مشتاق الجاسم
تعد منطقة “الكريعات التي تقع في شمال العاصمة العراقية بغداد من المناطق الجميلة جدا، لكونها تمتاز بكثرة المشاتل الزراعية التي يقصدها البغداديون بشكل خاص والعراقيون بشكل عام لكي يجلبوا منها شتلات الورود والنخيل والحمضيات التي تعطر الحدائق المنزلية بالعطر الجميل. اضافة الى ذلك اجواؤها الجميلة التي تكتسبها من نهر دجلة حيث تزدهر المطاعم التي تشتهر بسكف السمك العراقي الذي يعد اشهر اكلة في الوطن العربي. وهذه المنطقة استعادت عافيتها كباقي مناطق العاصمة بغداد بعد مراحل من البناء والاعمار فأصبحت اليوم ملتقى العوائل البغدادية. ولمعرفة المزيد عن هذه المنطقة زرنا هذه المنطقة وأعددنا التحقيق التالي:
ملتقى عشاق الورد
يقول عامر راشد من سكنة منطقة الكريعات: تعد منطقة “الكريعات” من المناطق ذات الكثافة السكانية العالية التي تمتاز بالطابع الشعبي والتي يصفها البعض بأنها امتداد لمنطقة الأعظمية، إلا أن كثرة الأحياء السكنية فيها جعلتها منطقة مستقلة إداريا وكلما ذكر البغداديون كلمة “الكريعات” يتذكرون البساتين والمشاتل الزراعية التي تنتشر بشكل كبير بسبب خصوبة أراضيها. وقد ذكر المؤرخون أن هذه المنطقة كانت في بداية العشرينات من القرن الماضي عبارة عن بساتين زراعية تزود أسواق مدينة بغداد بأنواع الفواكه والخضر. لكن التطور العمراني والسكاني في العاصمة بغداد أدى إلى بروز تجمعات سكنية جديدة في الأربعينات والخمسينات من القرن العشرين والميزة الزراعية لأراضيها ساعدت على عمل عدد كبير من سكانها في مجال إنشاء المشاتل الزراعية ذات المساحات الشاسعة ولهذا فإن الذين يمرون من جوار هذه المنطقة يعرفونها من رائحة الزهور بأنواعها المعروفة والمهجنة فيقولون نحن الآن نقترب من “الكريعات”، أما أسواق هذه المنطقة فهي عديدة منها ما هو كبير ومنها ما هو صغير وهي عامرة بأنواع السلع والبضائع وكذلك شوارعها الرئيسية تنتشر فيها أنواع المحال التجارية التي تتخصص في بيع كل ما يحتاجه أبناء المنطقة وزوارها من مختلف أنحاء العراق خاصة أنها تضم مدارس دينية وكليات ومساجد وجوامع إضافة إلى دوائر حكومية أخرى. أما سكانها فهم من البغداديين القدامى الذين حافظوا على هذه المنطقة وعمروها وهم في نفس الوقت يرفضون المحاولات التي قام بها البعض في السابق من أجل إثارة الفتنة الطائفية بين سكان المنطقة أو المناطق التي تحيط بها وهذه المحاولات البائسة جعلت من هذه سكانها يتماسكون بشكل كبير. واوضح :قامت امانة بغداد بإعادة تأهيل شوارعها بالشكل الذي جعلها قادرة على استيعاب عدد كبير من الزوار الذين يتمتعون بحدائقها ومطاعمها التي تتربع على ضفاف دجلة . وأضاف: إن معاناة سكان هذه المنطقة تكمن في شوارعها الرئيسية المحاذية لشارع “الخط السريع” ضيقة جدا مما تسبب في اختناقات مرورية لا حصر لها، ورغم وعود أمانة بغداد بان تحاول زيادة عرض الشارع العام، إلا أنها اصطدمت بأصحاب المشاتل الذين يرفضون التخلي عن أراضيهم الزراعية التي تتم زراعتها بأنواع الشتلات الزراعية من اجل الاستفادة منها ماديا. ولهذا فنحن نجد صعوبة كبيرة جدا في الوصول إلى بيوتنا كما أن عدم وجود مرآب موحد لسيارات النقل العام سبب لنا مشاكل أخرى، فتجمع أبناء المنطقة يتم بشكل عشوائي في انتظار سيارات الأجرة التي تنقلهم إلى وسط مركز مدينة بغداد، ومع كل ذلك تبقى هذه المنطقة البغدادية التي تعج بروائح الزهور والنباتات منطقة مهمة خاصة لعشاق الورد والياسمين والقداح من أهالي بغداد الذين يعتمدون علينا في تزويدهم بهذه المزروعات والتي توفر دخلاً جيداً لبعض سكانها الذين يعملون في هذه المهنة منذ زمن طويل.
ارتفاع اسعار العقارات
ويقول شمخي علي الذي يعمل في بيع وشراء العقارات: تتأثر المناطق السكانية دائما بالأوضاع العامة التي يمر بها البلد حتى أصبح لدينا مصطلحات في مجال العقارات تميز المناطق الساخنة عن بقية المناطق التي تعد أقل توترا، وقضاء الاعظمية ومنطقة الكريعات يعدان من المناطق الساخنة والمتوترة سابقا, واليوم نرى ان الوضع الامني افضل بكثير وهناك اقبال كبير على شراء العقارات في هذه المنطقة ونتيجة ذلك فان الأراضي والبيوت السكنية تنقسم إلى أقسام منها الأحياء الشعبية ومنها الأحياء الراقية، فالأحياء الشعبية هذه تمتاز بأسعارها المعتدلة، لكن طبيعة سكانها ترفض نزول سكان جدد غير سكانها الأصليين وهذه مشكلة بحيث لا يستطيع أن يسكنها احد من المناطق الأخرى. أما الأحياء الراقية فتكون أسعارها ملتهبة خاصة تلك التي تقع على ضفاف دجلة أو قرب المشاتل أو البساتين الزراعية، لهذا فإن أعمال البيع والشراء مزدهرة جدا، وهناك سكان بدؤوا يشترون الأراضي السكنية أو الزراعية لأنها عملية استثمارية مربحة ومن المؤمل انشاء بعض المولات التجارية التي تخدم سكان المنطقة وعلى أسس علمية لدعم القطاع الاقتصادي وفق ما يريده أهل البلد ولهذا نحن نتوقع ازدهار عمليات الاستثمار في قطاع العقارات بشكل كبير لان الظروف مناسبة .أما بخصوص المشاتل الزراعية فمعظمها تعود إلى المواطنين من سكنة المنطقة والبعض الآخر تعود ملكيتها لأمانة بغداد التي سمحت باستئجارها بواسطة مزادات علنية. ولا ننسى شيئاً مهماً أن المشاتل هذه والبساتين أعطت للمنطقة طابعا آخر، حيث اشتهرت منطقة “الكريعات” بها في عموم محافظات العراق.
مكافحة الافات والحشرات
ويقول المهندس الزراعي حسين هادي الذي يعمل في إدارة احد المشاتل: تشتهر منطقة الكريعات بمشاتلها المخصصة لإنتاج الشتلات الزراعية لمختلف أنواع النباتات مثل الزينة أو البذور الزراعية للفواكه والخضر وقد ساعدت خصوبة الأراضي هنا على انتشار أعداد كبيرة من المشاتل الزراعية وعملنا لا ينتهي إلى هذا الحد، بل إننا نتخصص في مكافحة الآفات والحشرات التي تصيب الأشجار وكذلك تلك التي تؤثر في جدران البيوت هنا وهي حشرة “الأرضة” والعمل هنا جيد والإنتاج كثيف وله سوق جيد خاصة بعد أن انتشرت المشاتل بشكل كبير في مدينة بغداد وهذا أدى إلى الاعتماد علينا في زراعة بعض النباتات النادرة والتي تحتاج إلى خصوبة عالية للأرض وكذلك تهيئة أجواء مناسبة لنمو الزهور، حتى إن المارة من هنا يتوقفون طويلا لاستنشاق هذه الروائح التي افتقدتها معظم البيوت العراقية نتيجة التلوث البيئي الذي حصل في العقد الأخير من الزمن نتيجة الحروب التي استخدمت فيها بعض الأسلحة المحرمة ذات التأثير السلبي في حياة البشرية والبيئة في العراق. وفي نفس الوقت فإن هذه المشاتل وفرت فرص عمل لعدد كبير من أبناء المنطقة خاصة الذين لديهم الخبرة في مجال الزراعة، كما أن هناك عوامل أخرى ساعدت على تطوير المشاتل هنا واوضح: أننا نشكو من معوقات عديدة أثرت في عملنا خاصة غياب الدعم الحكومي المتمثل بوزارة الزراعة لهذا القطاع المهم كذلك فإن التوتر الأمني في بعض الأيام يؤدي إلى غلق الشوارع الرئيسية المؤدية إلى مشاتلنا وبذلك يتوقف عملنا، كما أن الانتشار العشوائي لعدد كبير من المشاتل بالرغم من أن أمانة بغداد هي التي صممت الأراضي كمشاتل، لكن تجاوزات البعض على حق المواطن في الرصيف جعلتنا نتلقى كلمات عتاب شديدة من سكان المنطقة.
ومع كل هذا تبقى منطقة “الكريعات” تفوح بروائح الورود المنبعثة من المشاتل الموجودة هنا.