تحقيق- نجلاء الربيعي

«كنت معجبة ولدرجة كبيرة من كلام خطيبة ابني، وهدوئها، وحيائها، ورجاحة عقلها، لاسيما ان موافقتها على الخطوبة جاءت بعد معرفتها بانه كان متزوجا في السابق وعنده طفلة وانها من ستتكفل في تربية تلك الطفلة، على الرغم من انها شابة في مقتبل العمر وجميلة وهناك ألف من يتمنى الزواج منها، لكنها وافقت على ابني رغم ظرفه الاستثنائي، وهذا ما جعلني اكون عنها انطباعا على انها انسانة محترمة ومحبة للعلاقات الانسانية، وانها  ستصون ابني وتكون بمثابة الأم لابنتها، لكن كل كلامها سرعان ما اصبح في مهب الريح في حفلة الخطوبة، واذا بها تحدث اقاربها بان هذه الطفلة بنت اخي خطيبها، وبعدها تحدثت عن ان وجود الطفلة معها سيقيدها وانها مقبلة على فرصة للتعيين، وان من الافضل منح البنت لأمها افضل من عيشها معهما، وهنا ادركت ان ما اخذته من انطباع من اول مقابلة قد وضعني في موقف لا احسد عليه».

واضافت «لذا فان الانطباع الاول الذي يؤخذ عن الشخص من اول مقابلة، قد يكون صائبا وتعبيرا دقيقا عن شخصية المقابل او غير صائب، لذا فان الانطباع الخطأ سيكلف صاحبه اشياء تكون غير متوقعة، وان تأثيره سيكون مباشرة فيه وفي المجتمع المحيط به». وتؤكد ام عقيل تألمها من حكمها الخاطئ :«اصبحت بسبب حكمي المتسرع والمبني على جلسة لا تتجاوز الساعة نادمة، فان تأثير ذلك الانطباع الخاطئ كلفني خسارة حفيدتي وسيبقى مستمرا معي للابد، فالانسان دائما  يتصنع من اجل الوصول الى الهدف المراد وبعدها يظهر حقيقة ما اخفاه، وعندها يختلف ذلك الانطباع الذي اخذه في السابق، لذا اصبحت على يقين من ان اي انسان لا يمكنه التعرف على طبيعة الناس، الا من خلال التعايش معهم، وعندها يدرك الخطأ الكارثي الدي ارتكبه من اخذ انطباعه السريع عنهم».

وتوضح الباحثة في علم النفس الاجتماعي اخلاص فريد: «بأن الانطباع الاول هو ذلك الحكم الذي يترسخ في الذهن عندما نقابل شخصا ما لأول مرة ونأخذ عنه انطباعا معينا، وان هذا الانطباع  المأخوذ يتوقف على طبيعة الانسان والصورة التي يريد ايصالها للناس». وتضيف فريد:» في الغالب ما يكون الانطباع الذي يؤخذ خلال فترة وجيزة قد تكون دقائق معدودة من رؤية الشخص ما لأول مرة، يكون انطباعا خاطئا، وتكون له مردودات سلبية، قد تدفع به الى التهلكة».

تتحدث الموظفة زهراء امير(24 عاما) عن تأثير الانطباع الاول الذي اخذ عنها في بداية تعيينها من قبل زملائها فتقول:

« اعتمدت منذ اليوم الاول في الوظيفة ان يؤخذ عني انطباع جيد، من خلال التزامي في العمل، ومد يد المساعدة، واحترام الجميع، وبالأساس هذا هو اسلوبي في التعامل مع الناس في الحياة، لكن لم اكن اتوقع ان هذا الانطباع الذي اخذ عني سيؤثر في سلبا بالعمل وانه سيدفعني الى تغييره، وذلك لأن الناس تحاول استغلال الانسان المتعاون. فقد اخذ زملائي يفسرون مساعدتي واحترامي لهم على انه ضعف، وعندما بدأت اشعر بان البعض منهم يستغل لطفي معهم واحترامي لهم من خلال تهاونهم في عملهم وترك الواجب المناط لهم لي، حتى بات وجودهم في الدوام يقتصر على المجاملة وتسجيل الحضور فقط. هذا ما دفعني الى أن آخذ عهدا على نفسي بأن أغير الاسلوب الذي كنت اتعامل به معهم ويكون تعاملي معهم بالاسلوب نفسه الذي يتعاملون به معي ، حتى لا يستضعفني احد و لا اكون الوسيلة التي يضللون بها مسؤولينا في العمل، وعندها بدأ زملائي يشعرون بالاختلاف في الاسلوب ويتساءلون عن سبب الاختلاف المفاجئ، خاصة ان اسلوبي اختلف جذريا عن الانطباع الاول الذي كان مأخوذا عني «. وتبين الباحثة اخلاص فريد : بان الانطباع الاول هو الذي يدوم فهو الذي يحدد طريقة التعامل مع الشخص، لذا فان اي تغيير يطرأ في سلوك الانسان يكون مخالفا عن ما اخذ عنه، فانه سيكون في موضع تساؤل من قبل المجتمع المحيط به، على الرغم من ان المجتمع هو الذي قد يدفع البعض في تغيير ما اخذ عنه، خاصة اذا كان الشخص مهذبا وطيب القلب، لكن استغلال المجتمع له هو الذي يدفعه الى تغيير ذلك الانطباع الاول الذي بنوا تعاملهم معه على اساسه».

وتضيف ومظاهر الانزعاج واضحة عليها : 

« غالبا ما يكون للناس الدور الرئيسي والاساسي في تغيير الانطباع الاول الذي اخذ عن اي انسان، فان استغلالهم للإنسان المحترم واستضعافهم له، هما اللذان يدفعان الانسان لاعتماد اطباع غير معتاد عليها، الظروف هي التي دفعته لها، لذا فإن سوء الانطباع وحسن الانطباع المأخوذ عنا لا يعتمدان علينا فحسب وانما يعتمدان على تعامل الناس معنا ايضا».

حقيقة الانطباع الاول

تروي الطالبة الجامعية «بيداء محمود» عن الانطباع الاول الذي اخذته عن صديقتها «شيماء» ومدى صحة ذلك الانطباع، مسترسلة: «عند دخولي الجامعة لم تكن معي اية صديقة من صديقات المدرسة، فكان اول من صادفني هناك «شيماء» فقد كان كلامها معي جميلا وغير متكلف فهي انسانة عادية بكل معنى الكلمة، فان من اول حديثي معها كونت عنها انطباعا بأنها بنت محترمة وهادئة وبسيطة، وانها ستكون صديقة صالحة لي، خاصة في وسط فيه اشخاص مختلفون عن الوسط الذي كنت فيه».وتؤكد الباحثة اخلاص :« ليس كل اول انطباع يؤخذ عن شخص معين يكون خاطئا، فقد أثبتت التجارب التي نعيشها في حياتنا اليومية، ان الانطباع الاول يكون صحيحا عندما يتعامل الشخص بفطرته واسلوبه ويكون على سجيته مع المقابل، لان في الغالب الفطرة هي التي تثبت صحة الاحكام على الناس».

وتضيف بيداء:” في العادة لا احكم على الناس واعطي انطباعا معينا من اول حديث، لان ليس كل من نصادفهم اول مرة يكونون على طبيعتهم، لاسيما اذا كانوا في مجتمع مختلط، وبالخصوص مجتمع الوسط الجامعي، فنجد ان اغلب من نقابلهم في ذلك الوسط متصنعون، لكن ما جذبني لصديقتي شيماء هو اختلافها عن كل من صادفتهم في ذلك الوسط، فهي تتعامل مع الجميع على فطرتها، والذي يثبت صحة انطباعي الاول عنها هو استمرارها على اسلوبها نفسه طوال الثلاث سنوات من معرفتي لها».

أبعاده

يوضح استاذ علم النفس في جامعة بغداد الدكتور ياسين حميد: «ان الانطباع الاول قد يخفق وقد يصح، وذلك تبعا لما يوحيه الشخص الذي تمت مقابلته لأول مرة، ففي الغالب يكون الشخص المتصنع هو الذي يوحي للناس بانطباع يكون مخالفا عن حقيقته، وهذا ما يكون له مردودات كارثية تؤثر في الفرد والمجتمع على حد سواء. اما على العكس من ذلك فهو الذي يصح، فان تعامل الانسان بفطرته يخلق عنه انطباعا صحيحا ومستمرا». ويبين حميد: بأن من الخطأ الحكم على الناس من أول مقابلة، وانما الحكم عليهم يتم من خلال المعاشرة والتعامل معهم، وهنا يتكون الانطباع الصحيح عنهم سواء كان جيدا او سيئا، وعندها ندرك بان ما كوناه من انطباع بالوهلة الاولى كان صحيحا ام خاطئا، لذا فان الانطباع الخاطئ يكون تأثيره سلبيا في صاحب الحكم، لأنه لم يكن منطقيا في حكمه السريع على الناس. ويؤكد الدكتور ياسين حميد : ان على الانسان عندما يتقابل مع اي شخص يجب عليه ان يخلق انطباعا يعبر عن طبعه الحقيقي ويبتعد عن تزييف افعاله، لان هذا الانطباع الذي اخذ عنه سيكون الوسيلة التي تحدد الاسلوب الذي سيعامل الناس معه والكيفية التي يكون عليها، لان من المعروف ان الانطباع الاول يدوم، لذا يجب عليه ان يدرك بان ما يخلقه من انطباع في المقابلة الاولى لأي شخص سيستمر طوال مسيرته معه. لذا فان الانسان بطبيعته اذا احب شخصا من اول مقابلة فانه سيستمر في حبه ،واذا كره شخصا فانه سيظل على الدوام مكروها في نظره .