احمد الشيخ ماجد
لاينتهي الوجع في مدينة الصدر, تلك المدينة التي تتسم بإسماء كثيرة, اطلقت عليها في عهود مضطربة, وكان كل اسم يحصد جملة من شبابها . المدينة التي خرجت منها اجيال يعتبرون وهجاً متلألئاً في سماء الابداع العراقي, وعلى جميع الاصعدة سواء في الفن, أم الادب, أم الشعر, أم السياسة, وماشاكل ذلك. مدينة رأت من الآلام, والهموم مالاتستطيع الاقلام خطه. مدينة يلفها الحزن الشفيف الذي يفصم الظهر وينهك القوى . مدينة تعني ان ساكنيها هم الفقراء الذين لايجدون قوت يومهم . مدينة هي تعد نكهة بغداد، ووجهها الجميل من قبل الزائر الجنوبي.. لاتجد بداً من بث الحسرة تلو الاخرى, عندما تجوب شوارعها, وازقتها الضيقة التي تذكّرك بالزعيم, وكذلك تذكر الناس الرائعين الذين يسكنون هذه المدينة, وخصوصاً “الشياب” الذين اذا تكلم احدهم كلمة واحدة, تقدر هذه الكلمة ان تخلق البهجة على وجه الثكلى. ابناء المدينة كبيرون بعطائهم, قدموا لهذا الوطن الكثير, لكنهم مع الاسف بعد التغيير وجدناهم على حافة الطريق امام المدن الاخرى!. ترى شوارعها التي لاتعرف النظافة, ودوائرها المكتظة بالناس. تتساءل: هل من المعقول ان تقابل هكذا مدينة لها أرث كبير في التضحيات بهذا الإهمال المجحف؟ وهل هذا يعد حقدا تاريخيا على هذه المدينة المنكوبة؟ اسئلة كثيرة لعلها توّلد لديك الانفجار, وابداء الاراء التي لايقبلها الكثير, وربما تتهم “بالعنصرية” و “المحسوبية” . كنت قد رأيت رجلا كبيرا في السن, وكان متذمرا ويشكو لي عن فضاضة وجشع الموظفين في دائرة نفوس الصدر, والزحام تحت حرارة الشمس اللاهبة, وكان فحوى كلامه: انني راجعت دوائر بغداد في اماكن عدة, وكانت جميلة. لكن هنا الدوائر تبعث على البكاء, وانهى كلامه:(احنه فقرة مو مثل ذيج الوادم!) الحديث عن هذه المدينة, حديث محزن, وذو شجون, ولا اريد التكلم عن جميع معاناتها, لانها لاتكفي لمقال او مقالين, وانما اخترت الحديث عن مستشفى الصدر فيها (القادسية سابقاً) هذا المستشفى البائس, الذي ليس للمرضى, وانما للموتى فقط! تنسى كل شيء عند دخولك الى هذا المشفى, لاتلوح لكَ مصائب المرضى وفجائعهم, وتذهب من امامك المناظر المخيفة وتبقى تردّد (اللهم الصحة والعافية) في سبيل ان لاتأتي مرغماً الى هذا المستشفى . رائحة مقرفة, وقذارة في كل اماكنه, وكذلك اطباء نصفهم اغبياء, لايعبؤون اذا مات المريض, خصوصاً اذا كان جيبه خاوياً وفارغاً, وليس له واسطات. لا أدري هل تعلم وزارة الصحة ان ليس كل من وضع امام اسمه (د) فهو دكتور. وإنما من الممكن ان يكون “دثو” لايفقه شيئاً! و “ديناصور” يفتك بالناس ويجرم بمرضاهم!. قبل ايام جٌرحت امرأة بسكين, وكان من سوء حظها وحظ “الخلفوها” ان تساق الى مستشفى الصدر, وقام احد الاطباء بواجباته, وحاول ان يقوم بخياطة الجرح حتى يلتئم, وصادف ان هذا الجرح قد التهب, وذهبوا بها الى مستشفى حديث في بغداد, فيه اطباء حقيقيين, عندما رأى الطبيب يديها. قال بتهكم: “منو خيطج؟ دكتور لو بنجرجي” ونسي هذا الدكتور ان “الواسطات” الآن تجعل من “الثور دكتور!” وهذا “الثور” ليس له مكان في مستشفيات مناطق بغداد, إلا ان يأتوا به الى هذه المنطقة المنكوبة, ليسلب من الناس عافيتهم بعد ماكانوا يسألونه الصحة!. وبعد كل مايراه المريض من معاناة, وهو يكابد المرض وشدته, يذهب الى مستشفى الصدر, ليتفاقم الألم عليه بسبب عدم الاكتراث بالمريض, وكذلك اجواء لاتصلح ان تكون للانسان السليم . فكيف السقيم!؟. هل سيأتي يوم, ويزور هذا المشفى وزير الصحة؟ ويرى بام عينيه هذه الاحداث المبكية؟ ام ان هذا بعيد لان هذه المنطقة محاربة في كل العقود, وفي ظل جميع الحكومات!؟. هل انتبه احد من المسؤولين وقال ماجريرة مرضى هذه المدينة ليعاقبوهم في هكذا مكان سخيف؟ فهذا المكان ليس سبيلاً للشفاء, وإنما طريق للموت!!








