حوارات وتحقيقات

أرض السواد … تعاني الجفاف والتصحر .. وتستورد الفواكه والخضار

تحقيق : بهاءعبد الصاحب كريم

 

 

العراق يعاني من قلة الانتاج الزراعي و مسؤولو الدولة غير منتبهين.

المهندس الزراعي (ايمن فاروق) يقول :

العراق اليوم يعاني من مشكلة كبيرة لم ينبته لها المسؤولون، وهي قلة المنتوج المحلي من المحاصيل وازدياد المحاصيل المستوردة . واصبحنا الان تحت رحمة الدول المصدرة لنا. هذه المحاصيل اي اذا حصلت اي ازمة او مشاكل مع هذه الدول وتوقف الاستيراد منها نصبح تحت رحمتها اي ترتفع المحاصيل الزراعية الى اسعار خيالية تنافس اسعار الذهب والنفط في البورصات العالمية، وخير دليل ما حدث من خلال توقف الصادرات الزراعية السورية بسبب الوضع الراهن في سوريا الذي ادى الى ارتفاع اسعر الخضار الى ارقام كبيرة، على سبيل المثال (ارتفع سعر كيلو البصل الذي كان سعره (250) دينارا ووصل الى (2500)  دينار) . هنا تكمن المشكلة، وهي عدم وجود سياسة زراعية صحيحة في العراق تدعم الفلاح وتحسن واقع الانتاج، وكذلك يوجد الآلاف من خريجي كلية الزراعة عاطلين عن العمل، لم تقم الدولة باستثمار طاقاتهم وخبراتهم للعمل في المجال الزراعي ، وكذلك تحول الكثير من الاراضي الزراعية الى اراضٍ سكنية، وقلة مناسيب مياه الامطار، كل ذلك ادى  الى تراجع الواقع الزراعي في العراق . 

 

انتاج الرز في العراق يعاني من قلة توفر المياه .

(ناصر ابو مجيد) فلاح يقول :

نحن المزارعون المختصون في مجال زراعة الشلب (الرز) اصبحنا نعاني كثيرا كما يعاني باقي المزارعين، حيث تعتمد زراعة الرز على توفر المياه بشكل كبير اما الان فنحن نعاني من شحة المياه وكذلك من خلال جدول فترات التزود بالحصة المائية وفي اغلب الاحيان يتم التجاوز على هذه الحصص من قبل مزارعين اخرين، وان غلاء البذور وكذلك اسعار شراء المحاصيل من قبل الدولة لا تلبي الطموح والتعب مما اضطر اكثر المزارعين عن ترك عملهم، امنياتنا ان تلتفت الدولة الى واقع الزراعة والمزارعين .

غلاء الفواكه والخضار يؤذي العوائل الفقيرة.

وخلال تجوالنا في احد اسواق بغداد الشعبية/ سوق الشرطة الرابعة بجانب الكرخ حيث رأينا امرأة مسنة تلبس الزي العراقي الجميل العباءة النسائية وتحمل كيسين كبيرين (علاكة ) وتترنح من ثقلهما وتحاول ان تتفادى اكوام النفايات المنتشرة على حافة الطريق فتتمشى وتتوقف فقمت بسؤالها وتقديم المساعدة في حمل هذه الاكياس فقلت لها ماذا اشتريتي من السوق (حجيه) فأجابت قائلة : اشتريت خيرا من الله، الخضار والفواكه، ولكن غلاء الاسعار بشكل كبير يسبب لنا نحن العوائل ذات الدخل المحدود هموما ومشاكل، وفي بعض الاحيان نحرم من بعض الفواكه والخضار لغلاء اسعارها . وانا بهذا العمر الكبير لو قال لي شخص قبل خمسين او اربعين سنة ان العراق سوف يستورد (الطماطة والخيار والبصل) لقلت ان هذا الشخص مجنون ، ولكن الان بدأنا نشاهد كل شيء مستورد . الى متى نبقى نحن نستورد الفواكه والخضار ونحن ارض الزراعة والبساتين .

اعددنا خطة خمسية للاكتفاء الزراعي وتصدير الفائض.

( ع . ن ) مهندس في وزارة الزراعة يقول :

اطلقت وزارة الزراعة خطة خمسية للقيام بتصدير المحاصيل الاستراتيجية اعتبارا من عام (2012) وحاليا العراق مكتفٍ ذاتيا تقريبا من الكثير من المحاصيل الزراعية، الفواكه والخضار، باستثناء الفواكه التي لا تزرع محليا . وتقوم الوزارة حاليا بتنفيذ مشاريع مهمة منها استخدام تقنيات الري الحديثة التي تم استيرادها من الخارج وتوزيعها على الفلاحين باسعار مدعومة ، وان هذه المشاريع في حال اكتمالها ستحول العراق الى دولة مصدرة للمحاصيل الزراعية . وخلال المراحل الاولى من تطبيق هذه الخطة حققت نتائج كبيرة في رفع الانتاج الزراعي في العراق الى نسب جيدة وتبشر بالخير بعد ان كان الانتاج فيها شبه معدوم ، حيث ارتفع الانتاج المحلي للحنطة تقريبا الى (55%) بعد ان كانت نسبة الانتاج قليلة جدا وكذلك زيادة في انتاج اللحوم الحمراء والبيضاء وبيض المائدة. كل هذه انجازات اخرى ولكنها تستحق الذكر لانها مرتبطة بالمجال الزراعي ، وكذلك نسعى لزيادة انتاج الشلب الى اكثر من (50%) حيث ان الخطة المرسومة هو انتاج اكثر من ( 3) ملايين طن من الحنطة . اما ما تقوم به مختبرات الوزارة من خلال البحوث التي اجرتها وباستخدام طرق (علم الوراثة ) فقد حصلنا على بذور تتحمل الملوحة في التربة بالنسبة للحنطة والذرة والشلب وقلة استهلاكها للماء . اما الخطة التي انطلقت في بداية عام (2012) فهي تسعى لتغطية (70%) من حاجة العراق الزراعية من الحنطة المحلية ، وكذلك تم توزيع اكثر من (10) الاف بيت بلاستيكي على المزارعين والفلاحين . اما في مجال مشكلة تحويل قطع الاراضي الزراعية الى اراضٍ سكنية فهذا ترفضه وزارة الزراعة رفضا قاطعا ولا تقبل نهائيا  بتحويل البساتين والمزارع الى اراضٍ سكنية . ندعو الدولة والوزارات المختصة ومجالس المحافظات الى منع هذه الظاهرة التي بدأت بالانتشار والتسارع مما سيؤدي الى اختفاء الاراضي الصالحة للزراعة في المدى القريب .

اسعار الفواكه والخضار العراقية اغلى من المستوردة

(علي حسين ) موظف يقول :

سعر الطماطة (1000) دينار والباذنجان (1000) دينار رغم انه انتاج محلي والخيار العراقي (1250) حيث ان اقل شراء يومي للخضار (المسواك) لا يقل عن (10000) دينار ، هذا يضاف الى  مصاريف الاشتراك بخط المولدة والكهرباء والايجار بالنسبة للموظف الذي لايملك دار سكن، فبالتأكيد ان الموظف صاحب الدخل المحدود لا يستطيع تلبية احتياجات افراد عائلته . أتساءل اين خطة الزراعة في العراق، واين القروض والاموال التي منحت للمزارعين من اجل الزراعة؟؟ .

هناك مركزان مهمان في بغداد لبيع الفواكه والخضار.

(عمار ابو عبدالله ) صاحب مكتب لبيع الفواكه والخضار في علوة الرشيد :

يوجد في بغداد مركزان رئيسيان لبيع الفواكه والخضار، ويعتبران المركز التجاري لجملة الفواكه والخضار، هما علوة جميلة في جانب الرصافة وعلوة الرشيد في جانب الكرخ بالاضافة الى علوة التاجي . كانت هذه الاسواق تعتمد سابقا على ما يضخه الفلاح العراقي من المنتجات الزراعية (الفواكه والخضار ) . وبعد عام (2003) بدأت تدخل الى الاسواق العراقية، المنتجات الزراعية التي حرم منها العراق لفترة من الزمن كالتفاح والموز وغيرها من الفواكه وباسعار لا تتجاوز الـ (1000) دينار للكيلو غرام الواحد، والتي اصبحت تنافس المحصول المحلي . وما حدث من تصحر وجفاف وقلة مناسيب الانهار ادى الى عزوف الكثير من المزارعين عن الزراعة وكذلك تحويل الكثير من الاراضي الزراعية الخصبة الى مناطق سكنية . والشيء الذي يحز بالنفس ويدمع العيون هو اننا نستورد الخضار من الاردن والسعودية اللتين لا تمتلكان انهارا كما موجودة في العراق، ولكن تمتلكان تخطيطا زراعيا على مستوى عالٍ ،واستخدام طرق الري الحديث بينما نحن مازلنا نستخدم الانظمة الزراعية القديمة .   

ازمة المياه وهجرة سكان الريف هي من الاسباب المهمة التي ادت الى اهمال الزراعة.

وتحدث المهندس  الزراعي في وزارة الموارد المائية الذي لم يذكر اسمه وقال :

يعاني العراق من مشكلة وازمة حقيقية وهي شحة المياه مما ادى الى هجرة سكان الريف الى المدن حيث ترك الالاف من سكان الريف مناطق سكناهم وتوجهوا نحو المدن وتركوا مهنة الزراعة وانخرطوا باعمال اخرى، ويعاني نظام ادارة الموارد في العراق من اثار الحروب والعقوبات التي جرنا اليها النظام السابق على مدى ثلاثة عقود، وكذلك الاهمال الكبير والواضح في البنى التحتية، ورغم الجهود التي تبذلها الدولة من اجل توفير الماء حيث يوجد اكثر من ربع سكان العراق يستخدمون حاليا المياه من مصادر غير مؤمنة للشرب ، اضافة الى تقارير الامم المتحدة وتحذيرها من احتمال نضوب وجفاف نهري دجلة والفرات نضوبا تاما بحلول عام (2040) بسبب التغيرات المناخية وارتفاع نسبة الحرارة وانخفاض معدلات تجهيز المياه من المصدر (تركيا وسوريا وايران ) وزيادة الاستخدام المنزلي والصناعي للمياه ، وان نسبة مياه نهر الفرات قليلة جدا ولا تكفي لسد حاجة العراق، ومن المتوقع ان لا تكفي هذه الكمية للزراعة في المستقبل القريب . اما من ناحية السدود فهي كذلك تعاني من قلة المياه بسبب قلة مياه الامطار وقلة مناسيب الانهار وكل ذلك ادى الى قلة الزراعة وضعف الانتاج في المحاصيل وعزوف الكثير من الفلاحين عن الزراعة بسبب دخوله للعمل في مجال العقارات والتجارة . 

كثير من الاراضي الزراعية اصبحت مناطق سكنية

المحامية (ايمان رعد الطائي) يقول :

خلال متابعتي للزراعة في العراق كوني لدي اقرباء يعملون في زراعة المحاصيل الزراعية ومناقشتنا لمشاكلهم وهمومهم وشاهدت الكثير من هؤلاء الذين يعملون في الزراعة قد تخلوا عن الزراعة بشكل  نهائي حيث تم تحويل اراضيهم الى اراضي سكنية او معامل صناعية التي تجلب لهم ارباح اضعاف ما يحصلون عليه من الزراعة . وكذلك عدم وجود الرقابة والمتابعة من قبل الدولة على الفلاحين المستفيدين من الاقتراض الحاصلين على (القروض الزراعية )، حيث يقوم هؤلاء الفلاحون باخذ مبلغ القرض، ويقومون بشراء احدث السيارات، واصبحوا يعملون (سواق كيا او سواق حمل او اجرة) او يقومون بفتح محلات كبيرة (سوبر ماركت) تدر عليهم مبالغ كبيرة ومنها يقومون بتسديد اقساط القروض، وكل هذا موجود ونحن لم نشاهد الحكومة والمصرف ووزارة الزراعة قد حركت ساكنا للقيام باعمال رادعة بحق هؤلاء ، ولم نر مجالس المحافظات تقوم بإجراءات منع فرز قطع الاراضي الزراعية وتحويلها الى اراضٍ سكنية، حيث نعاني من فوضى كبيرة، نتمنى ان نجد الحلول السريعة والبدائل للفلاحين، وكذلك القيام بدعمهم بالبذور ومعدات الري الحديثة .

 

الفلاح (ابو منصور ) يقول :

نحن كفلاحين ونملك خبرة في مجال الزراعة يجب علينا ان نوصل اصواتنا للمسؤولين والوزارات المختصة ويجب علينا ان نقوم بدعم المحاصيل التي تزرع في العراق بصورة كبيرة ،اي نستخدم مبدأ التخصص في الانتاج، حيث نقوم بزراعة المحاصيل الزراعية كالطماطة والبطاطا والخيار والباميا والباذنجان وغيرها وزراعة الحنطة والشعير والاذرة والشلب ودعم وتكثير زراعة النخيل وانتاج التمور والحمضيات والرمان لان ارضنا خصبة بزراعة مثل هذه المحاصيل وكمية الانتاج فيها كبيرة جدا ،ومن ثم نستطيع تصدير الفائض منها وكذلك ندعو ان تقوم الوزارة بدعمنا بالبذور وبمعدات الري الحديثة كمرشات التنقيط وغيرها .

 

نتسلح بالخبرة والثقافة العلمية لكننا عاطلون ومهمشون. 

(سلام حيدر) خريج كلية الزراعة يقول :

تخرجنا من كلية الزراعة واصبحنا عاطلين عن العمل، وذلك لقلة وجود الوضائف وانحسار تخصصنا، حيث لا تقبل جميع الوزارات باختصاصنا كون المتخرج من كلية الزراعة والحاصل على بكالوريوس زراعة او هندسة زراعة يجب عليه ان يعمل في وزارة الزراعة وبعض الوزارات التي تقبل باختصاصنا . نحن كشباب طموحين ونمتلك الثقافة العلمية في مجال الزراعة والتربة نرجو من الحكومة العراقية ان تقوم باستغلال الاراضي الجرداء الشاسعة على طول خارطة العراق من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه ، حيث نتمنى ان تقوم الحكومة بمنح اراضٍ لخريجي كليات الزراعة، كل متخرج حسب محافظته التي يسكن فيها ، حيث يقوم الخريج بتصميم مشروعه على هذه الاراضي ، ويقوم  بزراعتها او اقامة مشروع تربية الدواجن وبيض المائدة او تربية الحيوانات كلابقار والاغنام او اقامة مشاريع تعليب التمور وغيرها . وهذه الاراضي تبقى تابعة للدولة ،لكن المتخرج المستفيد يقوم بمجهوده وخبرته في مجال الزراعة ، وعلى الدولة ان توفر له البذور ومعدات الري والزراعة وتقوم بوضع جدول زمني للحصول على الانتاج، وبذلك نكون قد حصلنا على مكاسب كبيرة مهمة للدولة منها القضاء على البطالة من خلال تشغيل الايدي العاملة ، وكذلك القضاء على مشكلة التصحر وجعل العراق عبارة عن بساتين ومزارع جميلة تدر بالمحاصيل الزراعية والاكتفاء الذاتي وتصدير الفائض الى الخارج وكذلك رفد الميزانية الاتحادية من خلال ما يرد من اموال جراء تصدير هذه المحاصيل وعدم استيرادها وكذلك القضاء على مشكلة الهجرة من الارياف . كل هذه الامور بسيطة وليست معقدة ولكن تحتاج الى ارادة وخطة مدروسة .

وفي الختام ….. عانى العراق خلال اكثر من ثلاثة عقود من سياسة زراعية غير مدروسة ادت الى تراجعه  في مجال الزراعة، بعد ان كان من البلدان المتقدمة في هذا المجال في خمسينات وستينات وسبعينات القرن المنصرم . ولكن ما حصل من حروب وحصار اقتصادي ومحاربة ابناء المحافظات الجنوبية من خلال سياسة تجفيف الاهوار ادى الى هجرة الكثير من العاملين في مجال الزراعة وزحفهم نحو المدن للعمل في مجال اخر غير الزراعة . وبعد عام (2003) لم يتغير شيء في مجال الزراعة بل بدأ بالتراجع الى الوراء بصورة اكبر مما كانت عليه قبل عام 2003 حيث اصبح العراق مستوردا للفواكه والخضار بعد ان كان مصدرا ومكتفيا ذاتيا وبعد ان كان منتجا اصبح مستهلكا ، وبعد ان كان النظام سابقا يستخدم سياسة تجفيف الاهوار اصبحت اليوم دول الجوار(تركيا وسوريا وايران) تقوم بهذا العمل من خلال القيام بعملية تقليل حصة العراق المائية وكذلك قطع منابع المياه بل ووصل الحال الى تجفيف انهار بالكامل  . كل ذلك ادى الى زيادة حالة التصحر وقلة مناسيب الانهار واندثار الكثير من المزارع والبساتين بسبب شحة المياه والعمليات العسكرية، اما الان فبدأت ظاهرة جديدة وتعتبر من اخطر حالات القضاء على الزراعة وهي متغاضٍ عنها من قبل الحكومة والجهات المختصة الا وهي تحويل جنس الارض من زراعي الى سكني . حيث يقوم مالك المزرعة او البستان بفرز المزرعة الى قطع اراضٍ وبيعها وهذا ادى الى اختفاء العشرات من المزارع والبساتين في بغداد والمحافظات . اما في اواخر عام (2009) فبدأت الحكومة بوضع سياسة زراعية للنهوض بواقع زراعي متطور يواكب ما يحصل في العالم من خلال استخدام معدات الري الحديثة واستخدام الهندسة الوراثية في مجال تحسين البذور المقاومة للظروف الجوية والبيئة وكل هذه الخطط والسياسات الزراعية نتمنى ان تطبق بشكل اوسع واسرع للنهوض بواقع زراعي يعيد العراق الى مكانته المتقدمة في مجال الزراعة وتحويله من بلد مستورد مستهلك الى بلد منتج مصدر.

قد يهمك أيضاً