حسين جاسم العبادي
هذه القصيدة بقيت محفورة ومنقوشة في ذاكرة الذائقة الشعرية للمواطن العراقي ليومنا هذا .. كتبها الشاعر الكبير مظفر النواب وكان سفيرها إلى الأذهان الصوت الشجي للفنان القدير (ياس خضر) وتحدث شاعرنا الكبير النواب عن هذه القصيدة قائلا : (لايزال الناس يحفظون ويغنون هذه القصيدة فما هو السر وراء الريل وحمد ؟ ) الريل يعني في لهجة أهلنا في الجنوب (القطار) وقد كتبت هذه القصيدة ولم يدُر في ذهني إني سأطبعها في يوم ما أو إنها ستنشر هكذا وتثير كل هذا الاهتمام , كتبتها لأني شعرت بها غناء وجدانيا وبهجة نفسية داخلية وكنت اكتبها في ظروف خاصة واضعا القلم والورقة تحت وسادتي استيقظ ليلا لأدون بعض المقاطع في الظلمة ثم أواصل النوم واستغرق مخاض ولادة هذه القصيدة سنتين (من عام 1956 وأكملتها عام 1958) وأخذها (علي الشوك ) من دفتري ونشرها دون علمي وكتب عنها الشاعر (سعدي يوسف) وقال هذه القصيدة تمثل زهره نادرة في بستان الشعر الشعبي العراقي واعتبرها نقلة من القصيدة العامية التقليدية إلى مناخ جديد ,ولقد فتحت هذه القصيدة بمفرداتها المتداولة بين الناس أبوابا جديدة إمام القصيدة العامية ومن العوامل التي اثرت في كتابتها ممارستي للرسم والأجواء العائلية المشبعة بالموسيقى حيث كان والدي يعزف على العود ووالدتي تعزف على البيانو(لايزال الحديث للشاعر النواب) وهذه القصيدة تمثل قصة حب حقيقية عن لسان فتاة ريفية جميلة من أهل جنوب العراق تسكن في منطقة الأهوار بالقرب من سكة حديد إحدى القطارات وقع قلبها في حبائل الهوى العذري لشاب من منطقتها وبعد تطور علاقتهما وشيوع خبرها بين الناس ووفقا للتقاليد والأعراف العشائرية السائدة آنذاك حيث كان الحب (خطا احمر وحراما اجتماعيا ) فقرر أهلها قتلها حتى يتخلصون من العار الذي لحق بهم من ابنتهم حسب اعتقادهم بعد إن رفض حبيبها طلب يدها (خطبتها) لكونه احد أبناء شيوخ العشيرة وحبيبته من سواد الناس (الفوارق الاجتماعية) فلما شعرت وعلمت الفتاة بذلك هربت ليلا متخفية إلى محطة القطار (الريل) وركبت مع المسافرين وانزوت في الكرسي المجاور للنافذة وهي تسرح بذاكرتها وتفكيرها نحو المجهول مرة ومع الذكريات الجريحة مرة أخرى وتستقر في أحشائها آهات وزفرات الجرح الوئيد الذي لايسكن ولايهيد حتى وقع بصرها على بيوتات ومضيف أهل حبيبها وعشيقها (حمد) وهي تسمع صوت الهاون (دگ الگهوة) وتشم رائحة الهيل والقطار يسير ببطء فأنشدت تقول بصوت شجي حزين (مرينه بيكم حمد واحنه بقطار الليل… واسمعنه دگ اگهوه وشمينه ريحة هيل.. ياريل طلعوا دغش والعشگ چذابي… دگ بيه كل العمر مايطفه عطابي…تتوالف وي الدرب وترابك ترابي… هودر هواهم ولك حدر السنابل گطه ) إلى نهاية القصيدة الخالدة .. وللذائقة الشعرية الرفيعة عند جيل الشعراء الشباب وللصورة المتجددة التي رسمتها هذه القصيدة انشأوا وأسسوا لها موقعا الكترونيا على شبكة التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) موسوما بعنوان: ((الريل وحمد)) .. وليسمح لي شاعرنا الكبير مظفر النواب لأقول :-
غرب حمد والريل وذيـچ الســوالف
مبرك صرت للضيم بثنين اشـــاگف
****
غرب حمد والريل بتلويـــحة اوداع
درب المحطة يگول افزعــلي ابساع








