عدد من مستوردي وبائعي الالبسة الجاهزة، وكان من ضمنهم “محمد صفر” وهو مستورد وبائع للحقائب والاحذية النسائية، وبعد مدة وجيزة من تعارفنا، دعاني لحضور حفل زفافه، ولم تمضي فترة طويلة، حتى علمت ان “محمد” قد باع محاله، ولم يخطر ببالي ان صديقي سيكون لقمة سائغة في عيون المومسات، نظرا لما كان يتمتع به من حذلقة، عقب ذلك توارى عن الانظار، ولم اره حتى مضي عام تقريبا، بهيئة لم اشهدها عليه من  قبل، اذ كان مدبوغ الوجه، ذو شعرا اشعث وبأسمال شبيهة بأسمال المتسولين، وحين سألته عن حالته هذه، لم ينبس ببنت شفة، وعمد الى الانصراف عني بأسرع مايمكن، وبعد ذلك اللقاء المفاجئ، التقيت بشقيقه “صفاء” وسألته عن حالة اخيه، فبين ان اخوه احب فتاة تعمل نادلة في احد الملاهي الليلية، وتزوجها سرا، وبعد مدة من زمن، عمد الى نقل ملكية محاله الى زوجته، بالاضافة الى المخازن خاصته في سوق الشورجة، وما ان اطمأنت الزوجة الى صنيع زوجها، ارسلت عددا من القوادين وانهالوا عليه بالضرب المبرح، وحذروه من معاودة السؤال عن زوجته او محاولة البحث عنها، ومنذ تلك اللحظة، وهو على حالته هذه، بعد ان طلبت زوجته الاولى الطلاق، وقرار “العشيرة” بطرده منها).

 

الممارسات الشاذة

اثناء تجوالنا في سوق بغداد الجديدة، دلنا احد الاصدقاء على شخص يدعى “محمد الكهربائي” يعمل نادلا في احد النوادي الليلية، واوضح الصديق ان هذه الشخصية، على دراية تامة بكل مايجري داخل اسوار النوادي الليلية، وبأمكانه تزويدنا بكل المعلومات التي نبتغي الحصول عليها، شريطة ان ننقده حفنة من المال، وافقنا على مقترح الصديق، لنجد انفسنا بعد برهة زمن، قبالة “محمد الكهربائي” ذو الجسد الضئيل الايل للانقسام الى نصفين، وقبل ان يجيبنا عن اي سؤالٍ، طلب منا ان نسلمه المال المتفق عليه من اجل استخلاص المعلومات منه، فكان له مااراد، عقب ذلك سألناه عن حقيقة الممارسات الجنسية داخل النوادي الليلية، فقال: كل طاولة من طاولات النادي الليلي، موسومة بأسم معين، منها “الطاولة الملكية، والطاولة الذهبية” وهذه الطاولات تخصص لأشخاص محدودين ومعروفين، واغلب الاحيان تخصص لمن يسهب في تبذير امواله، اولئك الذين ننعتهم نحن الندل بـ “الثكال” اذ يعمدون بين ليلة واخرى، الى استقطاب وجوه جديدة، مع تحمل تكاليف سهرتهم، وبالنسبة لنا نحن الندلاء، فأن هذه الحالة تعد مفتاحا من مفاتيح رزقنا، كوننا نستحصل منهم المبالغ لقاء فسح المجال لهم لعمل ماجاءوا من أجله من موبقات وممارسات شاذة. سألناه: حسنا.. واين شرطة السياحة من هذا ؟

لا اعلم عمن تتحدثون، وحقيقة اقولها انني الان علمت ان للسياحة، شرطة. ففي اغلب الاوقات نحن من  نستدعي رجال الشرطة لفض الخلافات بين الزبائن.

 

المراهقون… وتجارة “الشيخات” 

بعد ان حدثنا “محمد الكهربائي” عن الافعال المشينة، سألناه عن الاعمار التي لايسمح لها بولوج هذه النوادي، فبين ان هذه النوادي بمنأى تام، عن العمل وفق المرحلة العمرية، اي انها تشرع ابوابها امام الصغار والكبار، واضاف ايضا : (زبائن النادي وبنسبة 60% هم من المراهقين، وفي احدى السهرات، تخاصم اثنان من الزبائن، وبعد استدعائنا لرجال الشرطة، تبين ان حدهم من مواليد العام 2001، الامر الذي دفع رجال الشرطة الى اطلاق سراحه، حين اطلق نشيجه للعنان).

وماذا عن الراقصات والنادلات ؟

في السابق، كان امر تزويد النوادي بالراقصات والنادلات، منوط بالقوادين، اما الان بات حصرا بيد “الشيخة” .

ما تقصد بـ “الشيخة” اهو لقب تطلقونه على القوادين؟

كلا..لم يكن لنا دخل بشأن استحداث هذا اللقب، والامر برمته يعود الى الزبائن، فهم من اوجد هذه التسميات، اضافة الى صفات والقاب اخرى، اما حقيقة “الشيخة” فهي تلك المرأة المسؤولة عن تزويد “الملاهي” بالراقصات والنادلات، من خلال شراءهن من سماسرة متخصصين ، منتشرين في كافة المحافظات، وبالاضافة الى تزويدها للنوادي، فأنها تعمل “قوادة” ايضا، اي انها تتواجد وبشكل مستمر في النوادي، لعرض بضاعتها على الزبائن.

 

اغلاقها حتى حين…افضل الحلول

قبل ان نختتم جولتنا، استطلعنا اراء بعض المواطنين، بشأن النوادي الليلية، لتنقسم تلك الاراء الى مؤيدة ورافضة، فبعض المواطنين اشاروا الى ضرورة المحافظة على الحريات الشخصية، والبعض الاخر طالب بأغلاقها نتيجة استشراء الفساد فيها بشكل لامتناه. اذ يقول “ابو مريم الكناني” ويملك محال لبيع العطور : (شخصيا انا افضل الابقاء على هذه النوادي، شريطة ان تعمل وفق الضوابط والقوانين، اما اذا استمر الحال كما هو عليه، فأني اضم صوتي، لصوت من يرغب بأغلاقها) . اما “ابو رانيا” الموظف في وزارة الكهرباء، اوضح ان اكثر البلدان العربية، والاسلامية، لاتخلو من هذه النوادي، وهذه الدول سمحت لهذه النوادي، ان تشرع ابوابها وفق شروط معينة، منها الفئة العمرية، والديانة، عدم المساس بكرامة وامن المواطن، وكذلك الابتعاد عن المحرمات مثل الزنا والشذوذ الجنسي. 

بعد تجوالنا في سوق بغداد الجديدة، ارتأينا المغادرة لاجل تدوين هذه الحقائق، وما ان استقلينا الباص الذي اوصلنا الى تقاطع جسر المشتل، حتى تناهى الى مسمعنا حديث السائق مع صديق له، ومؤداه انهم سيقضون ليلتهم هذه، في احد النوادي الليلية، فسارعنا بسؤالهم ان كانوا دؤوبين على هذا الصنيع، فأجابنا السائق (اي والله ياخوية جا وين نروح؟) فلم يكن منا الا نرسم على شفاهنا ابتسامة، ونتمنى لهم ليلة ملؤها الحبور، وان يكون ختامها في المنزل، لا اقسام الشرطة او المستشفيات.!!

 

قد يهمك أيضاً