حميد الحريزي
دراسة في طبيعة الشعر والشاعر/ الجزء الاول
من هو عبد الحسين أبو شبع ؟
– هو عبد الحسين حسن ناصر إبراهيم أبو شبع .
– ولد في مدينة النجف – طرف الحويش – في عام 1912 .
– ينتسب لعائلة كادحة فقيرة ووالده يعمل بالحياكة أو الطين.
– يقرأ ويكتب –
– متزوج وله عدد من الأولاد والبنات .
– توفي مسموما في 29\1\1980 في عهد سلطة الدكتاتور صدام حسين.
ونحن نكتب عن الشاعر الشهيد عبد الحسين أبو شبع لا نريد أن نتطفل على لغة النقد الشعرية لذوي الاختصاص في الشؤون الفنية والأدبية وخصوصا الشعر وإنما جل ما نتوخاه أن نقرع أجراس الذاكرة النجفية لتوقظ في ذوات معاني الوفاء للرموز الوطنية في مختلف مجالات ومسارب كفاح الإنسان من اجل بناء مستقبل أفضل لأبناء وطنه وأبناء جنسه , وخصوصا عندما يتميز هذا الرمز بأكثر من صفة وأسلوب في مجرى هذا الكفاح الوطني الإنساني عندما يكون هو المناضل السياسي مقتحم حصون الظلم والاستغلال باللافتة والتظاهرة والتوعية كما هو حامل راية النضال الابقى والأمضى بقوة وغزارة وعمق إنتاجه الشعري معبرا أفضل وأجمل وأكمل تعبير عن هموم وطنه ومواطنيه وممزقا أقنعة زيف وجوه الاستغلال والقهر ودك أستارها مهما عظمت . وكما يقول هيغل عن الشعر مفرقا ومميزا إياه عن العمارة والنحت والرسم باعتباره يصوغ خلجات الروح الإنسانية من بحر كلمات اللغة المنغمة دون الاستعانة بالإشكال الخارجية حيث يقول (قوة الخلق الشعري تكمن في صياغة الشعر للمضمون داخليا دونما استعانة بأشكال خارجية أو بتعاقب من الأنغام وهو بعمله هذا يحول الموضوعية الخارجية إلى موضوعية داخلية يظهرها الروح برسم التمثيل في الشكل عينه الذي تكون عليه هذه الموضوعية ويتحتم أن تكون عليه في الروح).
ومن هو الشاعر فهل هو ذلك المجنون مسلوب العقل كشرط ليهذي شعرا حيث يقول أفلاطون (الشاعر في الحقيقة شيء خفيف كالأثير مجنح ومقدس لا يستطيع أن ينظم ليستحق اسم الشعر دون أن يكون ملهما أو مجنونا أو أذا بقي في رأسه عقل إطلاقا , فبينما يحتفظ الإنسان في رأسه بأي جزء مما يسمى عقلا لا يستطيع أن يبدع شعرا أو يقدم نبوءات)
أم إن الشاعر هو ذات فاعلة ومنفعلة تتكثف في ذاتها الخصائص الفيزيولوجية الخاصة بالفرد بالإضافة إلى الظروف الاجتماعية والبيئية التي يعيشها حيث يحيى بحالة من الصراع ضمن واقعه الحياتي المعاش كي يولد الشعر وكما ذكر ذلك د.نوري جعفر عندما يتحدث عن مخاض الإبداع فيقول (هو حالة خاصة من الصراع الحاسم الذي يحصل بين المجاري المخية التي تحمل الفكرة الجديدة أو الصورة الشعرية لتقذف بها خارج المخ وبين المجاري المخية الأخرى التي تحاول الاحتفاظ بها على نسق الصراع الذي يحدث بين مسارب دفع الجنين إلى خارج الرحم وبين التي تحاول الاحتفاظ به) (وعندما يستكمل المولود الفكري الجديد الفكرة العلمية أو الصورة الشعرية بالطبع مستلزمات وجودها المستقل فانه يرى النور في اللحظة الحاسمة بشكل حتمي لأمراء فيه تماما كما هي الحالة في الجنين) .
وبذلك فان الشعر لا يمكن أن يوصف بالجنون أو فقدان العقل وإنما هو ظاهرة مادية ذات ميزات خاصة يتصف بها بعض الأفراد دون غيرهم معبرين عن ذلك بكلمات ذات دلالات مقصودة تحمل تاريخ تطورها ضمن وضع اجتماعي تاريخي محدد وكما يقول كلودويل واصفا الكلمات في عصرنا الراهن الكلمات هو نقود السوق الإيديولوجية للبشر) .
وان أداة هذا الكلمات كما يرى العلامة نوري جعفر حيث يقول (إن القشرة المخية التي هي الأداة الجسمية للفكر أو عضو التفكير بجميع مستوياته وبخاصة الأصيل منه تقوم إثناء ممارستها عمله اليومي المعتاد وإثناء الابتكار في مجال العلم أو الفن بعمليتين متكاملتين متلاحمتين ومتميزتين متنافرتين في إن واحد هما عملية الإثارة وعملية الكف) .
ويؤكد إن ما يميز الفنانين (تتطلب عندهم المنظومة الاشارية الأولى (أو الحسية) على المنظومة الاشارية الثانية (أو اللغوية) وتتطلب الأقسام الدماغية الواقعة تحت المخ (المسؤولة عن المشاعر) على المخ (عضو التفكير) (وكلما ازداد مقدار النشاط المخي الحسي عند هذا الفنان أو ذاك أصبح أكثر براعة وأرقى).
فما أعظم مقدار النشاط المخي الحسي كما نلمسه من جمالية وعمق ودقة صور وغزارة إنتاج شاعرنا الشهيد وكما يروي لنا الأخ أبو نبيل ابن أخ الشاعر بأنه بدأ يقول الشعر في سن السابعة أو السادسة من عمره وكما يقول انه يفضل أن لا يتحدث إلا شعرا . هذا من الناحية البايلوجية للشاعر ……… إما من الناحية البيئية والاجتماعية للشاعر , إن اغلب من يحيط به من أفراد أسرته هم من الشعراء أو ممن يتعاطون الشعر وبهذا الخصوص فان هناك ما يلفت النظر إن العديد من الشعراء ومن ذوي النزعات الثورية هم من الحرفيين الصغار – الحياك – حيث إن العديد من البو شبع وهم أصلا من عشيرة بني كلاب كانوا يمتهنون الحياكة مما نتج من ذلك بالإضافة إلى عيشة الكفاح التي يحياها الحائك فانه يعاني من الاضطهاد والنظرة الدونية في ظل العلاقات الاجتماعية الإقطاعية وشبه الإقطاعية السائدة آنذاك للكثير من الحرف والمهن اليدوية وخصوصا مهنة الحائك والبقال وبائع الخضر (الحساوي) وبائع اللبن (ألمعيدي) باعتبارهم من المعادن الخسيسة في حين يرون إن المفكرين والفلاسفة من التنابلة الطفيليين الذين يعيشون من جهد وعرق العاملين من المعادن النفيسة هذه الرؤيا الأفلاطونية الموروثة من عصر العبيد .
إن لهذه المهنة (الحياكة) بالذات خصوصية انفراد الحائك بنفسه منعزلا عن الآخرين وهو يمارس مهنته بالإضافة إلى ما تتميز به من حركة إيقاعية لأيدي وأرجل وحتى رأس الحائك وأدواته في حالة النسج والعمل فكأن هذا العمل الإيقاعي الموزون يمر عبر عملية مخية معقدة يتميز بها الإنسان إلى لغة مقفاة موزونة تكثف مشاعر ومشاهدات وانفعالات الشاعر لتولد القصيدة كما نرى وكما يذكر يوري فرولوف (خلال عملية الشغل يغير الإنسان الطبيعة كما يغير ويطور نفسه في نفس الوقت).
بالإضافة إلى البيئة الاستفزازية التي عاش فيها الشاعر بين حالة من التضور عطشا في مركز المدينة النجف المحيطة بالضريح الشريف للإمام علي (ع) حيث كان النجفيون يعتمدون في ذلك الوقت على المياه المستخرجة من الآبار البالغ عمقها أكثر من خمسة أو سبعة عشر مترا يخرج ماء مالح لا يصلح لغير غسل الأواني وبعض الشؤون المنزلية الأخرى والمياه الموردة للنجف عن طريق السقاية المحمولة على ظهر الحيوانات والذي لا يتمتع به سوى الأثرياء وان للنجف قصصا طويلة في وصف هذه المهانات كما ذكر المؤرخ حسن الاسدي (كانت على الدوام في أزمات ماء خانقة ومستمرة يشرب الأغنياء خلالها الماء مما يجلب من الكوفة بكلفة غالية وكان الله في عون الفقراء) في حين تعاني مدينة الكوفة التي لاتبعد إلا بعض الكيلومترات عن مركز النجف من حالة طغيان نهر الفرات العذب والذي تردد إليها الشاعر مع عمه ومتبنيه الشيخ إبراهيم أبو شبع والد ومصدر ما نرويه بخصوص الشاعر جميل الشيخ إبراهيم أبو شبع أبو نبيل ابن عم الشاعر . والتنافر الشديد بين وصف هندسة ومعمار درابين وأزقة مدينة النجف في أطرافها الأربعة وكأنها صممت كمتاهة لمن لم يعتد عليها وذلك لأسباب أمنية بالدرجة الأولى وكمصدات طبيعية للبشر الغازي والريح اللاهب العاصف الصحراوي المحيط بالمدينة. على خلاف من انفتاح وفسحة الرياض والبساتين والاهوار والمزارع الممتدة بامتداد الأفق في الكوفة وابوصخير من ناحية الشرق والجنوب ولا نهائية الصحراء من جهة الغرب والشمال , كذلك حالة الفوارق الطبقية الصارخة تنتج عنه حالة الشبع حد التخمة (والشبع جوعا) لابو شبع حيث يتنعم فئة التجار والإقطاعيين والمرابيين وسماسرة الاستعمار التركي والبريطاني بالجاه والسلطة والمال في الوقت نفسه تعاني أغلبية السواد ألنجفي من الجوع والحرمان والبطالة والأمية والمرض وخصوصا على اثر ما تتعرض له المدينة من المحاصرة والفتك بأهلها لأكثر من مرة من قبل غزو المستعمرين الأتراك والانكليز والوهابيين وغزو المرض الفتاك نتيجة لتردي الوضع الصحي والمعاشي للأغلبية الساحقة من سكان المدينة .
وان ما أعطى المدينة ميزة خاصة هو وجود ضريح الإمام علي (ع) (الذي أقام له الرشيد بناية من الطين عام 786 م وفي عام 902 م بنى محمد بن زيد أول قبة محترمة على القبر وفي عام 978 م أشاد عضو الدولة البويهية أعظم وأفخم عمارة بنيت إلى ذلك اليوم . وفي عام 1354 م احترقت عمارة المرقد فأعيد بناؤه من قبل الايلخانيين وقد أصلحها الشاه عباس الأول عام 1354 م .
كان البويهيون في القرن الرابع الهجري أول من أسس قواعد المرقد الشريف وشيدوا المساجد بجواره لمن أقاموا هناك في عام 1743 م تم تذهيب قبة المرقد العلوي . وذلك من قبل نادر شاه الذي زار النجف فأمر بذلك ووضع في الخزانة العلوية تحفا غالية). وما لهذا الضريح من حب وقدسية بين الشيعة في العراق والعالم الإسلامي فالبس المدينة ثوبا من القداسة الدينية طوال تاريخها وللان فأصبح قطب جذب للشخصيات الدينية من مختلف القوميات والأعراق لمجاورته وخصوصا الإيرانيين وغالبا ما يكونون من علماء الدين الشيعة المتنورين الذين يهربون من الملاحقة والمضايقة والاضطهاد من قبل السلطات الشاهنشاهية في إيران . وكون النجف أصبحت نظرا لموقعها مركزا تجاريا مهما في العراق حيث كانت (القوافل تنصب عليها من الصحراء باستمرار حاملة مختلف البضائع والنقود الذهبية لتعود محملة بالرز والقماش والأغذية و (العباءة) الصوفية والوبرية والمضارب وغيرها وكلها من إنتاج العراق أو النجف نفسها . وقد كانت مركز بيع جميع المنتجات الزراعية والصناعية التي تنتج في الشرق الأوسط وبذلك كان فيها عدد غير قليل من البيوت التجارية مثل آل مرزة وال شلاش وال عجينة وال شعبان وال ألحبوبي وال شكر وغيرهم) وكان هناك عدد من الصيارفة وأصحاب المخازن الكبيرة (الخانات).
وذلك ما افرز حراكا فكريا واجتماعيا نشيطا في مثل هذه الأوساط وخصوصا من دعاة حركة المشروطة (الدستورية) بقيادة كاظم الخراساني وهي حركة متنورة دستورية مضادة للحكم المطلق والمستبد في تركيا وإيران وبقية أرجاء العالم الإسلامي ممثلة بذلك طليعة الطبقة البرجوازية الناهضة في هذه البلدان ومنها العراق ويضمنها مدينة النجف وكأنها تماثل البروتستانتية في الديانة المسيحية حاملة الغطاء الديني للنهوض البرجوازي ضد الاستبداد الملكي المطلق في أوربا بداية النهضة الصناعية . ومما يؤكد ذلك وجود نقيضها من جماعة (المستبدة) بقيادة السيد كاظم اليزدي وهي فئة محافظة (كاثوليكية) موالية للسلطات الحاكمة يتبعها ذوي الثروة والسلطان التقليدي من المرابين والإقطاعيين وأتباعهم . وقد تأثر النجفيون ومنهم عائلة الشاعر من البو شبع بالفئة الأولى كونهم كما أسلفنا من العمال الحرفيين المعدمين ولما تمتاز به هذه الحركة من نهج تحرري ومساندة العدالة والحرية . ومن تاريخ ولادة الشاعر في 1912 في طرف الحويش احد الأطراف الأربعة التي تشكلت بعد إعلان الحكومة المحلية النجفية بعد انتصارها على السلطة العثمانية في المدينة في عام 1915 من زعماء المحلات الأربع والبارزين من التجار والمثقفين .
وكذلك وعيه لإحداث ثورة النجف ضد الانكليزي في 19 آذار 1918 وما رافق ذلك من آلام وماس وبطولات في تلك الفترة حيث كان عدد من أباء وأجداد الشاعر من المشاركين في الثورة ومن المنفيين بعد فشلها وهم كل من (الحاج محمد أبو شبع وعباس حسون أبو شبع وهادي أبو شبع وعبد يوسف أبو شبع وخليل أبو شبع وهو جد الشاعر).








