تحقيق /ضحى المفتي
الزواج كما نعرفه هو سنة الحياة ورابط مقدس بين رجل وامرأة، فيه بداية حياة جديدة وبناء أسرة واستقلالية وتحمل مسؤولية وانجاب أبناء ونمو ومشاركة في الحياة الاجتماعية ومصير ووو الخ ،وهذا كله أمر طبيعي عرف منذ بدء الخليقة بان مصير الفتاة أو الشاب هو الارتباط الشرعي عند الوصول الى مرحلة النضج، ورغم تزايد حالات الزواج المبكر أي قبل سن النضج الكافي لتحمل المسؤولية الا اننا نرى في الوقت نفسه انتشار حالات بدأت بالتزايد أيضا وهي عزوف الشباب والفتيات عن الزواج رغم بلوغهم السن المناسب للزواج، وقد اصبحت اشبه بظاهرة نرى الكثير منها ونسمع الاكثر عنها واكبت التغيرات الكبيرة في انماط الحياة وتطورها وماطرأ من مستجدات سواء كانت تلك التغيرات و المستجدات ايجابية تعمل على النهوض بالمجتمع او تتسبب بفشله وتدمير بنائه واسسه وقيمه وماافرزته تلك المتغيرات من سوء في الحالة المادية او النفسبة او الاجتماعية، وربما هناك من تتوفر لديه المقدرة على تامين المتطلبات اللازمة للزواج مع وجود شخص مؤهل للزواج يطلب الارتباط بفتاة الا انه يجابه بالرفض،وهذا مااستفزني وجعلني اخوض في الاسباب التي تقف وراء هذا الامتناع والرفض خصوصا عند الفتيات لان المتعارف عليه ان مصير كل بنت الزواج، وهو تحقيق لحلم طالما حلمت به وعاشت قصته في خيالها منذ طفولتها، لكن السؤال الان ماذا حصل ليتبدد الحلم لدى بعض الفتيات ويصبح كابوسا تنفر منه وتريد ابعاده ؟ من المؤكد ان الحالات الكثيرة لزواجات فاشلة اثرت سلبا في نفسية فتيات اخريات واعطت مردودا عكسيا لرابطة الزواج وغيرت بالتالي معنى المفهوم الحقيقي للارتباط والاستقراراضافة الى كثرة المشاكل وفشل العلاقة الزوجية والتعامل التعسفي من قبل الاب تجاه الام الذي كانت تعيش تفاصيله في اسرتها جعلها تستبعد فكرة الزواج، فضلا عن ادراكها ان الكثير من الشباب يفكرون الان بالارتباط بفتاة لديها وظيفة للاستفادة من راتبها وهذا مايجعلها ترفض الفكرة لانه سيكون عبئا مضافا عليها، ولابد ان تتحمل هي المسؤولية خصوصا اذا لم يكن هو موظفا او لديه دخل ثابت وبالتالي ترفض الزواج عن قناعة بان راتبها هي اولى به، وتستطيع ان تعيش معززة ومكرمة في بيت اهلها دون ان تحتاج الى رجل تضطر معه لتحمل مصاريف اضافية .وهناك من شهدت او سمعت عن خيانة الرجل او الزواج باخرى واثر ذلك في نفسيتها وجعلها تعزف عن الزواج لكي لا تقع هي ايضا ضحية لتلك الخيانات .
وكان لمواكبة التطورات والتغيرات اثر في جعل العديد من الفتيات لايضعن عملية الارتباط والزواج ضمن اولويات تفكيرهن، لانهن وجدن اهدافا اكبر واهم من وجهة نظرهن مثل الاتجاه الى التعليم والثقافة والحصول على شهادات عليا اهلتهن للاعتداد بنفسهن والسفر والتطلع الى ثقافات اخرى والمشاركة بمؤتمرات او دورات وغيرها من الانشطة المهمة التي ملأت فراغهن وغيرت مجرى حياتهن وتفكيرهن، بحيث اصبح الزواج اخر ماتفكر به الفتاة.كذلك الحياة المرفهة والانفتاح والحرية التي تعيشها بعض الفتيات ضمن محيط اسرهن وسهولة الحصول على كل ماتطلب وتتمنى جعلها تمارس حياتها بالطريقة التي تعجبها ووفق مزاجها دون تحمل مسؤولية او الضغط من احد وباي صفة كان خصوصا الزوج، وهذا ماجعلها تعيش سعيدة وحرة لاتفكر بالزواج وقيوده.
تقول صديقتي هالة وعمرها 35 سنة بانها مقتنعة بوضعها، ولاتفكر بالزواج ولاتحتاج لرجل فهي موظفة ولديها سيارة وتعيش وسط اهلها بكرامة وتقدير لاينقصها شيء، فلماذا تترك راحتها واستقرارها لتجلب لها وجع الرأس والمشاكل ؟ .
اما رغد وتعمل في مختبر للتحليلات المرضية باجر يومي وبوجبتي عمل من 8 صباحا الى 8 مساء، كنت اراها منهكة في عملها جدا وتعاطفت معها فاخبرتني ذات يوم بانها ام لطفلين، وزوجها لايعمل يعتمد على ماتحصل عليه من عملها بالمساهمة في مصاريف البيت حيث يعيشون مع اهله، وتدفع مبلغا اضافيا لهم نظير رعاية طفليها اثناء عملها، وزوجها يقضي وقته في المقهى مع اصدقائه، حينها شعرت بالم نحوها لكفاحها وتعبها خصوصا عندما اتصل بها الزوج ليذكرها بطلبه وهو شراء (دشداشة وشحاطة) له فاجابته: لم انسَ وهي تنظر لي نظرة اسى وحسرة، فادركت ماتعانيه تلك الفتاة وقالت لي: طلباته مستمرة، وانا تعبت جدا، وان رفضت يضربني بقسوة واهلي لايتحملوني ومعي طفلان ماذا افعل ؟.
وحدثتني ايمان بانها بدأت تشك في زوجها من كثرة غيابه عن البيت، وتقصيره في المصاريف واختلاقه للمشاكل، وتأكدت بانه تزوج باخرى، ولظروفها الصعبة بعد ان كانت تعمل بعقد تم الاستغناء عن خدماتها، واضطرت للبقاء في الشقة التي يستاجرونها لانها لاتستطيع اعالة نفسها ومع ذلك ازداد تقصيره معها في دفع الايجار او اعطائها مصرفا للبيت وقال لها بالحرف الواحد: اعتمدي على نفسك في تأمين احتياجاتكِ، وباي طريقة كانت !!!.
اما كيلار وهي موظفة بعد تجربة خطوبة فاشلة رفضت طلبات الزواج كرد فعل عن ماعانته من خطيبها قبل الانفصال، اذ بدأ يستغلها ماديا لتتكفل بمصاريف تجهيز لوازم الزواج وغيرها مما اضطرها الى انهاء الخطوبة وفضلت البقاء في بيت اهلها والعناية بوالدتها المريضة ولاتفكر بان تعيد تجربتها السابقة وتخضع ثانية لرجل يستغلها فعزفت عن الزواج وارتضت ماهي عليه .
وهناك بتول مديرة مدرسة تجاوز عمرها الاربعينات، رفضت عددا من طلبات الزواج لقوة شخصيتها وثقتها العالية بنفسها وعدم تقبلها لرأي يفرض عليها ولا تريد الارتباط بشخص خشية الندم لانها تاثرت بفشل زواج اختها وطلاقها وماترتب عليه من مشاكل .
هذه بعض النماذج لعزوف الفتيات عن الزواج, واود ان اذكر بعض الملاحظات البسيطة عن عزوف الشباب عن الزواج او تاخرهم وهي بالتاكيد لها اسباب كالظروف المادية الصعبة وعدم الحصول على فرص عمل والبطالة المنتشرة واثر ذلك على الحالة النفسية والاجتماعية والوضع الامني السيء وعدم الاستقرار وتفكير البعض بالهجرة، اضافة الى ان الشاب ممكن ان يحصل على كل احتياجاته في اشباع غرائزه بكل سهولة ووفرة وفي اي وقت، كل تلك الامور ترسخ لديهم مفهوم عدم الرغبة في الارتباط الشرعي وتحمل مسؤولية الزواج ومتطلباته.
ورغم كل الاسباب التي ذكرناها والتي اسهمت في عزوف البعض من الفتيات والشباب عن الزواج الا انه يبقى الزواج قسمة ونصيبا، كما يسمونه وهو قدر ومصير الاناث والذكور واقامة افضل وامتن شراكة بينهما وتكوين اسرة ومن ثم بناء مجتمع.