تحقيق- وائل الشمري
فارق كبير بين واقع المقدادية، مدينة البرتقال الوادعة، على الأرض وما تتداوله بعض وسائل الاعلام عن نتائج تحريرها من براثن داعش الإرهابية، فبعد تحرير كل ارض عراقية تتولد أفعال وردود فعل متشنجة، لا يمكن دحضها الا بالتجوال المباشر على الأرض لتحكي حكايتها. شاركنا في الجولة الميدانية التي نظمها الاعلام الحربي، لنشاهد بستانين البرتقال المحترقة، وآهات ووجع اصحبها الذين اكتووا بنيران الإرهاب وهي تحكي عمق العلاقة بين شعب ينتفض على الطائفية ويكبر الوشائج الوطنية. وتبدأ الحكاية، منذ اول وهلة دخل بها داعش واحتل بعمليات انغماسية وسلسة هجمات متوالية وبث اشاعات تصور جنوده كجنود هولاكو، تهاوت المدن واخرى صمدت، حواضن التنظيم تنقسم الى قسمين، الأول: من كان مؤمنا بفكرهم ،فمتشددا فمتطرفا فحاضناً فعنصرا، والثاني: عنصر من زمن تنظيم قاعدة الجهاد ومن ثم تحول الى عنصر من داعش بعد ان ركب البغدادي موجة ارتداد الانشقاقات في صفوف الجماعة. تبعد محافظة ديالى 57 كم شمال العاصمة بغداد، وتمتاز بخصوصية عن سائر المحافظات التي قبعت تحت سطوة التنظيم الارهابي، سكانها بعضهم متصوفة ومتشددون وبعضهم مسالمون، مرت الايام سريعة على تحرير كل ديالى وابعاد الخطر المحدق بالعاصمة لكن حدة الاحداث الامنية فيها لم تهدأ، فبين فترة واخرى تتوالى وقائع حدث أمني مثل تفجيرات تضرب مناطق متفرقة او تغيير ديمغرافي تمارسه قوات البيشمركة في جلولاء من خلال تجريف المدن وعدم السماح للنازحين بالعودة الى مناطقهم مرة أخرى. كل حدث مهما كان بسيطا في ديالى كان ينتشر بسرعة البرق ويتعامل معه الساسة الطائفيون على انه حقيقة لاريب ولا شك فيها ويؤول ويضخم الحدث حتى إذا كان من الممكن حله بصافرة من رجل الامن، وتزاحمت اخبار الاحداث في حرب إعلامية شنها داعش كحرب جديدة يحاول من خلالها التنظيم فتح جبهات مشاغلة بعيداً عن المواجهة العسكرية واشغال الرأي العام بقضايا طائفية تشتت الانظار عن انتصارات الانبار وخطوط الصد الثابتة في جبال مكحول. ارض المقدادية، التي كثر اللغط الإعلامي حولها، يؤكد شهود عيان من أهلها ان “مجريات احداث ثلاثة أيام مرت عليها وكأنها ثلاثة أعوام كما يصفها الشاهد (شاكر العقابي) وأضاف:
“بعد صلاة المغرب بدقائق سمعنا دوي انفجار في سوق المقدادية وهرعنا الى مكان الحادث وشاهدنا ابشع الصور من أشلاء القتلى المتناثرة والكم الهائل من الجرحى والسبب سيارة مفخخة انفجرت امام مقهى في وسط السوق”. ويواصل وصفه لهذا المشهد المؤلم “بعد مضي عشر دقائق واثناء نقل الجرحى ولملمة أجسادهم سمعنا تفجيرا ثانيا لا يبعد مسافة سوى امتار وهو دوي لتهاوي جامع المثنى بن حارث الشيباني وبعدها تهاوت جوامع أخرى في المدينة، لكن ابناء القضاء اصطفوا وحملوا السلاح الى جنب القوات الأمنية لدرء فتنة أراد ضعفاء النفوس اشعالها” . ركام جامع الشيباني يؤذن باسم الله جل عزه .. وحطام المنائر المحطمة التي تهاوت والمصاحف متناثرة بين الحطام والركام، صورة تبدو جلية وواضحة لكل من شاهد لا لكل من قال ولا لمن بث صورا قديمة لمناطق أخرى يحاول ان يصور المقدادية بها. وتؤكد حكايات هذه الأيام تجدد قدرة الشعب على الصمود، فبساتين البرتقال نزعت ثوب حزنها وعادت فيها الحياة طبيعية ووئدت الفتنة بثلاثة أيام حداد تشاركت بها السنة والشيعة بمجالس عزاء على ابنائهم لتشهد صلاة جمعة موحدة في جامع (لا اله إلا الله) في منطقة المعلمين وسط القضاء، وقال الشيخ رئيس ديوان الوقف السني طه المجمعي ان هذه الصلاة الموحدة تؤكد صلابة الموقف الوطني في رفض الطائفية وتعزيز وحدة المجتمع بالمقدادية إزاء التحديات التي تعرضت لها. مشكلة الاعلام كما يقول الشيخ محمد الدليمي ان”هذا الجامع عد من الجوامع التي استهدفت بالتفجيرات، ويصف “الأحداث التي شهدها القضاء بانها أودت بأرواح المواطنين من الطرفين”، متهماً “وسائل الإعلام وعدداً من السياسيين ببث أخبار عارية عن الصحة، وتهويل الموقف في القضاء، لتأجيج الصراع الطائفي”، مطالباً السياسيين “بالتواجد في القضاء وتحمّل مسؤولياتهم بدلاً من التصريحات المغرضة، ودعا الدليمي رجال الدين من السنة والشيعة خلال الصلاة الموحدة إلى تعزيز التعايش السلمي.
من جهته، أكد الناطق باسم الداخلية العميد سعد معن، ان” كل ما ذكر من دور سلبي لبعض وسائل الاعلام في نقل مجريات الوقائع على الارض بقوله”انها لم تنقل بموضوعية مجريات الأمور بل كانت هي مؤججة وتضع الزيت على النار في ايقاد مشاكل لا توجد لها جذور في هذه المدينة السلمية “، ودعا الى تحري الدقة في نقل الحقائق، وعد زيارة وسائل الاعلام العراقية نوعا من وعي المسؤولية الإعلامية المطلوبة في نقل الحقيقة”. ويبقى التجوال في المقدادية، اعلانا عراقيا عن نتائج حرب استنزاف اعلامية وعسكرية واستخبارية يمارس تنظيم داعش الإرهابي فيها كل اساليب وسبل ومفاهيم الحرب الناعمة والفضل لقنوات إعلامية مفضوحة تروج لمفاهيم الإرهاب الداعشي، ويبقى الاستقرار السياسي وفرض القانون في محافظة يراد لها ان تكون ضمن اقليم الوسط، ممكنا بوجود توازن في الامن الديمغرافي بين احزابها وسكانها.