تحقيق- عادل فاخر
ويرى خبراء في مجال السياحة أن العراق يمكن أن يصبح مركزاً سياحياً رائداً في منطقة الشرق الأوسط بسبب مكانته التاريخية والحضارية والدينية المتنوعة وموقعه الجغرافي المتميز وطبيعته الخلابة بوجود نهري دجلة والفرات والأهوار والبحيرات والبساتين والجبال والسهول الخضراء والمصايف الجميلة، وأن ما لديه من ثروات طائلة يمكن أن يستثمر جانبا كافيا منها في مضمار صناعة السياحة لتظل تعطي الكثير، فثروة النفط ناضبة بينما ثروة الأرض العامرة الجميلة المجتذبة للسياح تظل تعطي الكثير للأجيال الحالية والمقبلة. لجنة السياحة والآثار في مجلس النواب العراقي، تؤكد وجود ضرورة ملحة لدعم السياحة في العراق، لتعزيز الإيرادات الحكومية. وعند سؤاله قال عضو اللجنة فالح حسن إن”العراق بحاجة إلى إيرادات إضافية لتنمية الدخل الوطني، كون الاهتمام بالجانب السياحي مهما جدا، لاسيما وان هناك مرافق سياحية يجب تفعيلها كالسياحة الدينية، التي تشهد إقبالا يوميا وتفعيلها يمكن ان يعزز الإيرادات الحكومية”. وأضاف” إضافة إلى ذلك يجب الاهتمام بالمنافذ سواء في المطارات أو المنافذ الحدودية لمساعدة السياحة الدينية وتطوير أدائها وعملها، وتسهيل عمل الشركات التي تعمل في قطاع السياحة، في ظل الأزمة المالية التي يمر بها العراق”.
تعزيز الاقتصاد الوطني
الخبير السياحي عدنان العامري يرى ان العراق يمتاز بمئات الأماكن السياحية الأثرية والدينية، والطبيعة الخلابة والأنهر والجبال والمحميات والشلالات، وهذا مايمكن استثماره في حال أهتمت الدولة، كباقي الدول التي تدعم الجانب السياحي، لتعزيز الاقتصاد الوطني. وقال العامري إن”هناك عددا من المحافظات آمنة في مناطق الجنوب والشمال، وهي غنية بالمعالم الآثرية والطبيعة الجميلة، مثل البصرة وميسان وذي قار وبابل وكربلاء والنجف، ومناطق إقليم كرستان، وهذا مايدعو للتفاؤل وحث الحكومات المحلية على إنعاش السياحة، لتمول مشاريعها من خلال قطاع السياحة. وأضاف ان”في العراق الكثير من المرافق السياحية المنتشرة في عموم محافظات العراق والتي تحتاج لإعادة تأهيل عبر طرحها للاستثمار سواء المحلي منه أو الخارجي، ومن أبرز هذه المرافق المتاحف والمناطق الآثرية وغيرها، خاصة وأن هذه المناطق تعرضت للكثير من التخريب والعبث وعدم الاهتمام في السنوات الماضية”. فيما يؤكد نائب مدير مركز الإعلام الإقتصادي العراقي ملاذ الأمين ان”مدن العراق تمتاز من الشمال إلى الجنوب، بالمواقع الآثارية لإن العراق هو مهد الحضارات، وفيما تعاني بعض المناطق الشمالية والغربية من انعدام الأمن والاستقرار، تزخر المناطق الجنوبية والوسطى بالأمن والاستقرار، مثل آثار أور وأريدو في محافظة ذي قار والوركاء في المثنى وآثار بابل والمناطق الساحرة في أهوار ميسان وذي قار والبصرة. وأضاف أن”على الحكومات المحلية استثمار تلك الفرص، من خلال دعم تلك المنشآت لجذب السياح من خلال التعاقد مع شركات متخصصة، ولابد من الإشارة إلى السياحة الدينية، حيث يمتلك العراق عشرات المراقد التي يقصدها مئات الالاف من المسلمين وغيرهم خلال مواسم معروفة كل عام”. وأشار إلى ان”عناية الحكومات المحلية بالسياحة يعني إنعاش الاقتصاد المحلي من خلال تفويج السياح والزائرين الى مقاصدهم في المناطق الآمنة.
يذكر ان أهم المراقد الدينية في العراق هي مرقد الامام علي بن أبي طالب ومسجد الكوفة في النجف، والامام الحسين وأخيه العباس في كربلاء، والامام موسى بن جعفر والامام أبو حنيفة النعمان والشيخ عبد القادر الكيلاني، ومسجد براثا في بغداد، والامامين العسكريين في سامراء، والصحابي الزبير بن العوام في البصرة، فضلا عن مراقد الأنبياء يونس وهود وصالح وأيوب وذو الكفل والعزير، وعدد من الانبياء في محافظات ومدن عدة من العراق، والدير الكهنوتي وكنائس سيدة النجاة والعذراء أم الأحزان في بغداد، وكنائس آثرية في مناطق الشمال والوسط والجنوب.
السياحة وتنمية الإعمار
وطبقا لما نشر في كتاب (السياحة في العراق ودورها في التنمية والإعمار)، لمؤلفه الدكتور رؤوف محمد علي الأنصاري، طبعة بيروت، فإن”الكثير من المتابعين وخبراء الاقتصاد يعتقدون ان بلدا مثل العراق بسعتيه الأرضية والبشرية لا يجوز ان يبقى في اقتصاده أسيرا للنفط، بل على المسؤولين أن يبحثوا عن الوسائل والسبل والمصادر الايرادية التي تشكل رديفا للنفط في إسناد الاقتصاد العراقي، ومن هذه المصادر الإيرادية قطاع السياحة، حيث لا يزال مهملا وغير مدروس بعناية، فتجب العناية به ودراسته بدقة لكي يعتمد العراقيون عليه في تنمية اقتصادهم وإعادة أعمار بلدهم. ويقدم الكتاب حلولا ومقترحات جيدة بهذا الصدد، وهي تتعلق بالسياحة وتطويرها من أجل تقوية الاقتصاد العراقي لاسيما في هذه المرحلة التي تتطلب أموالا كبيرة لإعماره. وجاء في الفصل السادس من الكتاب والذي تخصص بدراسة العلاقة بين السياحة والبيئة، حيث يؤكد المؤلف على أن السياحة تتأثر بملامح البيئة المحيطة ولها دور مهم في توزيع مواقع الترفيه والاستجمام.
من هو السائح؟
ويعرّف السائح على أنه أي زائر يأتي لبلد لأي غرض غير الإقامة ولا تتجاوز مدة إقامته سنة واحدة ولا تقل عن اليوم الواحد. ويرى المعماريون والفنانون أن السياحة والعمارة متلازمتان مع الجمال والروح وعبق التاريخ والحضارة والقيم والعادات والتقاليد، والعراق هو مصدر سياحي ثقافي كبير، ففيه معالم ثقافية وحضارية عظيمة فهو مهد أقدم الحضارات الزاخرة بالمنجزات الثقافية التي أثرت في ثقافات العالم وفيه آثار وقبور كبار الشعراء والفقهاء والعلماء في اللغة ومختلف العلوم، لذا فإن التجول فيه هو كالتجوال في كتاب هائل كبير الأحرف ساطع المعاني.
مفهوم السياحة وأهميتها
يرى الباحث الألماني (جوبير فرويلر)، ان السياحة ظاهرة من ظواهر العصر انبثقت من الحاجة المتزايدة إلى الراحة وتغيير الهواء والإحساس بجمال الطبيعة والشعور بالبهجة والمتعة من الإقامة في مناطق لها طبيعتها الخاصة. والسياحة صناعة تعتمد على حركة السكان السياحية ولمدة معينة من منطقة إلى أخرى داخل الدولة أو من دولة إلى أخرى، حيث تهتم بدراسة حجم تلك الحركة وتوزيعها الجغرافي وتحليلها وتأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية والحضارية. ومن المفاهيم الاخرى للسياحة أنها دراسة وتشخيص للمصادر السياحية المرتبطة بالبيئة الجغرافية، الطبيعية والبشرية، والتوزيع الجغرافي للمراكز السياحية وأنشطة الإنتاج والخدمات المتعلقة بالسياحة. ويمكن القول ان السياحة تعبير يطلق على رحلات السكان الترفيهية لمدة لا تقل عن يوم واحد و لا تزيد عن بضعة أشهر إلى مكان مؤقت يختلف عن مكان عن مكان الإقامة المعتاد لإشباع رغباتهم في الاستطلاع ولسد حاجاتهم إلى الاستجمام والمتعة على ان لا يكون ذلك الانتقال بقصد العمل. ولم تعرف السياحة بمفهومها العلمي الحديث إلا في أواخر القرن الثامن عشر، اذ كانت خاصة بالطبقات الغنية والعوائل الميسورة، اما أسفار البحر فقد عرفت منذ زمن البابليين والاشوريين والفراعنة والفينيقيين والايجيين والرزمان والمسلمين، وترك الرحالة العرب وثائق سياحية لا تزال تعد من ركائز الارشاد السياحي في كثير من مناطق العالم القديم. وتعد حركة السياحة وتطورها جزءا لا ينفصل عن حركة المجتمع ينبغي ان تولى اهتماما متوازنا ومنها قطاع السياحة الذي اخذت اهميته تتزايد بسرعة واصبحت نشاطاته تكتسب صفة اقتصادية واجتماعية وعلى درجة كبيرة من الاهمية في كثير من الدول، حيث تساعد السياحة في توفير فرص عمل مدرة للدخل، وتساهم في توزيع مرافق التنمية في أنحاء القطر، مما يعني رفع المستوى العمراني والحضاري ودعم ميزان المدفوعات الخاصة بالدولة وبالتالي زيادة الدخل القومي.
وتكتسب تنمية السياحة أهمية خاصة من خلال تدفق رؤوس الأموال الأجنبية للإستثمار في المشاريع السياحية، ومن خلال الاستخدامات العلمية للموارد الطبيعية، ومن مزايا التنمية السياحية إنشاء مشروعات سياحية في مناطق البلاد المختلفة.