تعالت في الاونة الاخيرة بعض الاصوات التي تذم الشعر العامي (الشعبي) ، وتندهش للاهتمام الذي يلاقيه في العراق والمساحة الواسعة التي احتلها ، ولما كانت هذه الاصوات بريئة جدا من اي غرض ادبي الا انها طرحت بعض الاسئلة عن مكانة ودور الشعر العامي (الشعبي) بين المجتمع العراقي خاصة والعربي عامة ، فاننا سنجيبها عن تساؤلاتها تلك.

المجتمع العراقي ليس وحده من بين المجتمعات العربية التي اولت اهتماما بالشعر العامي ، فمجتمعات دول الخليج  العربي ، وكذلك في لبنان وسوريا و

الاردن ، وفي مصر والسودان ،ودول المغرب العربي اولت هذا الشعر اهتماما كبيرا .

داود سلمان الشويلي

واختلفت التسمية بين ( شعر شعبي) ،او (الشعر العامي ) ، او(الزجل) ، او (الشعرالنبطي ) ، وغيره من التسميات.

ولو عدنا الى اللغة العربية ومنشأ اللغة الفصحى في يومنا هذا فاننا نجد انها لهجة من لهجات اللغة العربية التي كانت سائدة في قريش ، كاللهجات الاخرى مثل : لهجة تميم ، و هذيل ، وطي ، وثقيف ، وحمير ، ودوس … الخ.وعندما شكل عثمان بن عفان لجنته لكتابة القران اوصاهم قائلا: (( إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ فَإِنَّمَا….)).

ويقول علماء اللغة: ان اللغة كائن حي ينمو ويتطور ، وفيه خلايا تموت وغيرها تولد ، وقالوا ان كل مئة سنة تتغير الكثير من مفرداتها ، ولما كان هذا حاصل في اللغة ،  فان من مولداتها هذه اللهجات ، فضلا عن التاثيرات الاخرى الداخلية والخارجية في اللغة.

ومن اللهجة هذه ولد الشعر العامي ، خاصة على لسان الناس الاميين اولا ، ثم اخذت الذائقة الابداعية عند  بعض المتعلمين تكتب هذا الشعر ، ومن ثم راح بعض شعرائنا الذين يكتبون الشعر الفصيح يبدعون في هذا اللون ،ثم اختص به شعراء مثقفون ، فانتشر بين العامة والخاصة.

هذا لمحة بسيطة عن الشعر الشعبي وكيف تولد وانتشر.

***

كتب في هذا الشعر شعراء كبار ، ولو عدنا الى سبعينيات القرن الماضي ، هذه السنوات التي برز فيها شعراء عاميون كثار لوجدنا الساحة الشعرية ممتلئة بالكثير منهم ، ومن هؤلاء الشاعر العامي كريم راضي العماري .

تعود معرفتي بالشاعر كريم راضي العماري الى بداية السبعينيات من القرن الماضي ،وهو واحد من الاسماء الشعرية المهمة في ساحة الشعر العامي العراقي ، كالشعراء شاكر السماوي، وعزيز السماوي، وكريم محمد ،وزامل سعيد فتاح ، وعريان سيد خلف ،وكاظم اسماعيل الكاطع، وطارق ياسين ،وابو وليد ،وابو سرحان ، وريسان الخزعلي ،وداود سلمان الشويلي ، وبشير العبودي ،وكاظم الركابي ،وجودت التميمي، وكامل الناصري ،وكاظم خبط ،وغيرهم من الاسماء التي برزت على الساحة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.

وكريم راضي العماري يظل منجزه الشعري شاخصا في الذاكرة الجمعية المحبة لهذا الشعر ما دام هناك شعر عامي يكتب ، وما زال هناك حديث الناس ، مفردات ، وصياغة ريفية قروية لها.

للشاعر مجاميع مطبوعة كثيرة عبر مسيرته الشعرية ،نذكر منها :

1 ـ قلوب نازفة.

2 ـ قصائد دامعة – مشترك.

3 ـ عشق حفاي الصرايف.

4 ـ المعاضد.

5 ـ ثلاثة في سبعة.

الصور الشعرية عند العماري تاخذ لها طابعا سهلا يسيرا ، وتبنى بصورة عادية ، لا تكلف فيها ، ترسم بكلمات مفهومة غير ثقيلة على السامع ،الا انها مليئة بما هو شعري ، ومن صفاتها انها : طرية ،سهلة، تنطوي على شيء من التكثيف الشعري ، حيث يبقى هاجسه الشعري المعنى الذي يريد ان يوصله للمتلقي .

في قصيدة (الحلم) يقول :

* (( شكرا للحلم راوانى اعيونك

او شكرا للحلم بيه كتلك اشلونك

او لمن با الحلم انته ضحكت اوياى

خفت غيرى ابحلم مثلى يشوفونك))

***

وفي قصيدة (ومضة)، ارادها ان تكون شاهدا على الم الوطن ووجعه: 

*(( مرة سالت الوطن

عن سر وجع روحه

كلى اوصلاة النبي

من اهلى مجروحة)).

***

ان اليات الاشتغال الشعري عند العماري تتعدد و تتنوع ، الا انها تمتح من وجدان شعري ينبض بالحياة والامل والحلم ،فها هو يخاطب الاخرى في قصيدة (الى امراة تستحق الشعر) ، بقصيدة تتناثر بها الصور الشعرية الرقيقة ،فيقول :

*((  انتِ اوياى

ما اخاف السما امنتطيح

فوك الكاع

يا اجمل سما با الكون

طيحي ارجوج

او شوفي اشلون

للركبة اصير اذراع

انتِ اوياى)).

انه يرسم الصور الشعرية بكل دقة وشفافية ، الا انها سهلة طيعة ، لا قسر ولا صعوبة فيها.

***

ومن الصور الشعرية الجميلة والمبنية بناء مكثفا  هي التي فيها يتم تحويل ما هو غير ملموس الى ملموس:

يقول في قصيدة ((لا تبجين)):

* (( لا تبجين

بعده المستحى البروح

يشرب حيرة اظنونى

لان كل كلمة بشفافك

دمع مصلوب بعيونى)).

***

وفي ((الابوذية )) فقد اجاد شاعرنا فيها ،وتحمل من الصور الشعرية ما هو مبني بناء جميلا ، ينوء بما تزخر به حياتنا اليومية  :

* (( حبيبي اتغيرت لو حلو بعداك

غزال او تتعب الصايود بعداك

حريق او شح عليه الماى بعداك

تعال اطفي الجمر واستر عليه))

* ((حبيبي ارجوك خل اشبع منهلك

اعرف الصوج مو منك منهلك

شسوى ابدمعتك توكع منهلك

تعال او جيبلى اشفافك هدية))

*(( الشرف مو شرف من ايصير ورقه

الشرف غيره او ضمير او صبر وارقى

يحاكم فدوه للتاريخ ورقه

او تعلم من على سر الحمية))

*((اخاف اكتب قصيدة اعليك وشراك

تجى ننهزم انا اوياك وشراك

انا امنين اجمع الليرات وشراك

اوهلك طلبو ثمن يصعب عليه)).

***

وقد كتب العماري (الدارمي) واجاد فيه ، حيث تاتي الصورة الشعرية فيه سهلة على القاريء لا تكلف بها:

* (( با المغرب وكل يوم عطرك اشمه

وبعدك طفل مفطوم وتوفت امه))

* (( صباح الخير يا اجمل وطن با الكون

بدونك يا وطن نبقى بلايا اعيون))