فؤاد العبودي
لم اجد من يسعفني بمعرفة لماذا اتخذ الحلاقون يوم الاثنين عطلة خاصة بهم.. هل هي نتاج مزاج شخصي قام به احدهم وانتشرت لتصبح عادة.. او هي حالة من حالات الراحة. الغريب في امر عطلة الحلاقين، هي انها تصادف وسط الاسبوع بما يحفل به هذا الوسط من حركة وحيوية والحافل بالمواعيد والعمل والافراح والاعراس..
الحلاقون انفسهم لايعرفون من الذي اوعز بان يكون يوم الاثنين عطلة لهم.. اشرف (حلاق ورث المهنة عن ابيه) يقول (ابوية نفسه ميعرف من الذي جعل من يوم الاثنين عطلة .. فكيف تريدني ان اعرف انا).
حلاق اخر قال (الحقيقة لا اعرف عن هذا الامر شيئا.. لكنني اقول.. ان هناك عطلا معينة لاصحاب المهن فمثلا عطلة القصابين هي الجمعة.. وهذا هو كل الذي اعرفه) لكن شيخا جرني الى حديث اخر محاولا ربط حكاية الحلاقين بما اراده:
يقول عبد الفتاح علي – 1930 :
– مرة ذهبت كالعادة صباح كل يوم الى البقال حين كنت صبيا لجلب طعام الافطار ففوجئت بالبقال القريب من منزلنا قد اقفل ابواب دكانه.. دهشت لذلك وعندما سألت رجلا من ابناء المحلة عن الامر.. ضحك وقال (ليش وليدي متدري..)
قلت لا..
– قال اسمع وليدي.. اتفق على ان يكون لكل بقال يوم يعطل فيه.. في المحلة.
ويستطرد الشيخ عبد الفتاح راويا:
– اما حكاية عطلة الحلاقين.. فلا اعرف من الذي ابتدعها.
الحلاقون وعطلتهم الموسومة بالتعجب.
لهؤلاء حكاياتهم الجميلة كجمال قصات الشعر.. فقد قال احدهم كما لو كان يسوق طرفة.. ان احد الزبائن قد جاء اليه وكان لا يملك الا شعيرات قليلة على فروة رأسه طالبا منه (تصفيفها) بشكل جيد فما عساني ان أصنع، فعلت كما نقول: داريته..
يضحك ثم يقول (لابد من النزول عند رغبته.. ومثل ما يقولون الزبون دائما على حق).
وكثيرا ما يروى ان الحلاقين هم وعاء اسرار الزبائن خاصة من المشهورين.. ومن ثم خصوصا ايضا مع (حلاقي النساء) او كما يطلق عليهم (مصففي الشعر) وغالبا ما خرج علينا احدهم وهو يروي مذكرات مع اشهر السياسيين او الفنانين.
ولقد كان الفنان الراحل عبد الحليم حافظ وعلى الرغم من وضع (باروكة) في سنواته الاخيرة.. كان يحرص بالمرور على حلاقه الخاص ليستبدلها حسب اخر صيحة او تقليعة في عالم القصات وتسريحات الشعر.
الغريب ايضا.. ان عطلة الحلاقين كان معترفا بها من قبل الجهات الرسمية وتحديدا وزارة الصحة دون وجود (فرمان) لذلك حيث كانت لجان الرقابة الصحية تقوم بجولاتها خلال عطلة يوم الاثنين لضبط المخالف لمن يعمل من هؤلاء.. وفي هذا المجال يروى ان احد الحلاقين قد فتح ابواب دكانه وبدأ بوضع الصابون على وجه احد الزبائن.. حتى سمع حركة قريبة من دكانه.. فطلب من زبونه الاختباء تحت الاريكة . وحين دخولهم سألوه.. لماذا يتجاوز التعليمات فقال لهم انه قد جاء لاخذ بعض الحاجيات التي نسيها ليلة امس.. الا ان احد اعضاء اللجنة وبطريقة عفوية رفع قماش الاريكة ليرى الرجل تحتها فقال له .. (وهذا ما تقول عنه)؟
اجاب الحلاق : (عفوا.. لقد تركته يتخمر لصباح الغد).
واحيانا يصبح حلاق المحلة (حكواتي) .. وفي احيان اخرى يكون (فاضح اسرار) وفي مرات يصبح فضوليا..
لكن الاغرب ان عادة الثرثرة التي اتصف بها الحلاق.. قد غابت في الاونة الاخيرة.. بل اصبح الزبون هو الثرثار والحلاق صامت… عجيبة والله.








