حوارات وتحقيقات

أولياء الأمور ودورهم في تربية الأبناء وقسوتهم في حرمان أبنائهم من حق التعليم

تحقيق / بهاء عبد الصاحب كريم 

 

وحسب احصائيات غير رسمية هنالك الالاف من الاطفال يتركون المدارس سنويا ولكن الواقع، فان هناك اكثر من هذه الاعداد والتي لايستهان بها لم تلتحق بالمدارس قط رغم وصولهم الى سن الدراسة ومن كلا الجنسين، ولم تنقذهم من براثن الجهل والامية قضية الزامية التعليم . الكثير من الاطفال والشباب يحلمون بشراء سيارة حديثة او شراء حاسبة محمولة او الدراسة في مدارس خاصة ولكن هؤلاء الاطفال الذين تركوا الدراسة قسرا كل احلامهم هو حمل قلم ومحفظة وحقيبة للكتب ، ولكنهم وجدوا انفسهم يتعلمون مهنا بديلة عن الدراسة كفلاحة الارض او رعي الاغنام والمواشي او بيع السجائر على الارصفة واشارات المرور . اما اولياء الامور الذين يقفون وراء منع اطفالهم من الالتحاق بمقاعد الدراسة فيجدون الاعذار عن تخليهم عن احلامهم برؤية ابنائهم اطباء او مهندسين او معلمين مثلما يحلم كل اب وام بسبب الفقر وعدم المقدرة على تحمل تكاليف الدراسة والمدارس لانهم اصحاب دخل اقل من المحدود ولا تكفي لسد رمق العائلة . وهناك من اولياء الامور يجدون ان العمل في التجارة افضل من اكمال الدراسة . واذا كنا نعذر اولياء الامور الذين يشكون الفقر والعوز والحاجة لمنع ابنائهم من اكمال الدراسة فهناك ظاهرة جديدة لبعض اولياء الامور وهي احدى البدع الدخيلة وهي ان الدراسة في المدارس لا تقدم العلم الشرعي . متى سنشاهد التطبيق الحقيقي لإلزامية التعليم ومعاقبة اولياء الامور الذين يجبرون ابناءهم على ترك الدراسة ومن جهة اخرى دعم الطلبة والعوائل الفقيرة . 

 

يملكون الأموال ولكنهم يحرمون أبناءهم من اكمال دراستهم من اجل ممارسة مهنة الزراعة 

 

وتحدث (احمد ابراهيم ) مدرس في احدى المناطق الريفية غرب  بغداد:

هناك نسبة كبيرة لا يستهان بها من الاطفال المحرومين من الدراسة وبالاخص في المناطق الزراعية ومناطق رعي الحيوانات حيث يكون اولياء الامور مرتاحين ماديا ولكنهم يفضلون تشغيل ابنائهم في الرعي او ممارسة الزراعة وفلاحة الارض واعمال اخرى على ارسالهم الى المدارس للتعلم . 

 

يجب على الدولة القيام بتفعيل قانون الزامية التعليم،

محطتنا الثانية كانت مع الاستاذ (علي حميد) مدرس اعدادية:

اتمنى ان تقوم الحكومة بتفعيل الزامية التعليم ومقاضاة اولياء الامور الذين يمنعون ابناءهم من الالتحاق بالتعليم الالزامي وبالاخص العوائل المقتدرة ماديا وظروفهم الاقتصادية الجيدة ولا تحول دون التحاق ابنائهم بمقاعد الدراسة . واضاف ان التعليمات الصادرة ما زالت حبرا على ورق رغم مرور اكثر من ثلاثة عقود من الزمن على اقرارها في حين يحرم الالاف من الاطفال من حقهم في الدراسة . وشدد على ان خطورة تبعات حرمان الاطفال من حقهم بالتعليم هو انتشار الافكار الهدامة ووسائل الانحراف والجريمة، حيث ان الجهل وقلة التعليم هما من اهم اسباب هذه الجريمة بشتى انواعها واكثر الذين يمارسون هذه الجرائم هم الاطفال او الاحداث القاصرون حيث يتم استغلال جهلهم واميتهم وجعلهم يدخلون في عصابات اجرامية او متطرفة ،او اصبحوا يمارسون بيع المخدرات والحبوب المخدرة والممنوعة او تناولها باسم التجارة . ولكن نرى من النادر او المحدود تورط اطفال او احداث متعلمين ومستمرين في الدراسة في ممارسة هذه الاعمال المشينة او الافعال التي يعاقب عليها القانون لانهم يملكون التحصين العلمي والفكري .

 

هناك نوعان من اولياء الامور الذين يقومون بحرمان ابنائهم من اكمال الدراسة: 

ويقول المحامي (عمر الجميلي ) :

 

هناك نوعان من اولياء الامور الذين يقومون بحرمان ابنائهم من اكمال الدراسة هما الفقير الذي لا يستطيع تلبية حاجات ومتطلبات العائلة ، والمتمكنون ماديا الذين يمنعون ابناءهم من الدراسة من اجل القيام بممارسة اعمال التجارة والاعمال الحرة او الزراعة او رعي الحيوانات . ويجب على الجهات المختصة والمسؤولة ان تقوم بدراسة هذه الملفات كل حالة حسب ظروفها ، حيث من غير الممكن والمعقول المساواة في التعامل مع الفئتين بنفس الحزم، اذ من الاجحاف معاقبة الفقير الذي يكون التعليم اخر ما يمكن ان يفكر فيه لان همه الاول هو كيفية الحصول على المال من خلال العمل الشاق لسد رمق واحتياجات عائلته . بينما يجب التعامل بشدة وبصرامة مع الفئة الثانية من اولياء الامور وتحويل ملفاتهم الى الجهات المعنية والمختصة للنظر فيها . ومن جهة اخرى طالب المحامي عمر بتدخل الحكومة ووزارة التربية بمساعدة العوائل الفقيرة والمحتاجة والمتعففة من الاعباء التي تثقل كاهلهم وتمنعهم من تدريس ابنائهم كتوفير الكتب المدرسية والقرطاسية وتوفير النقل المجاني في المناطق النائية والبعيدة عن المركز ودعمهم ماديا .

 

الفقر احد اسباب منع اولياء الامور ابناءهم من اكمال دراستهم 

 

واوضح ( محسن الساعدي ) معلم متقاعد ويعمل في منظمات المجتمع الدني : هناك ازمة حقيقية في حالات ترك الدراسة، حيث كانت الحجة سابقا في خمسينات  وستينات وسبعينات القرن الماضي هي قلة المدارس وعدم وجود احصائية دقيقة، واغلب المحرومين من الدراسة هم ابناء الريف وذلك لبعد المدارس عن مناطق سكناهم اما الان فهناك اسباب اخرى ظهرت وهي اما الفقر لبعض العوائل او من يريدون ممارسة التجارة او العمل في بيع السكائر في الشوارع او فتح محلات لبيع المواد الغذائية او الكهربائية وغيرها او من يقومون بإجبار ابنائهم بممارسة مهنة التسول وغيرها من الاعمال . واضاف محسن ان هناك جمعيات مختصة بمجال التعليم والاسرة وتدخلت لتسوية الكثير من الحالات وتمكنت من اقناع الاباء باهمية دراسة ابنائهم اضافة  الى توفير بعض المتطلبات، ولكن يبقى كل هذا غير كاف امام ضيق هذه الامكانيات ، حيث توجد هناك حالات تتجاوزنا نحن منظمات المجتمع المدني وتستدعي تدخل الدولة بكافة مفاصلها والياتها لدعم هذه العوائل الفقيرة والمحتاجة من خلال تقديم الاموال اللازمة لاستمرار ابنائهم في اكمال دراستهم .

 

الكثير من اولياء الامور يعكسون تربيتهم في الصغر على ابنائهم رغم اختلاف الازمنة.

وتقول استاذة علم النفس الدكتورة (سعاد الطائي)

 

كثير من اولياء الامور يقومون بعكس تجاربهم اثناء طفولتهم من خلال ما تعلموا من تربية من الاجداد، وهذا يعتبر مخالفا للواقع لان ما تربى عليه الاباء يختلف عن الابناء وذلك لاختلاف الفترات الزمنية، حيث قال امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) (لا تؤدبوا أولادكم بأخلاقكم لأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم) حيث اصبحت الان وسائل الاتصال تتدخل في تغيير الصفات لدى الابناء. وكثير من اولياء الامور نراهم اما متشددين او بعيدين كل البعد عن التربية وذلك لانشغالهم في الاعمال والاشغال. من هنا يجب ان تقوم الدولة ومن خلال جميع مؤسساتها وكذلك رجال الدين من خلال منابرهم بتوعية الاباء على كيفية التربية الصحيحة للابناء لانهم جيل المستقبل الذي نعتمد عليه في بناء واعمار العراق .

 

قرار الدولة بمنح منح شهرية للطلاب ربما يساعد في الحد من ظاهرة حرمان الابناء من اكمال دراستهم

 

واكد الاقتصادي (ع.م) استاذ اقتصاد جامعي : 

من الممكن الحد من ظاهرة قيام اولياء الامور بحرمان ابنائهم من اكمال الدراسة لاسباب اقتصادية ومادية الى تطبيق القانون والقرارات التي سمعناها وشاهدناها وقرأناها من قبل الاعلام بقيام الدولة بتطبيق قانون منح الطلبة مبالغ مادية . حيث سيكون هذا المشروع الوطني الكبير في حال تطبيقه على ارض الواقع سيسهل وسيسمح لكثير من العوائل المحتاجة بإرجاع وابقاء ابنائهم في المدارس وكذلك ستحفز هذه المبالغ الاب والطالب من اجل اكمال الدراسة لانه في حال ترك الدراسة لايستطيع الحصول على هذه المنحة المادية وفي نفس الوقت اذا طبقت هذه الالية بتوزيع الاموال على الطلبة يجب ان يفعل قانون معاقبة اولياء الامور الذين يقومون بحرمان ابنائهم من اكمال الدراسة حيث لايوجد سبب مقنع يحرم الطالب من اكمال دراسته .

 

الاحصائيات غير دقيقة عن حجم الطلاب التاركين الدراسة ولكن هناك نسبة كبيرة ومخيفة.

(احلام عبد المجيد ) موظفة في مجال الاحصاء الاسري تقول : 

لا توجد احصائيات دقيقة في محافظات العراق عن حجم الطلاب التاركين الدراسة او المحرومين من اكمال الدراسة او المتسربين عن الدراسة، والذي اصبح ظاهرة حقيقية وخطرة وبالأخص للفتيات اللاتي يعتبرن من اكبر ضحايا ظاهرة الحرمان من الدراسة ولاسباب اهمها النقل بسبب بعد المدارس عن مناطق سكناهن وبالاخص في المناطق البعيدة عن مراكز المحافظات والتي تقع في القرى والارياف، حيث يقطعن يوميا عشرات الكيلومترات من اجل الوصول للمدرسة الامر الذي يؤدي الى تاخر الطلبة من الوصول الى المدرسة وتدني مستواهم الدراسي وبالتالي يشكلون نسبة رسوب اعلى، مما يظطر اولياء الامور بمنع ابنائهم من مواصلة واكمال الدراسة . اما السبب الاخر فهو خوف الاباء من الظروف الامنية والتي ادت الى ترك المئات من الطلبة الدراسة بسببها و بالاخص للفتيات وذلك لخوف اولياء الامور على ابنائهم وبناتهم . واحد الاسباب الكبيرة التي ادت الى قيام العشرات من العوائل بحرمان ابنائهم من اكمال الدراسة هو ظاهرة الدروس الخصوصية في المدارس والتي اخذت تثقل كاهل شريحة اخرى غير شريحة العوائل الفقيرة بل وصلت الى الشرائح المتوسطة الدخل، حيث ان عذر هذه العوائل هو عدم استطاعتهم تلبية احتياجات ابنائهم لمتطلبات الدراسة واجور المدرسين الخصوصيين حيث ان طلبات الدروس الخصوصية وصل الى مبالغ خيالية للدرس الواحد، حيث وصل مبلغ درس الرياضيات والكيمياء والفيزياء والانكليزي الى (600) الف دينار للدرس الواحد . ودرس اللغة العربية والاحياء الى (400) الف دينار . كيف يتمكن ولي امر الطالب صاحب الدخل المحدود حتى وان كان موظفا ان يلبي متطلبات ابنائه وبالاخص اذا كان لديه اكثر من طالب في العائلة بالتأكيد يكون تفكير ولي امر الطالب هو منع ابنائه من اكمال دراستهم والاكتفاء بشهادة الابتدائية او المتوسطة على ابعد تقدير . امنياتنا ان تتدخل الدولة ووزارة التربية لحل هذه الظاهرة الخطرة وهي ظاهرة الدروس الخصوصية ومعالجتها وكذلك تفعيل قرار توزيع مبالغ نقدية للطلبة وذلك لرفع كاهل العوائل العراقية وأولياء الأمور من بعض متطلبات الدراسة والنقل .

ابي حرمني من اكمال الدراسة لانه ارادني ان اعمل بمهنته في مجال النجارة

(اسعد فالح ) نجار يقول :

تركت الدراسة وانا في الصف الاول الابتدائي، حيث لم اكمل دراستي بسبب والدي الذي حرمني من الدراسة وجعلني اعمل في ورشة النجارة التي يمتلكها وانا لغاية الان احلم بالدراسة وكنت اتمنى ان املك شهادة دراسية وادخل كلية الهندسة ولكن الحمد لله على كل حال، فقد دخلت الى مدارس محو الامية وتعلمت القراءة والكتابة .

 

(ام محمد) ارملة وام لـ (4) اطفال تقول :

 

هناك من يحاسبني ويلومني على منعي اطفالي من اكمال دراستهم والقيام باعمال اخرى مثل الحدادة وبيع المواد الغذائية في السوق رغم صغر اعمارهم، حيث يبلغ عمر ابني الكبير (13) سنة . انا اقول لمن يلومني كيف اعيل ابنائي ولا يوجد معيل لي حيث توفي زوجي قبل (3) سنوات بانفجار سيارة مفخخة وهو متوجه الى مكان عمله ولم احصل على راتب تقاعدي لزوجي كونه لم يكن موظفا وانما يعمل في السوق ، فقررت ان يترك ابنائي الدراسة والعمل من اجل الحصول على لقمة العيش ومتطلبات الحياة ، حيث يقوم العاملون في السوق واصحاب المحلات وكذلك نقطة الشرطة الموجودة قرب السوق برعايتهم ومساعدتهم وحمايتهم لمعرفتهم بظروفهم وانهم ايتام ، وابنائي بشهادة اساتذتهم  كانوا متفوقين في الدراسة ولكن الظروف الصعبة لم تسعفهم من اكمال دراستهم .

 

وفي الختام …. نحن نعيش في بلد من اغنى البلدان في المنطقة بل وفي العالم ونملك اكبر احتياطي للنفط ، وارضا تحوي الكثير من المعادن وخصوبتها الزراعية ، ونملك الكثير من العلماء والمختصين والسياسيين الذين يرعون ابناء بلدهم وبميزانية اتحادية فلكية . من الصعب بل من غير المعقول ان نجد عوائل لا تستطيع ارسال ابنائها للدراسة او اكمال دراستهم . نتمنى ان تقوم الدولة بجميع مفاصلها بتفعيل قانون توزيع المبالغ النقدية للطلبة ودعم العوائل المحتاجة والفقيرة  وكذلك تفعيل قانون الزامية التعليم ومحاسبة من يقوم بمنع ابنائه من اكمال الدراسة والتعجيل بعملية التعداد السكاني ، وتحسين النظام التعليمي وبناء المدارس في جميع المناطق والقرى لكي لا يكون هناك اي عذر لأولياء الامور حول بُعد المدارس عن مناطق سكناهم وكذلك حل مشكلة الدروس الخصوصية التي بدأت تثقل كاهل الكثير من العوائل العراقية وبالأخص العوائل ذات الدخل المحدود والمتوسط .

قد يهمك أيضاً