ثقافة شعبية

الشاعر عبد الحسين أبو شبع .. الشاعر المقاوم وصاحب الروح الحية

حميد الحريزي

دراسة في طبيعة الشعر والشاعر

 الجزء الاخير

 

 

 

 

 

من غراميات الشاعر:-

وقد كان الشاعر مرهف الحس جياش العواطف والمشاعر الانسانية ومنها الغرامية وقد قال في ذلك أجمل الأبيات والقصائد والمواويل الشعرية ومن ذلك وصفه الرائع للملة في قصيدة بعنوان (وحگ شيلة الملة) 

وحگ شيلة الملة ونور وجنتهايطرب صوتها وتسحر ملاحتها

مملوحة شكل والوجه حنطاوي إلها جاذبية أو تجذب الهـاوي

دكتورة غرام اظنونها تداوي تشــافي تمــرض امـروتهـــــا

*  *  *

 وقوله ودعوته الحبيب إلى ترك الحديث الفارغ و الأقاويل والتفرغ للتمتع بجمال الحبيب والتأمل والاستمتاع بكمال صفاته.

 

لا تشغلني بس بالقال والقيل خليني بخيالي وين ما ميل

أحب أعيون سود بلا كحل ميل

*  *  *

وعلى ضوء أغنية عراقية اشتهرت في حينها للمطرب فاضل عواد بعنوان لا خبر لا چفيه لا حامض حلو لا شربت قال شاعرنا قولا جميلا  نقتطف منه مطلع قصيدة طويلة  في هذا المعنى:

 لا عهد لا چلمة وفه لا فرحة منچ حصلت

ما چنت ادري بالمهر لمن الحلقة انلبست

لا خبر من عندچ لفه لمن الحفلة انعقدت

او للناس  شحچي  بالخبر بس لو سمعت

*  *  * 

 ومن طريف ما قاله الشاعر حين داهمت جاموسة هائجة  دائرة مشروع الماء والكهرباء وتغريم العمال ما أحدثته من ضرر بالدائرة التي كان الشاعر يعمل فيها فقال في ذلك مناصرا قضية العمال  وما يتعرضون له من مظلومية في ظل السلطة الحاكمة آنذاك:

  هـ الشهر صارت علينه هوسه   هم نگيصه وهم نطح جاموسه

احنه عمال المكاين والاسلاك واگفين عله الخطر وعله الهلاك

بدل ما العامل يگولوله هاك   گاموا ينگصون من  فلوسه

*  *  *

كذلك فان الشاعر من مناصري قانون الإصلاح الزراعي الذي جاء لصالح الفلاح العراقي المعدم وإنصافه من ظلم وتعسف الإقطاع وجبروتهم كأحد المنجزات الهامة لثورة الرابع عشر من تموز حيث قال الشاعر:

 الإصلاح الزراعي اليصلح الأوضاع  الثمر لهل الثمر والأرض للزراع

*  *  *

ومن طرائفه التي  يرويها الشيخ شنان الخفاجي صديقه ورفيق عمره  حيث يقول(كنا جالسين أنا وعبد الحسين  في مقهى گبون  المجازة في رمضان وقد قدم  أبو علي سيكارة جمهوري إلى حسين الكوفي فرد عليه بأنه صائم فقال له أبو علي شعرا

 صايم شهر رمضان لبالك ايفيد   قبطت هيجي شكول الجنة متريد

*  *  *

ومن شعره الموصوف بالحكمة  والدعوة لاخيتار الأصدقاء وتحكيم الفرد لعقله في تبني الأفكار.  وان المشورة المسداة يجب أن تكون واضحة جلية ظاهرة غير مرمزة وان يمتلك الداعية لقول الحقيقة بصوت عال دون خوف او تردد وتورية:-

 قارن بين هذا وذاك لتحير وامشي حسب عقلك واتزانه

او للانسان احچيله التفسير موترمزله و اتبسبس بذانه

 وفي وصفه للقلم باعتباره أداة بيد من يمسك به إن كان نصيرا للحرية أو داعيا للعبودية حيث يقول:

 يعبر عن ضمير إللي يملكه يسير بحسب توجيه المسير

إذا حر بطريق اللي يسلكه تشوفه أيفهم الناس ويحرر

واذا مستعبد بقيده يهلكه   يخذل من يجي القيده يكسر

*  *  *

وقد كانت للشاعر مواقف جريئة وواضحة في مناصرة ثورة 1958 والدفاع عنها بالنفس والشعر في كثير من القصائد الشعرية التي تدل على وعي متقدم وعميق  في تشخيص أسباب الظواهر والمواقف لمختلف فئات وطبقات وشرائح المجتمع العراقي ومنها مثلا يتساءل بتهكم ويرد بالحجة القوية عن سبب كره بعض القوى المحسوبة على الدين  للاشتراكية التي يراها الشاعر من صلب الدين الإسلامي وسلوك وتعاليم  رموزه فيقول بعض ما يقول في هذا المجال:-

تحرم الاشتراكية عله يا راي  والقرآن گايلها يمولاي

شراكه بالهوه والارض والماي   والاستعمار ما بيه النه تعمير

إذا انته خليفة علي الكرار وتعمل بالقضية وعندك أسرار

اشو تضرب دجاج أبليل ونهار   عاش ومات ذاك ابخبزة اشعير

 وفي قصيدة له يعاتب فيها أبانا ادم (ع)وسبب تركه لجناة النعيم ليحيا هو وأبناؤه من بعده حياة البؤس والشقاء ،ولكنه في ذلك لا يحمل أمنا حواء سبب الخطيئة كما تتناول ذلك الروايات بل يصورها صادقا بأنها ظلمت وقد جنى عليها ادم  وهي التفاتة رائعة ووعي متقدم يخالف التقليد الظالم للمرأة ويتعالى عليه:-

 شلون ادم لعب لعبه ويانه   ريت لاألله خلقه ولا جانه

جان بالجنه أو حوه بجانبه يشرب وياكل فواكه طيبه

يشرب ابنهر الخمر يستعذبه ونهر ثاني يكرع البانه

*  *  *

 وله دائما وقفات مشهودة في نصرة الحق والعدل ورموزه والرفع من شان المناضلين والتغني بتضحيات الشهداء الإبطال  الذين سار في طريقهم طريق الكفاح الوطني والطبقي والديمقراطي ومنها ما قاله بحق البطل الشهيد حازم الاعرجي المناضل  الذي أعدمته السلطة الفاشية بعد أن فشلت  انتفاضة حسن سريع البطولية في معسكر الرشيد وكان الشهيد من رفاق حسن سريع والمشاركين في الانتفاضة حيث وقف على قبره قائلا:-

عيني تشاوف عالدرب وتراب

ومتهزني العواصف بعد وتراب

يرى گبرك الشامت حجر وتراب

ويره التاريخ قبرك  مزهريه

*  *  *

وفي ما ذكرنا من الأمثلة والنماذج الشعرية وفي مختلف الأغراض والحوادث والمناسبات وهي تشهد على براعة التعبير وقوة التأثير وقدرة فائقة على التعبئة والتنوير التي امتاز بها شاعرنا الشهيد.

وبذلك نكون قد أوفينا بعضا من مستحقات العامل  الثالث  للعوامل النورية (نسبة للمفكر والعلامة العراقي الكبير الدكتور نوري جعفر) المطلوبة من الباحث في دراسة وتقييم نتاج  الأديب أو المبدع وخصوصا الشاعر .

مقاومة الشاعر للترهيب والترغيب:-

قد قاوم الشهيد الشاعر أبو علي الكثير من الترغيب والترهيب مقابل أن يكف عن كشف رموز الظلم من القوى المحسوبة على الدين وقوى الإقطاع وممثلي السلطات الحكومية المستبدة التابعة والمتحالفة مع قوى الاستغلال العالمي حيث يذكر ولده حيدر إنهم وعدوه براتب شهري يسد به ضائقته ويعيش مرفها هو وعائلته  ولكنه رفض ذلك, ومما ذكره الحاج أموري شبع بهذا الخصوص  انه في عام 1971 أرسل قائم مقام النجف على أبو علي طالبا منه أن يمتدح السلطة في قصائده الحسينية التي يلقيها الرواد يد من على المنابر وخصوصا في شهر محرم  لأحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين(ع) فرفض أبو علي ذلك معتذرا بان القصائد أعدت للمناسبة قبل سنة ووزعت على الرواد يد  ولا يمكنه استرجاعها منهم واستبدالها ألان مؤملا إياه بان يعمل بوصيته في السنة القادمة إن بقوا أحياء…. فغضب القائم مقام لهذا الرد وأمر بإيداع الشاعر في السجن وبالفعل بقي محجوزا لمدة ثلاثة عشر يوما وقد كان الناس يزورونه جماعات وبدون انقطاع  مما أثار خشية  وحفيظة السلطة  وردود الفعل المحتملة  من أهالي النجف وغيرهم إن بقي الشاعر في الموقف فتم الإفراج عنه .

وهنا نقول إن هذا الصوت المدوي  والمجلجل  بالحق والعدل ونصرة المظلومين  قد تعرض  للظلم والتجاهل  والجحود من قبل أصحاب السلطة والجاه وإضرابهم ولهم في ذلك عذر  إذ إن الشهيد كان طوال حياته  شوكة في عيون الحكام  والسلاطين  والمستغلين  مصاصي دماء  الشعوب وكذلك تناساه رفاق الأمس الذي دخل السجون وحورب لأنه حمل لواءهم  لا لكونه قد تخلى  عن فكره ومنهجه الاشتراكي الذي تمسك به  طوال حياته ولكن بسبب تفرده وقوة حدسه ووعيه العالي  رافضا أن يكون رقما ضمن قطيع يؤمر فيطيع ويعترض فلا يسمع ولا يطاع وهو المتميز برهافة وعمق وأصالة حسه الوطني والطبقي. ولكن ما يخفف من لوعة الحسرة والألم لتجاهل مثل هؤلاء الكبار وهم كواكب تضيء سماء مدنهم وأوطانهم  إن أسماءهم  وأفكارهم  وإشعارهم  عاشت  ولازالت  تعيش  وتزهر في قلوب  وذاكرة  المناضلين  الحقيقيين  وعموم الكادحين والأحرار التواقين  للسلام والعدل  والحرية .

 انه لعجب أمر هذه المدينة  حيث ينصب تمثال لشاعرها العظيم  ألجواهري في مدينة اربيل والسليمانية وكأنه شاعر الكرد الأكبر وليس شاعر العرب الأكبر والعراقي والنجفي الأكبر فتبخل  مدينته عليه حتى باسم  جامعة  أو ساحة  وحتى باسم شارع من شوارعها وكذا هو حال شاعرنا الشهيد عبد الحسين أبو شبع.

  لنا الثقة الكاملة أن لا يطول أمر تجاهل  هذه الرموز  الشعرية والأدبية  ولا نقول السياسية  المضحية  والمناضلة  من الأبطال والشهداء ا لمقاومين للاستعمار والاستبداد والاستغلال والدكتاتورية أمثال نجم البقال وكاظم صبي  وأبو الأحرار كاظم الخراساني وسلام عادل  والشبيبي ومحمد موسى التتنجي  وبحر العلوم وكأنه لازال يترنم بملحمته الخالدة  غافرة ذنوبه وهفواته  معبرة عن مظلومية الجميع مما ذكرنا ولم نذكر وهو يردد باسمهم جميعا   أين حقي؟

نأمل أن تكون دراستنا المتواضعة هذه  حافزا لمن لهم القدرة  والاطلاع وسعة المعرفة  بالشاعر  وتراثه الشعري  ومواقفه وهم كثر  لغرض أن يجمع تراث الشاعر المتناثر والذي لا تخلو منه ذاكرة نجفي ممن جايله وعاشره  طوال حياته الثرة . نأمل أن نرى من يرفع صوته  ويشحذ قلمه  لا نصاف الشاعر  الشهيد  وان يحتسب من الشهداء  رسميا  وتتخصص لعائلته راتبا يليق بابناءه وأحفاده  حاملي اسم هذا الشاعر والمناضل الكبير. وإنصافه معنويا برفع اسمه  بأحد الشوارع والساحات الرئيسية وخصوصا التي كانت قصائده تلقى من على منابرها  أو دارا من دور الثقافة  والشعر والأدب في المحافظة  كي تتعرف  وتستذكر الأجيال وتكون وفية لكل من ضحوا  وقدموا التضحيات الجسام  في سبيل العدل والاستقلال والحرية.

 نتمنى على اتحاد الأدباء  والكتاب أن يتبنى  تراثه الشعري  لجمعه  وتصنيفه  وطبعه وإصداره  وتوزيعه  باعتباره رمزا من رموز الثقافة  والأدب الشعبي  وعلما وراية من رايات  الكفاح من اجل عراق حر ديمقراطي  موحد.

(سال تيمورلنگ  في مجلسه الإمبراطوري المهيب  والبالغ العظمة وهو يعتلي عرشه الجبار سال الشاعر كرماني وقد كان اقرب جلسائه إليه:

– ياكرماني بكم تشتريني لو عرضت في سوق البيع؟

فأجابه قائلا: بخمسة وعشرين دينارا .

– قال تيمور لنك في كثير من الدهشة ؟..

ولكن حزامي وحده يساوي هذه القيمة!

فا جابه كرماني إنما كنت أفكر بحزامك وحده لأنك أنت نفسك لا تساوي فلسا واحدا

هكذا خاطب الشاعر ملك الملوك رجل الهول والشر تيمور لنگ

فليرفع مجد الشاعر صديق الحق فوق مجد تيمور لنگ  ولنسبح بحمد الشعراء الذين لا يعرفون غير كلمة الحق الجميلة التي لا تهاب).

هذا ما قاله مكسيم غوركي بحق الشاعر والشعراء وما أورده حنا مينه في كتابه عن الشاعر العظيم ناظم حكمت  إما نحن فماذا نستطيع أن نقول ونكتب عن الشاعر عبد الحسين أبو شبع ماهو أكثر بلاغة من ذلك فلا يسعنا إلا إن نثني على قول غوركي

وبالمناسبة نورد قصيدة رائعة للأستاذ الشاعر  كاظم ستار البياتي ألقيت في الحفل التأبيني الذي أقامه اتحاد الأدباء في عمل جريء رغم انف الدكتاتورية التي غيبت جسد الشاعر ولكنها لم تستطع تغييب روحه وذكراه العطرة في قلوب مواطنيه من كافة الشرائح الاجتماعية.حيث ألقيت هذه القصيدة بتاريخ 3\12\1999.

تحت عنوان (من سطور التعب)

رتلت حرفك آيا اثر آيات 

  طافت معانيك مابين السموات

وقلت مالم يقله مدع اثر

  يناصـب الحق يدعو للمراءات

قد يهمك أيضاً

استضافة وتصميم: شركة المرام للدعاية والإعلان