تحقيق- يوسف المحمداوي
حكاية تغيير الاسم كما أسلفنا هي ليست وليدة اليوم، فهي متقلبة مع انتقالات الحياة من حال الى أخرى، ومن لون جلد الى صبغة تخالفه تماما، وفي بلدنا تلك الظاهرة مترفة جدا ولم تستثن منها محافظة أو مدينة كبيرة، ولا ملك أو رئيس عادل أو دكتاتور، والشوارع كذلك، والحال تنطبق حتى على محلات صغيرة داخل هذه المدينة أو تلك، فالمحافظات باستثناء البعض طالها ذلك المد، لتصبح العمارة ميسان، والناصرية ذي قار، والكوت واسط، والسماوة المثنى، والحلة بابل، والرمادي الأنبار، وتكريت بعد أن انضمت إليها بعض الأقضية أصبحت صلاح الدين، وكركوك بعد استعادة النقمة – عفوا- النعمة أصبحت التأميم، لكن بقيت الأسماء القديمة عصية على الزوال في ذاكرة المواطن، لاسيما أن مراكز تلك المحافظات بقيت تحمل مسؤولية الحفاظ على المسميات القديمة، والأمر شمل الكثير من الشوارع داخل بغداد وخارجها، فمثلا شارع الرشيد كان يسمى في بداية افتتاحه (خليل باشا جاده سي)، وشارع الكفاح كان في بدايته (غازي)، هذان الشارعان رضخا لسلطة الأسماء الجديدة وتناسيا القديم، في حين هناك أخرى رفضت الجديد وحافظت على قديمها مثل (أبو نواس) الذي حاول النظام المباد أن يحوله الى (ياسر عرفات)، وكذلك الحال للمناطق فمدينة الصدر أنموذجا طالها هذا الأمر أربع مرات (الثورة ثم الرافدين وصدام حتى استقرت على وضعها الحالي)، لكن الشعلة مثلا على الرغم من التغيير الذي شملها وحولها الى مدينة النور، لكنها بقيت أمينة على حفظ اسمها القديم، والأمثلة كثيرة ولا يمكن حصرها بموضوع واحد.
مدينة الطب
المثال الذي نتخذه هدفا لاستطلاعنا هو اسم لمستشفى حكومي حديث التأسيس إذا ما قورن ببدايات نشوء الحركة الطبية ونموها في العراق، ومع تلك الحداثة لكن التغيير طاله أكثر من مرة، ومع ذلك بقيت الأفضلية للاسم الأول في اختيارات المواطن، واسم مدينة الطب قد طغى على الكثير من المسميات الطبية التي تسكن تحت خيمتها، فحين تذكر مستشفى بغداد التعليمي الذي افتتح مع مدينة الطب في العام 1970 والذي خطط لبنائهما عام 1961، لزاما عليك أن تذكر لسائق سيارة الأجرة اسم مدينة الطب، وكذلك الحال بالنسبة لمجمعاتها الأخرى كمستشفى الجراحات التخصصية (عدنان سابقا، غازي الحريري لاحقا)، أو الطب العدلي، أو مصرف الدم، او مجمع طب الأسنان، لا بد أن تذكر مدينة الطب لغرض الدلالة، فكيف الحال إذا تغيرت أسماء الفروع وليس الأصل، فإنك هنا تحتاج الى جهد جهيد وعمل كبير لفرض الاسم الجديد بين ألسنة الناس، فحين وصلتني المعلومة ان مستشفى عدنان للجراحات التخصصية قد أصبح اسمه (الشهيد غازي الحريري)، تصورت نفسي واقفا أمام صاحب سيارة أجرة وأطلب منه أن يوصلني الى ذلك العنوان، وبعد أن شرحت له التفاصيل الأخرى كانت علامة استفهام السائق الكبيرة التي ستحرجني بالتأكيد من هو الشهيد غازي الحريري؟، وتفاديا لذلك السؤال توجهنا أنا والمصور لتلك البناية الطبية التي تعد من أهم قنوات الصحة في تلك المدينة الطبية المهمة في حياة المواطن العراقي.
من عائلة ثرية
توجهنا صوب بناية إعلام المستشفى ليرافقنا منهم الزميل الإعلامي محمد كاظم لغرض مقابلة المدير العام وكالة الدكتور وليد الأنصاري ليبين لنا من هو الشهيد غازي الحريري، الذي نسبه البعض الى لبنان، والكثيرون لا يعرفون اية معلومات عنه فبين لنا الانصاري انه الشهيد غازي محمد باقر الحريري ولد في منطقة الكرادة الشرقية ببغداد في 23/2/1952، وعاش وسط عائلة مترفة وكان أصغر أفراد العائلة المكونة من ٤ بنات وولدين، قضى طفولته مدللاً، كثير السفرات والذهاب الى النوادي والأماكن الترفيهية، تخرج في ابتدائية الحكمة الأهلية وقضى مرحلة المتوسطة والثانوية في ثانوية (كلية بغداد الأهلية)، وكان طالباً ذكياً وبارعاً في الرياضيات، تغير حاله بعد أن رافقه أحد الأصدقاء الملتزمين، ليصبح كثير التردد على زيارة العتبات المقدسة، ومساجد منطقته، بعد ذلك التحق بحزب الدعوة الإسلامية مع الشيخ عارف البصري، دخل كلية الطب سنة ١٩٧١ وأصبح أبا في السنة الثالثة في الجامعة عام ١٩٧٣.
محاولة اغتيال الطاغية
تشير معلومات مؤسسة الشهداء الى أنه تخرج سنة ١٩٧٦ وله طفلان ثم باشر مراحل التدرج الطبي بعد التخرج في المستشفيات والقرى والأرياف وتحديدا في مناطق الصويرة والحفرية، وهو مسؤول عن عائلته (زوجة وثلاثة أطفال) رباهم على التقوى والزهد، كان شديد الرفض لسياسة الدكتاتور، وخصوصا عند سماعه باعتقالاته التي شنها على الشعب، وفرض الإقامة الجبرية على السيد محمد باقر الصدر، لتلك الأسباب قرر الشهيد القيام بعملية اغتياله، بعد أن علم بقيام الطاغية بزيارة الى مستشفى الكاظمية التي كان يعمل مقيماً فيها آنذاك، فأصبح حريصا على التواجد في المستشفى ولم يزر بيته وأهله إلا سويعات ولكن مع الأسف اعتقل قبل مجيء الطاغية الى المستشفى في يوم ٤/ ١٢/ ١٩٧٩، بعد ان وشى به أحد الحراس الذي رآه وهو يخبئ سلاح العملية في أدراج مكتبه وتعرض لأبشع أنواع التعذيب والتنكيل ثم نفذ حكم الإعدام به في ١٩/ ٣/1980 ومصادرة أمواله المنقولة وغير المنقولة وتم التنفيذ به ومجموعة عددها (96) شهيدا، وقام النظام المباد بحرمان زوجته وأولاده من جميع أملاكهم بالإكراه وفق وثائق مزورة، ما اضطرهم الى مغادرة البلاد بعد أن خسروا كل شيء فيه كما تبين لنا المصادر المعلنة.
نظرة طبية عامة
يقول الدكتور وليد الأنصاري مدير عام مستشفى الشهيد غازي: إنه تم العمل به في العام 1989، حيث كان أول مدير له الاستاذ الدكتور اياد البير، ثم تولت إدارته عدة شخصيات طبية من الدكتور راجح الكعبي حتى الدكتور خلدون وعبد الأمير محسن، وصباح نوري، ثم الدكتور نوفل الشدود الذي يشغله حاليا ولكونه مسافرا لأداء مناسك الحج، أقوم أنا بممارسة مهام عمله، والمستشفى كما يقول الانصاري متخصص بالجراحات التخصصية، مثل جراحة زرع الكلى، والأنف والحنجرة، جراحة (الصدر والأوعية الدموية، القلب، العيون، التجميلية أو ما يسمى بالتقويمية، الوجه والفكين) جميع هذه الجراحات كما يقول الانصاري تجرى في صالات مستشفى الجراحات التخصصية، وهو جزء من مدينة الطب، التي تضم ثمانية مستشفيات، وهي (الجهاز الهضمي، الأطفال، الاورام، بغداد التعليمي وهو المعني بالامراض الباطنية وتفرعاتها كالسكري وأمراض الدم، والخطأ الشائع كما يقول الانصاري اننا حين نقول الامراض الباطنية يتصورها البعض انها الامراض الخاصة بمنطقة البطن، في حين المقصود هنا الامراض الباطنة غير الظاهرة والتي تعالج من غير تداخل جراحي، وهناك مستشفى الجراحية والنسائية، ومستشفى الشهيد غازي للجراحات التخصصية.
ألفا عملية بالشهر
الأنصاري بين لنا ان عدد الاسرة الموجودة في مستشفى غازي يبلغ (553) سريرا، وأكثر من ألفي عملية في الشهر باشراف كادر طبي يبلغ عدد منتسبيه (1450) منتسبا بين طبيب وبقية الملاكات، ونحن -والحديث للطبيب- نستقبل جميع الحالات المستعصية ونتفانى في سبيل معالجتها، وكذلك لدينا مستشفى خاص للحروق، مضيفا اننا كمركز للعلاج لكننا ايضا مركز تعليمي لطلبة الكليات الطبية، وبنايتنا تحتوي على 18 طابقا.
وبالنسبة للأجور التي يتقاضاها منتسبو العقود في وزارة الصحة والتي تتراوح ما بين (90- 150) ألف دينار فقط، وهل من حلول لهؤلاء في ظل الوضع الحالي خاصة وان الكثير منهم حمّلنا كإعلاميين شكواهم عن تردي أحوالهم بين لنا الانصاري ان المسؤولية تقع على عاتق وزارة المالية وليس وزارتنا، وجميع الوزراء بما فيهم الوزيرة الحالية الدكتورة عديلة حمود طالبت بضرورة تغيير أجور تلك العقود من أجل تحسين أوضاع منتسبينا المادية، لكن الظروف التي يمر بها البلد، لم تحسم الموضوع.
تواريخ قديمة وحديثة
عن تاريخ تغيير الاسم بين محدثنا ان المستشفى بعد العام 2003 تحول اسمه من عدنان الى مستشفى الجراحات التخصصية فقط، لكن بعد عامين تحول الى الشهيد غازي، والكلام لي وليس للأنصاري، ان الكثير من الجيل الحالي لا يعرف من هو عدنان كما هو جاهل بالحريري، انه عدنان خير الله طلفاح وزير الدفاع في الحرب مع ايران، قام صدام بقتله في ظروف واسباب غامضة، وفي الختام نقول تغيير اسماء المستشفيات ليس وليد اليوم، وهذا ما بينه الباحث عبد الحميد العلوجي في كتابه «تاريخ الطب العراقي»، حيث بين ان اول مجمع طبي في البلاد هو المستشفى الملكي او الجمهوري او المجيدية، ويشير تاريخه البعيد كما يقول العلوجي الى ان الانكليز حينما احتلوا (مجيدية خسته خانة) أسموها باسم المستشفى العسكري البريطاني الثابت رقم 23، وبقي تحت ادارة الجيش البريطاني حتى سنة 1923 حيث أنيطت ادارته بوزارة الصحة التي جعلته تحت ادارة مديرية الصحة العامة وأسمته باسم المستشفى الملكي العراقي وكان يديره الدكتور دنلوب بمساعدة الدكتور صائب شوكت والكلام للعلوجي.