حوارات وتحقيقات

سميت باسم الوالي العثماني .. وثاني أكبر مركز اقتصادي في بابل المدحتية تعاني الإهمال وسوء التخطيط وتردي الخدمات وتراجع في الصناعات الشعبية

فرات حسين حسن/ سلوان ظافر عبد الله

 

 تحيط بالمدينة البساتين من جميع جهاتها وكان سكانها في السابق من جميع الطوائف الدينية.وغالبا ما يسمى مركز المدينة بـ (الحمزة الغربي) تيمنا بوجود قبر حفيد العباس بن علي بن أبي طالب وهو الإمام الحمزة بن القاسم والذي يلقب أيضا بـ(الحمزة الغربي) . وتعد المدحتية ثاني أكبر مركز اقتصادي في محافظة بابل بعد مدينة الحلة بسبب موقعها الديني المتميز من جانب اخر تشتهر المدينة بصناعة السجاد والذي يحمل مميزات فنية تطبع إنتاج هذه المدينة بطابعها الخاص. وتمتاز أيضاً بصناعة الدبس والمشروبات الغازية والصناعات التراثية والصناعات النفطية، أما عن الزراعة فتشتهر المدينة بإنتاج القمح والشعير والرز والذرة والتمر إضافة إلى محاصيل زراعية أخرى. وتنقسم المدحتية إداريا إلى مركز المدينة الذي يضم عددا كبيرا من الأحياء السكنية والتجارية ، إضافة إلى عشرات القرى والقصبات التي تتبع لها إدارياً اكبرها الحصين و بيرمانه . وتبلغ نسبة الامية فيها حوالي 3.5% من مجموع السكان وتعد هذه النسبة جيدة نسبيا إذا قارناها مع مثيلاتها من المدن العراقية ،من جانب اخر تحتوي المدينة على عدد لا بأس به من المدارس الإبتدائية و المتوسطة و الإعدادية و المهنية تأسست أولها في بداية القرن العشرين وهي مدرسة المدحتية الإبتدائية للبنين ولا زالت هناك مدارس قيد التأسيس.في الطريق الى ناحية المدحتية لا تحتاج الى فطنة أو فراسة لكي تعرف واقع المدينة الخدمي السيء، ويبدو ذلك جلياً عند مرورك بالطريق الرئيسي المؤدي الى المدينة والذي يجري العمل به لأكثر من سنة ولا تزال ملامحه النهائية غير معلومة وهو يلفظ الأتربة من ثنايا حفرهِ، مرورا بالحي الصناعي الذي لا يبدو أنه نال شرف الخدمات والاهتمام.

تراث مهدد بالزوال

صناعة السجاد اليدوي “الحمزاوي” بأشكاله وألوانه الزاهية والأشكال الهندسية والتراثية الذي اشتهرت به المدينة، من سجاد الأرضيات والجدران والوسائد وحتى الحقائب وهو مصنوع بإتقان وإجادة، وهذا طبعا له ارتباط وثيق بالسواح المتوافدين لمرقد الامام ويعزز من أهمية السياحة الدينية وانتعاشها، حدثنا الشاب علي عبد الله جاسم، صاحب محل لبيع السجاد قائلاً: للسجاد اليدوي في مدينتنا جمالية وحرفة عالية، وكان مصدر جذب للكثيرين من أجل اقتنائه للاستخدام أو العرض أو للهدايا من قبل الأشخاص والمؤسسات الرسمية، وكثيرا ما أرسل منه إلى وفود وأشخاص أجانب كهدية وتذكار من العراق، لكن في الوقت الحاضر، وبسبب ما يدخل للبلد من بضائع ومنتجات من الدول المجاورة فإن ذلك أثر سلباً على مبيعات واقتناء السجاد اليدوي بتراجع واضح وكبير.

لاتغيير يذكر

من ناحية أخرى، ما يؤشر عند دخول أحد الأسواق في المدينة وهو سوق القصابة “سوق القصابين” أصبح تجمعاً للنفايات ومخلفات بناء المحال فيه، في الوقت نفسه أخذ أصحاب المحال فيه على عاتقهم بعض مهام التنظيف واستئجار حوضيات سحب المياه للتخلص من فائض المياه المستخدمة في التنظيف والاستعمال اليومي وهذا ما أكده  صادق جبار ابو زينة الذي اضاف انه برغم كل هذا الاهمال من قبل الجهات المعنية لكنهم لم يسلموا من محاسبة ومراقبة الجهات الصحية التي لا تراعي ضعف الخدمات اتجاه السوق، كما اكد الشاب احمد  عدم زيارة اي مسؤول لهم لغرض عرض همومهم واحتياجاتهم ومشاكلهم إلا في مواسم الانتخابات، ولم يحصل أي تغيير منذ أكثر من عشرة اعوام.

 

أسواق وخرائب

سوق الخضر هو الآخر لم يكن ذا حظ عظيم حيث طاله الاهمال والتردي وسوء الخدمات. الشاب علي مهدي صاحب “بسطية” لبيع الخضر قال: بسبب تجمع مياه الأمطار وصعوبة حركة الناس من الزبائن اضطررنا الى جلب الطابوق ورصف الممرات والمماشي، وأخذنا ذلك على عاتقنا لتسهيل حركة المواطنين حفاظاً على مصدر رزقنا. علي اشار باتجاه خربة مجاورة للسوق يتم جمع النفايات فيها وبقايا الفواكه والخضر التالفة كمكب نفايات مؤقت على امل رفعها من قبل البلدية، ومن بعد هذه الخربة المدخل الى سوق بيع الدجاج ذي المنظر المقرف والمزري حيث المياه الاسنة ممزوجة بالدم والمخلفات في سواق مكشوفة. مواطنون ابدوا امتعاضهم وسخطهم من الروائح والمخلفات التي تملأ المكان والذي يفترض أن يكون أنظف مكان لارتباط ذلك بمزاجية الزبائن واقبالهم للتبضع والتسوق، الحاج تركي صاحب أحد المحال لبيع الدجاج الحي شكا من سوء حال السوق والبيئة المتردية التي يرتادونها هم وزبائنهم مبينا ان الاهمال لم يترك جزءا الا وطاله ومن كل النواحي.

 

أحياء سكنية مهملة

في المدينة عدة أحياء مثل” حي بيوض، دولار،عدنان، محيريجة، السواجي”، وهي اشبه ما تكون بتجمعات سكانية تفتقد الكثير من مقومات السكن وقد لا ترتقي لمستوى حي سكني بالمعنى العام والمفهوم من بيئة تتوفر فيها المقومات الخدمية والصحية والاجتماعية. وأحد هذه الاحياء هو حي السواجي في القصبة القديمة الذي جاء اسمه من وجود سواقي مياه “سواجي” تمتد كشرايين في فروع وأزقة الحي تحمل مياه صرف قذرة خارجة من البيوت، وهي مصدر روائح وتلوث وترى الناس قد تعودوا على هذه المناظر “السلابة” لكل ما هو حضري وصحي كحدائق أو طرقات نظيفة بخدمات جيدة. رياض تايه كاظم، أحد المواطنين ومن سكنة الحي أوجز المعاناة والمشاكل، والتي لا تحتاج الى شرح فهي ماثلة للعيان وامام الانظار، وطالب الجهات والدوائر ذات العلاقة بذل جهود حقيقية وايجاد حلول جذرية لهذه المشاكل.

اهمال السياحة الدينية

في ظل الواقع الخدمي السيء يتضح أن لا أفق للسياحة الدينية في المدينة بالمستوى الحقيقي والفعلي بوجود مرقد أحد الرموز الدينية والأسباب كثيرة، حدثنا عنها المواطن اسماعيل الصافي وهو صاحب محل بيع ملابس في محيط المرقد قائلا: ان مدينته ذات ميزة سياحية لوجود المرقد؛ لكن الزائر ماذا يجد؟، لا فنادق جيدة ولا أسواق “مولات حديثة”، وأكثر الطرق مغلقة بسبب الوضع الامني مع انعدام طرق ومسارات وعلامات ارشادية للسواح بما يسهل حركتهم، كما اكد ان مدينته تشتهر بصناعة السجاد اليدوي، فهنالك اهمية لأن يكون فيها متحف متخصص بعرض أنواع من منتجات هذه الحرفة وروادها وتفاصيلها والتي نلاحظ انحسارها تدريجبا بسبب تدهور المنظومة الاقتصادية. واضاف المواطن ياسين الجزائري صاحب محل ايضا: انهم عرضوا هذه الافكار على بعض المسؤولين والقائمين على السياحة والاثار، لكن دون جدوى فعلية للاستجابة لهم.

 

سوء تخطيط

بعد إنشاء مرآب مركبات نقل المسافرين من والى المدينة نرى انه يستغل لخطوط النقل بين المدينة وبغداد وناحية الشوملي في حين ان خطوط النقل مع مركز مدينة الحلة تم تحويلها إلى إحدى بنايات “حزب البعث المنحل” المهجورة في مقدمة المدينة وهي مكان غير مهيأ أمنيا أو فنيا أو إداريا باسيجته المهدمة ومساحات تجمع المياه والاطيان فيه.ان هذا النموذج هو ما نلاحظه في اغلب المدن من بلدنا التي نزورها او نمر بها فملامح انعدام التخطيط الذي يلقي بظلاله على الخدمات والاعمار، ولا سيما المدن التي لها ميزة وخصيصة مهمة، كأن تكون سياحية او دينية او اقتصادية او مركزا لحركة تجارية والتي لو استثمرت بالشكل الصحيح لنالت مكانتها، ولأصبحت نماذج متقدمة في المجتمع الذي عانى ويعاني جراء سوء التخطيط والادارة على مر السنوات.

قد يهمك أيضاً